في أفق الانتخابات الإقليمية المزمع عقدها في فرنسا عند منتصف مارس القادم، شرعت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في سباقها في سوق المزايدات من حول المهاجرين، «الرقم الرابح» الذي يبرر إلى حد ما وجودها السياسي، إذ يعتبر عداء الأجانب وتجييش الإعلام من حولهم العمود الفقري للجبهة الوطنية برئاسة جان ماري لوبين، والتجمع من أجل حركة شعبية بزعامة ساركوزي. وهكذا وقع، وفي ظرف أربع وعشرين ساعة، نوع من التصادي بين جان ماري لوبين وإيريك بيسون، وزير الهجرة، الاندماج، والهوية الوطنية، إذ في السادس من هذا الشهر، خلال حفل تقديم التهاني إلى الصحافة بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة، طالب لوبين بإجراء استفتاء حول الهجرة. ثم أضاف أن حوار الهوية الوطنية الذي دعا إليه الرئيس ساركوزي سيعزز من قوة الجبهة الوطنية في الانتخابات الإقليمية لشهر مارس. وتنبأ بأن تحصل الجبهة في إثني عشر إقليما على 10 في المائة من الأصوات، وهي نسبة تمكنها من خوض الدور الثاني من الانتخابات. غير أنه اعتبر أن الحوار في موضوع الهوية «مغشوش» و»موجه». وبما أن جان ماري لوبين من عشاق المغرب، الذي يتردد على زيارته بانتظام، فلم يفته أن يستلهم كلمة «بلغة» للإشارة إلى أن هذا الحوار يستحوذ عليه «نواب لبلاغي»، Les députés babouches، الذين خلفوا «نواب لابسي الأحذية العسكرية les députés godillots. ولم يفته أيضا التذكير بحظر سويسرا للمآذن والدعوة إلى السير على نهجها لتنظيم استفتاء حول الهجرة، التي قال عنها إنها تثقل كاهل الاقتصاد، الأمن، البطالة، والتعليم في البلد. وفي موضوع البرقع، أشار إلى أنه يوافق على حظر هذا اللباس. «يمنع القانون على الأشخاص المقنعين التجول في الفضاءات العمومية.. ويجب على البوليس التدخل لتطبيق القانون.. وليس من الضروري أن يصوت البرلمان لصالح قانون جديد بشأنه». في الانتخابات الإقليمية القادمة، يتقدم جان ماري لوبين على رأس قائمة الجبهة الوطنية لجهة بروفانس-آلب-كوتدازير، بالجنوب الفرنسي. وقد حرص قبل أن يغادر رئاسة الحزب ويسلم المفاتيح إما إلى ابنته مارين لوبين أو لبرينو غولنيش، المرشحان لخلافته، على أن «يطلق» بارود الشرف على المهاجرين، حصان طروادة معاركه الخائبة. في الغد، وفي ما يشبه المزايدة، أعلن إيريك بيسون على قناة «أروب 1» وببرودة دم، أنه طرد، عام 2009، 29000 مهاجر سري، فيما حدد له الرئيس ساركوزي سقف 27000! لم يخطئ المحللون والمعلقون السياسيون لما نعتوا بيسون ب»صوت سيده»! على المدى القريب، يبقى مطمح ساركوزي نزع البساط من تحت أرجل الجبهة الوطنية ثم الإطاحة خلال هذا الاقتراع بالحزب الاشتراكي الذي يرأس 20 إقليما من بين 22. قبل هذا التصريح بيومين، كان بيسون قد عقد ندوة صحفية لتقديم الخلاصة الأولى للنقاش الذي دعا إليه في الثاني من نوفمبر في موضوع الهوية الوطنية. مسلحا بإحصائيات واستفتاءات، أشار الوزير إلى أن النقاش الذي اغتنى ب50.000 مساهمة مكتوبة و227 مناظرة أقيمت في ربوع فرنسا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، «النجاح الباهر والشعبي» لهذه المبادرة. أما عن الزلات والانزلاقات المعادية للإسلام والمهاجرين التي تخللت مداخلات بعض الوزراء مثل نادين مورانو، كاتبة الدولة في العائلة والتضامن، وتصريحاتها المحتقرة للمسلمين، أو شهادات العديد من المواطنين الذين أرخوا العنان لشهادات حاقدة ضد الأجانب، سواء في التجمعات العمومية أو على الأنترنيت، فقد شطبها بيسون بحركة استهزاء معتبرا أن شيئا من ذلك لم يحدث. في انتظار أن يتدخل ساركوزي في أواسط فبراير في الموضوع، سيعرض إيريك بيسون قبل نهاية هذا الشهر على الرئيس والوزير الأول الحصيلة النهائية للنقاشات والمساهمات، تتضمن اقتراحات غريبة عجيبة تعطي البرهان على تفاهة هذا النقاش وخلفياته الإيديولوجية المشينة، مثل أن يؤدي الشخص الذي يطالب بالجنسية الفرنسية القسم على أن «يكون» فرنسيا، ثم أن يغني «لامارسياز»، النشيد الوطني الفرنسي، خلال المباريات التي يخوضها الفريق الوطني الفرنسي أو أحد أندية القسم الوطني الأول، إلخ... إنها تواشي على الحواشي. الحاصول «زواق» الهوية يطير، يطير. وسيبقى المهاجر أو الأجنبي حتى ولو حصل على الجنسية، بعد أداء القسم وغناء لامارسياز، رغما عنه، كبش فداء، وتبقى مواقف اليمين واليمين المتطرف حلوف كرموص.