يرى الباحث في القانون الإداري، طارق أتلاتي، أن إعلان السلطات العليا عن التأسيس الفعلي للجنة الاستشارية للجهوية يأتي في سياق تقديم المغرب لمقترحه القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية، وكذا في إطار العمل على تحريك نظام الجهوية بالمغرب الذي ظل جامدا منذ مدة، داعيا إلى ضرورة أخذ اللجنة الاستشارية بعين الاعتبار مختلف العوائق والإكراهات الإدارية والسياسية التي اعترضت نظام التدبير الجهوي طيلة سنوات ومؤكدا أيضا أن أي جهوية منتظرة لا يجب أن تتجاوز الخطوط الحمراء. - كباحث جامعي كيف تنظر إلى اللجنة الاستشارية حول الجهوية التي أعلن عنها الملك في خطابه الأخير؟ بداية يمكن القول إن بداية فتح هذا الورش الذي تم الإعلان عنه في نونبر من سنة 2008، وفي هذه الفترة بالضبط له معنيان؛ الأول سياسي حيث تزامن الإعلان الملكي مع زيارة المبعوث الأممي كريستوفر روس إلى مخيمات تندوف، والمعنى الثاني يتجلى في استكمال مسار اللامركزية بالمغرب من منطلق جرأة المبادرات التي عود عليها الملك الفاعلين في المشهد السياسي، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ذلك يأتي في سياق إعطاء دفعة لهذا المشهد السياسي اعتبارا للتعثرات التي عرفتها المحطات الانتخابية الأخيرة سواء التشريعية في سنة 2007 أو مختلف الاستحقاقات التي عرفناها في الصيف الماضي، وهي التعثرات التي ظهرت جلية من خلال التعبئة لهذه الاستحقاقات وكذا من خلال حتى التعديلات التي واكبت ذلك. بعبارة وجيزة فإن الإعلان الملكي جاء في سياق عنصرين أساسيين هما استكمال اللامركزية بالمغرب وتفاعلات ملف الصحراء المغربية. لكن يجب التذكير بأن الجهوية التي كانت متنفذة في المجتمع التقليدي بما تقوم عليه من قبلية وعشائرية وممارسات ثقافية واجتماعية تكرس الاختلاف بين مختلف القبائل، يتم حاليا التأسيس لتجاوزها لتبني جهوية أخرى لمغرب معاصر، إلا أن الرهان القائم الآن هو كيف سيتمكن هؤلاء المشرفون على المشروع من وضع تصور لجهوية موسعة كما يريدها الملك؟ - هل المغرب في حاجة إلى نظام جهوي موسع أكثر مما هو موجود حاليا؟ نعم المغرب بحاجة إلى ذلك على اعتبار الجمود والركوض الذي عانت منه طيلة سنوات آليات الاشتغال على مستوى الجهة، ومجالس الجهة واختصاصات المجالس والرئيس وغير ذلك، حيث ظلت هذه المؤسسة شبيهة ببركة جامدة، ولا توجد فعالية على مستوى الجهات خاصة في ظل وجود مؤسسات أخرى موازية كمراكز الاستثمار الجهوية، وظلت هذه الجهة عرضة لمجموعة من التجاذبات والإكراهات الإدارية والسياسية المختلفة، وإلى جانب ذلك هناك عائق آخر اجتماعي، حيث إن الكثير من النخب الاجتماعية والسياسية لم تتمكن بعد من إنضاج وعي اجتماعي وسياسي مسؤول يكرس مفهوم مصلحة الوطن العليا، وهذا ما يجب على اللجنة أن تجيب عنه أيضا في إطار مهمتها غير اليسيرة بطبيعة الحال خاصة في ظل قصر الفترة المخصصة لها. - في هذا الإطار إلى أي حد تستطيع هذه اللجنة تقديم نموذج مغربي لجهوية موسعة كما يريدها الملك؟ أولا يمكن الإشارة إلى أنه منذ إعلان الملك عن هذا الورش المهم وقع هناك خلط بين جهوية في مفهومها السياسي وجهوية متقدمة في مفهومها الإداري، وبالعودة إلى تحليل مضامين الخطاب الملكي فإن المقصود هو جهوية متقدمة من الزاوية الإدارية على أساس إعادة النظر في الاختصاصات، ومن جانب آخر على المستوى الاقتصادي يعني ذلك إعادة التقسيمات الترابية للجهوية. وتجب الإشارة هنا إلى أنه رغم وجود مختص في علم الاجتماع ضمن لائحة أعضاء اللجنة الاستشارية، فإن ذلك غير كاف وكان لابد، خاصة في ما يتعلق بالأقاليم الجنوبية، أن يكون التركيز على علماء الاجتماع بشكل أكبر انطلاقا من كون التركيبة القبلية في الأقاليم الجنوبية تتطلب تدقيقا وتفصيلا خاصا، وشخصيا لا أعتقد أن فترة ستة أشهر، المحددة كمدة للجنة لتقديم تصورها، قادرة على