أعلن الملك محمد السادس، مساء أول أمس الأحد من مدينة مراكش، عن تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية التي وضع على رأسها عمر عزيمان، السفير المغربي الحالي في مدريد، والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، التي أناط بها مهمة إيجاد نموذج مغربي للجهوية نابع من الخصوصية المغربية. وجاء تنصيب اللجنة بعد نحو خمسة أشهر عن الإعلان عنها في الخطاب الملكي في يوليوز الماضي بطنجة. وقال الملك محمد السادس في خطاب بالمناسبة: «إننا ندعو اللجنة إلى الاجتهاد في إيجاد نموذج مغربي - مغربي للجهوية، نابع من خصوصيات بلدنا، وفي صدارتها انفراد الملكية المغربية بكونها من أعرق الملكيات في العالم. فقد ظلت على مر العصور ضامنة لوحدة الأمة ومجسدة للتلاحم بكافة فئات الشعب والوقوف الميداني على أحواله في كل المناطق». واعتبر العاهل المغربي تنصيب اللجنة «لحظة قوية»، و«انطلاقة لورش هيكلي كبير نريده تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية»، مهيبا باللجنة أن تكون انبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق. وقال الملك في خطابه: «غايتنا المثلى التأسيس لنموذج رائد في الجهوية بالنسبة للدول النامية، وترسيخ المكانة الخاصة لبلادنا، كمرجع يحتذى في اتخاذ مواقف وطنية مقدامة، وإيجاد أجوبة مغربية خلاقة للقضايا المغربية الكبرى». وحدد الملك محمد السادس مرتكزات أربعا للتصور المنشود للجهوية، الذي حث اللجنة على رفعه إليه في شهر يونيو المقبل، ترتكز على التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن، «إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات»، والمرتكز الثالث هو اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، وأخيرا انتهاج اللاتمركز الواسع» الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة قائمة على التناسق والتفاعل». وأضاف العاهل المغربي أن المطلوب من هذا الورش الذي فتحه المغرب هو بلوغ أهداف جوهرية، في مقدمتها إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة. وربط العاهل المغربي بين مبدأ الجهوية في المغرب وبين ضرورة انبثاق مجالس منتخبة ديمقراطية لديها صلاحيات واسعة وموارد كافية تمكنها من النهوض بالجهوية المندمجة، داعيا إلى عدم تحولها إلى جهاز صوري أو بيروقراطي. وخص الملك الأقاليم الجنوبية للمملكة بحيز واسع في خطابه، وقال إن أحد الأهداف الكبرى للجهوية الموسعة هو جعل الأقاليم الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة، «فالمغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي للنزاع المفتعل حولها، على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية». وأوضح العاهل المغربي أن تلك المبادرة تظل مطروحة للتفاوض الجاد «لبلوغ التسوية الواقعية والنهائية». ودعا الملك في خطابه إلى التعبئة القوية واستشعار الرهانات الاستراتيجية للورش المصيري للجهوية الموسعة، معتبرا ذلك «محكا لإنجاح الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي نقودها». وراعى تشكيل اللجنة الاستشارية للجهوية، التي تتكون من 22 عضوا، تمثيلية مختلف المشارب والاتجاهات، كرجال القانون والسياسة والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والاقتصاد والمالية والأبناك والحكامة الترابية والتهيئة الترابية والمواطنة والبعد الثقافي. إلى ذلك، وصف سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الخطاب الملكي ل 2 يناير الجاري ب«المهم» في المرحلة السياسية الراهنة بالنظر إلى أنه يشكل نقطة انطلاق ورش الجهوية الموسعة من قبل لجنة استشارية ستشرك أطرافا سياسية وجمعوية وأكاديمية في وضع تصورها للجهوية وإطلاق حوار وطني بخصوصها. وبالنسبة لرئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية، فإن ربط الخطاب الملكي بين الحكم الذاتي والجهوية الموسعة، التي ستطبق في جميع جهات ومناطق الملكة، يدخل في إطار منظومة تطوير الحكامة على الصعيد الوطني، مشيرا إلى أن الحكم الذاتي ليس استجابة لظرف سياسي وإنما هو استجابة