سيكون أمام أعضاء اللجنة الاستشارية الجهوية تحدي إيجاد عدد من التوازنات والتوافقات الضرورية لبلورة نموذج مغربي لجهوية متقدمة يراعي التنوع والتباين في الوضعية الاقتصادية والبشرية والجغرافية للجهات ال16، وهو الاختلاف الذي تكشف عنه المعطيات الإحصائية الواردة في تقرير «مغرب الجهات 2008» الذي أصدرته قبل أسابيع قليلة المندوبية السامية للتخطيط، والتي قال مسؤولها الأول، أحمد حليمي، في ديباجة التقرير إنها منكبة على إعداد تقارير جهوية للحسابات الوطنية للوقوف، بالتدقيق، على إسهام كل جهة على حدة في النمو الاقتصادي للمغرب. ويتضح من خلال التقرير المشار إليه أن لكل جهة من الجهات نقاط قوة اقتصادية تميزها عن غيرها، بالمقابل تعاني من جوانب نقص تحد من نموها، فجهة وادي الذهب الكويرة وعموما جهات الصحراء تتصدر لائحة جهات المغرب فيما يخص نسبة السكان الحضريين بحيث تتراوح بين 62 و93 في المائة، وهو ما يجعل النشاط الزراعي ضئيل الحجم في مساهمته في الاقتصاد المحلي الصحراوي، رغم وجود نشاط مهم لتربية الإبل. كما يحتل قطاع الصيد البحري مكانة كبيرة في خلق فرص الشغل والقيمة المضافة المنتجة، فقيمة الكمية السمكية التي تم تفريغها في جهة وادي الذهب الكويرة في سنة 2007 بلغت 604 ملايين درهم، لكن بالمقابل فإن الطاقة الإيوائية للجهة تبقى هزيلة رغم المؤهلات السياحية التي تتوفر عليها، بحيث لا تشكل عدد الوحدات الفندقية المصنفة 0.2 في المائة من العدد الإجمالي. وبالانتقال إلى شمال الأقاليم الجنوبية نجد جهة سوس ماسة درعة، والتي يغلب عليها الطابع القروي، مع حضور قوي للإنتاج الفلاحي بحيث تعد أكبر جهة مصدرة للخضر والفواكه في المغرب، إذ تغطي المساحة المزروعة 656 ألف هكتار، ولكن مردودية الأراضي المزروعة بالحبوب تظل هزيلة (3.5 قنطارات في الهكتار) بفعل النقص الحاد في الموارد المائية، ويتصدر قطاع الصناعة الغذائية قائمة الأنشطة الصناعية في جهة سوس، بحيث قدرت قيمة ما ينتجه بنحو 9.1 ملايير درهم في العام 2006. وفي وسط المغرب، تعتبر جهة الشاوية ورديغة من أخصب جهات المغرب من حيث الأراضي الفلاحية، مع غلبة الحبوب على المزروعات الأخرى، كما تنتج الجهة 64.2 في المائة من الفوسفاط المنتج على الصعيد الوطني. وفي أقصى الشرق المغربي تحتل الجهة الشرقية 11.3 في المائة من المساحة الإجمالية للمغرب، إلا أنها تفتقر إلى بنيات صناعية قوية ويرتكز اقتصادها أساسا على النشاط الزراعي والرعوي، بحيث تنتج الجهة قرابة 16 في المائة من الإنتاج الوطني من الحوامض، كما تضم قطيعاً مهماً من الماشية قوامه 1.8 مليون رأس. وفي شمال المغرب تحتوي جهة طنجة تطوان على نسيج صناعي كبير بفعل الموقع الاستراتيجي للجهة، حيث القرب من أوربا ومضيق جبل طارق، وتساهم الصناعة في الجهة بنسبة 16.6 في المائة من إجمالي صادرات المغرب، كما أن للسياحة نصيب لا يستهان به، بحيث تحقق الجهة نسبة 10.2 في المائة من الوافدين على المؤسسات الإيوائية على المستوى الوطني. كل هذه الثروات وغيرها يرى العديد من المتخصصين ضرورة تقييمها وجردها بشكل دقيق بغرض إيجاد توازنات جديدة بين السلطات المركزية والجهات بما يضمن لهذه الأخيرة الموارد المالية الكافية، وليس تحويلات ضئيلة من الميزانية العامة للدولة لا تسمح للجهات بأن تضطلع بالأعباء التي يفترض أن تقوم بها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية عند إرساء الجهوية المتقدمة. فالوضع الحالي للعلاقات بين الدولة المركزية والجهات على المستوى المالي مثلا لا ينسجم ومطلب إرساء الجهوية المتقدمة، إذ إن الدولة تقوم بنقل إمدادات مالية إلى لجماعات المنتخبة، سواء كانت جهات أو أقاليم أو الجماعات محلية، في حين أن ما تحصله الدولة من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة المهنية (الباتنتا) هي في الحقيقة ضرائب محلية تجبى من شركات وأفراد يوجدون في فاس ومكناس ووجدة والعيون وغيرها ولكنها تحول إلى المركز، ومع ذلك فإن الجهات والأقاليم والجماعات لا تنال منها إلا نسبة 10 %.