معالجة هذه النقطة في الأقاليم الجنوبية. ولكي نصل إلى نظام جهوية كآلية تدبيرية للترشيد وأداة من أدوات التشريع في مجال التنمية وفق ما استخلص من الخطاب الأخير علينا أن نعرف كيف سيستطيع هؤلاء المختارون تقديم تصور حول الجهة في إطار التوجهات الكبرى للمجتمع، خاصة في ظل السياق الحالي الذي تقتصر فيه الجهوية على تطبيق الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، إذ لا يمكن للمغرب تبني نظام جهوي سياسي خارج إطار الحكم الذاتي الذي أخذ مسارا لدى المنتظم الأممي في إطار مساعي المغرب لإيجاد حل لصراع ظل قائما منذ 35 سنة. - وللوصول إلى جهوية موسعة يقتضي ذلك القيام بإصلاحات دستورية وقانونية، فإلى أي مدى تتوقع كباحث جامعي أن يقدم المغرب على إصلاحات جذرية في هذا الشأن؟ بالنسبة للإصلاحات القانونية فإني كباحث ومهتم أرى ألا مناص منها من أجل جهوية ذات تصورات جديدة لإعطائها نفسها الخاص بها طبعا، ولكن بالنسبة للإصلاحات الدستورية فإنها تظل مسألة مستبعدة الآن بالنظر إلى أن الأمر لا يتطلب نوعا من الاستقلال بالنسبة لهذه الجهات على شاكلة الاستقلال الذاتي الذي يعرف وجود برلمان وحكومة مستقلة وغير ذلك، وإن كانت الجهوية المتوخاة بالمغرب ستسمح بمزيد من السلطات الممنوحة للمسؤولين والمنتخبين جهويا، وأن المسألة لن ترقى إلا إلى الأخذ بأنماط غربية لكن بخصوصية مغربية، كما قال جلالة الملك، وعندما نتحدث عن الخصوصية المغربية فإننا نتحدث عن وجود خطوط حمراء لا بد من مراعاتها عند ممارسة هذا النوع من الديمقراطية على مستوى الجهات وبالتالي فإن الإصلاحات الدستورية تبقى رهينة بتطبيق الحكم الذاتي وخارج هذا الإطار يمكن تصور القيام بإصلاحات دستورية. - في هذا السياق هل يمكن الحديث عن كون المغرب ماضيا في تطبيق مقترح الحكم الذاتي بغض النظر عما قد تسفر عنه المفاوضات مع البوليساريو؟ فعلا هذه مسألة مطروحة بإلحاح، ولكني كمتتبع لا أعتقد أن المغرب ذاهب إلى تطبيق سياسة الأمر الواقع كما قد يتصور البعض، لأن ذلك قد يضر بمصالحه العليا لدى الدول الكبرى المؤثرة في العلاقات الدولية، وأمام مختلف مكونات المنتظم الدولي، على أساس أن مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو تصور موضوع للتفاوض ونقطته الإيجابية هو أنه قوبل ضمنيا من طرف مجموعة من الدول المؤثرة بالإضافة إلى الأممالمتحدة على أساس أنه إطار للتفاوض، ومن هنا فإن المغرب إذا سحب ذلك من الأممالمتحدة ومن السياق الدولي وطبقه بتفرد فإن من شأن ذلك أن يعتبر فرضا على ساكنة الصحراء وهذه مسألة سلبية. - أي نموذج لجهوية موسعة كفيل بتحقيق حكامة ترابية بالمغرب؟ أي تصور يتعلق بإدارة التراب الوطني للمملكة وتنظيمه لابد له أن يأخذ مختلف التعثرات والعوائق السياسية والاجتماعية التي عرفها تطور المسار الديمقراطي الوطني بعين الاعتبار، وكل هذه العوامل تجعل من الجهوية قائمة في جوهر هذه المشاكل المختلفة، وهو ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة التخطيطات المعتمدة على أساس مراجعتها وبنائها على أسس جديدة أكثر نجاعة وعقلانية. وأعتقد بتبني هذه الرؤية العقلانية على الأقل كما يؤكد على ذلك الخطاب الرسمي وأخذا بعين الاعتبار مختلف الخصوصيات والمقومات الجهوية للمجتمع، إنه يمكننا الوصول إلى هذا النوع من الجهوية. وهنا يمكن الإشارة إلى أن الجهوية عانت بشكل كبير من إبعاد وتهميش البحث العلمي طيلة السنوات الماضية، وهو ما ركزت عليه في مؤلف لي، وهو ما يجعل هذه اللجنة في أمس الحاجة إلى الانفتاح على الحقل العلمي تماشيا والدعوة الملكية التي أكدت على ضرورة الانفتاح على كل الفاعلين والمهتمين بالمجال بمن في ذلك الباحثين، وهي وحدها الشروط الأساسية المساندة والموجهة لعمل هذه اللجنة إذا ما تمت مراعاتها، للوصول إلى جهوية ذات أبعاد تنموية كما هو موجود بالدول المتقدمة.