لحاجة وطنية لتطوير الحكامة الوطنية، خاصة أن الكثير من الدول التي استطاعت تحقيق نقلات نوعية هي الدول التي استطاعت أن تتبنى نوعا من اللامركزية كان دافعا لأبناء مختلف الجهات لاستنفار قواهم لخدمة جهاتهم. واعتبر العثماني أنه يتعين على المغرب أن يأخذ زمام المبادرة من خصوم وحدته الترابية، من خلال تطبيق جهوية موسعة وحكم ذاتي في الأقاليم الجنوبية، مع بقائه منفتحا على المفاوضات مع الأطراف الأخرى. وفي رأي القيادي في حزب بنكيران، فإنه أمام المأزق الذي وصلته قضية الوحدة الوطنية حاليا، يتعين على المغرب ألا يبقى في موقع الجمود، لأن كل توقف دون الإتيان بمبادرة جديدة يضر بمصالحه ويتيح للخصوم فرصة الاصطياد في المياه العكرة والتشويش على مبادرته بخصوص الجهوية الموسعة. وقال محمد أتركين، أستاذ جامعي وباحث في القضايا الدستورية، إنه لأول مرة في المسار الدستوري المغربي، يتم تشكيل لجنة خاصة لإعادة النظر في بنية الدولة ومقومات النظام السياسي وعلاقة المركز بالمحلي، وهي لجنة شبيهة بتلك التي أحدثها الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران سنة 1993 وعهد برئاستها للفقيه الدستوري الراحل جورج فديل من أجل تقديم مقترحات لتعديل دستور الجمهورية الخامسة. كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى الخبرة الوطنية في موضوع من هذا القبيل، في وقت كان فيه التقنيون من الدستوريون الفرنسيون يعدون المرجع الوحيد لوضع أو تعديل الدستور المغربي (وإن كان الحديث عن كون تعديلات 1996 تحمل بصمات الأستاذ والمستشار الملكي محمد معتصم). الباحث المغربي اعتبر أنه على مستوى «الباراديغم» المرجعي، هناك تجاوز لمسألة «النسخ الدستوري» لتجربة دستور الفرنسي لسنة 1958 والرغبة في الانفتاح على التجارب الدستورية الجديدة التي أسست فكرة «دولة الجهات». من جهة أخرى، سجل أتركين أن اللجنة تأسست على محدد «الخبرة» و«التقنية» وليس على أساس التمثيل، وهو ما يبرر هيمنة الجامعيين على تركيبتها، بشكل يذكرنا بتركيبة اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأسرة. كما يلاحظ، حسب المصدر ذاته، غياب المدبرين للمجال: منتخبون، إدارة ترابية...ويمكن إرجاع ذلك بالنسبة للفئة الأولى إلى معطى الحفاظ على «لا تسييس» اللجنة، وبالنسبة للثانية إلى الرغبة في تمكين اللجنة من القيام بتقييم موضوعي للسياسات الترابية المتبعة، وبالتالي، فإن حضور أسماء غرابي، صالح التامك، بنشريفة قد تحكمت فيه محددات أخرى غير انتمائها إلى الإدارة الترابية (صفة أستاذ جامعي لبنشريفة، المشاركة في الوفد المفاوض بمانهاست بالنسبة لصالح التامك، وغرابي بصفته واليا بجهة العيون...). وفي ما يخص تركيبة اللجنة الاستشارية سجل أتركين إيجابية إسناد رئاسة اللجنة إلى رئيس معروف في الأوساط الحقوقية والسياسية، بتدبيره لملفات كبرى كتحديث القضاء، وإشرافه على المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في لحظة مفصلية، إضافة إلى رمزية مروره بإسبانيا، بما يحمله من ترميز، خصوصا أن النموذج الإسباني سكن مخيال النخبة السياسية المغربية منذ لحظة الاستخلاف. ووصف البشير الدخيل، قيادي سابق بالبوليساريو، القرارات التي تضمنها الخطاب الملكي بخصوص ورش الجهوية ب«القرار التاريخي والثوري، وبالمبادرة الشجاعة الفريدة من نوعها في العالم العربي». واعتبر الدخيل أن وضع الأقاليم الجنوبية للمملكة في صدارة مشروع الجهوية الموسعة هو بداية لترجمة القرارات الأممية، خاصة القرار 1415، باعتباره نوعا من تقرير المصير، واعترافا رسميا بالتعددية الثقافية. وبالنسبة للقيادي السابق في البوليساريو، فإنه «من العار أن ننتظر إلى أبد الآبدين مجموعة تصلي وراء عبد العزيز، مجموعة تحرص كل الحرص على الدفاع عن مصالحها الشخصية لا مصلحة منطقة المغرب العربي، مضيفا في تصريحات ل «المساء»: «البوليساريو لم يقدم أي مبادرة وتجاوزته الأحداث، إذ ظل متمسكا بفكرة تقرير المصير التي تعني الاستقلال، لذا نعتبر أن القرار الملكي قرار ثوري ومبادرة شجاعة وفريدة في المنطقة تسحب البساط من تحت أقدام البوليساريو».