«حدد الملك محمد السادس مرتكزات أربعة للتصور المنشود للجهوية، وهى التشبث بمقدسات الأمة وثوابته وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن» في نهاية الأسبوع الماضي قام الملك محمد السادس بتنصيب أعضاء اللجنة الاستشارية للجهوية، التي عهد إليها بمهمة إعداد تصور شامل حول الجهوية ورفع التصور النهائي إليه في نهاية شهر يونيو المقبل. وتشكل مبادرة إنشاء اللجنة نقلة نوعية في تعاطي الدولة مع مفهوم الجهات، منذ أن تبنى المغرب دستوريا نظام التقسيم الجهوي للمملكة قبل عدة سنوات، كما أنها تشكل تحولا نوعيا في اتجاه تطبيق خطة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، التي وضعها المغرب كإطار لحل نزاع الصحراء المغربية وأرضية للتفاوض مع جبهة البوليساريو. الملك محمد السادس حث اللجنة على إبداع نموذج مغربي مغربي للجهوية، وعدم استنساخ التجارب الأخرى، وظهر ذلك من خلال تشكيلة اللجنة التي ضمت جميع التخصصات والمجالات، من القانون إلى التاريخ مرورا بالحكامة الترابية والثقافة والاقتصاد والجغرافيا لإعطاء الجهوية المنشودة في المغرب مضمونا حقيقيا يراعي المعطيات التاريخية والسيوسيو ثقافية واللغوية والترابية للجهات في المغرب. وحدد عمل اللجنة بضابط أساسي هو الحفاظ على الخصوصية المغربية التي تتجلى من خلال المؤسسة الملكية، التي ظلت على مر العصور كما ورد في الخطاب ضامنة لوحدة الأمة. وقد حدد الملك محمد السادس مرتكزات أربعة للتصور المنشود للجهوية، ترتكز على التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن» إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات»، والمرتكز الثالث هو اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، وأخيرا انتهاج اللاتمركز الواسع» الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة قائمة على التناسق والتفاعل». وأضاف العاهل المغربي أن المطلوب من هذا الورش الذي فتحه المغرب بلوغ أهداف جوهرية، في مقدمتها إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة. وقد شهد النقاش حول المشروع الجهوي في المغرب تقدما ملحوظا خلال الأعوام الأخيرة، مع تصاعد مطالب بعض الجمعيات والهيئات المحلية في العديد من جهات المغرب، داعية إلى بلورة تصور عملي لجهوية حقيقية تمنح الجهات في المملكة صلاحيات أوسع في تدبير القضايا المحلية، وعدم رهن الشأن المحلي بالسلطات المركزية. واستقطب هذا النقاش عدة أطراف سياسية ومدنية في المغرب، خصوصا بعدما أكد النظام الجهوي الذي تم العمل به في السنوات الأخيرة على محدوديته في التعاطي مع قضايا المواطنين في مختلف المجالات التي تهم الحياة اليومية لهم. وكان في صلب هذا النقاش نقاش يهم الخصوصيات اللغوية، كما حصل في منطقة الريف مثلا، أو الخصوصيات القبلية كما هو الحال في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يجعل اللجنة الاستشارية تأتي في موعدها من أجل وضع تصور للجهوية يضمن الانتقال بتدبير الشأن المحلي إلى مستوى أكثر اتساعا يستوعب الخصوصيات المتنوعة في المغرب في إطار اندماج اجتماعي ضمن مشروع للدولة الحديثة، يعترف بالجهات ككيانات مستقلة بحقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، في إطار التضامن بين الجهات لاستدراك التفاوت بينها، كما أشار إلى ذلك الخطاب الملكي، بهدف الحيلولة دون وجود خلل في التوازن قد يجعل جهة معينة متفوقة على جهة أخرى. وحسب مصادر مطلعة، فإن اللجنة الاستشارية حول الجهوية ستشرع قريبا في فتح مشاورات مع مختلف الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني في مختلف الجهات بالمملكة، من أجل جمع المعطيات الأولية قبل صياغة مشروعها النهائي. وسيكون في صلب المشروع الجديد للجهوية، المرتقب أن يرى النور في يونيو المقبل، أن يقطع مع التقسيم الإداري المعمول به حاليا، الذي يقسم جهات المغرب إلى 16 جهة، والذي وجهت إليه انتقادات كثيرة بسبب عدم مراعاته للخصوصيات الجغرافية والقبلية واللغوية.