في أوائل شهر نونبر 2015، ركبنا الطائرة من الدارالبيضاء على الساعة الخامسة صباحا متوجهين إلى مطار باراخاس بمدريد لننتظر ساعتين قبل التوجه إلى مدينة مياميالأمريكية بدعوة من جمعية مغربية لمغاربة أمريكا، قضينا اثنتي عشرة ساعة في الرحلة وقطعنا المحيط الأطلسي، حيث كانت الطائرة تحلق عاليا في الأجواء وتلاحق طيف الشمس المشرقة التي لم يتلاش سطوعها ولم يدركنا الظلام نظرا إلى الفارق الزمني الذي يفصل القارة الأمريكية عن القارة الإفريقية، فوجدنا أنفسنا بين برزخ الليل والنهار، إلى أن أمسينا بمطار ميامي الدولي. وعند نزولنا، تحول وقت النوم إلى يقظة، فلم أجد بدا من أن أقاوم التعب حتى يسدل الليل ستاره، ولم تسعفني اللغة إلى أن أدركت أن الكل يتكلم الإسبانية عوض الإنجليزية.. تقدمت إلى شباك الشرطي القابع في حجرته، فطلب مني جواز سفري بعد أن تمعن في قسمات وجهي، ثم طلب مني باحترام أن أضع كل أصابعي على ماسحة ضوئية ليتأكد من بصماتي، ثم سألني باللغة الإنجليزية عن وجهتي وسبب زيارتي لأمريكا، فبادرته بلغتي الركيكة «نو سبيك إنكليش، سبيك فرانش آند سبانيش»، فطلب مني الحديث بالإسبانية، فأدركت من سحنة وجهه أنه من أصول أمريكية لاتينية، وعندما تأكد من هويتي كفنان قادم من المغرب ومن أننا جئنا جماعة لنحتفي بعيد المسيرة، عاملني باحترام ثم ختم جوازي ورحب بي بالإسبانية «Bien venido»، ثم عبَرت صحبة أصدقائي الفنانين المغاربة إلى جناح الجمارك، فتم تفتيشنا بطريقة دقيقة استعملت فيها آلة مسح ضخمة بعدما نزعنا أحذيتنا وأحزمتنا وأفرغنا جيوبنا… ثم سلكنا ممرا إلى خارج المطار، لنفاجأ بجو قاري ساخن في مدينة ميامي دفع بالبعض من الأصدقاء إلى تغيير ملابسه الشتوية وارتداء ملابس خفيفة، في انتظار محمد الجامعي الملقب ب(نهايضة) من مدينة القنيطرة الذي كان المستضيف المغربي الرئيسي للتظاهرة التي سنشارك فيها. وبعد فترة قصيرة، حضر المستضيف بحافلته الصغيرة ليقلنا صحبة ضيوف آخرين من المغرب، رياضيين وصحفيين، رافقونا على متن نفس الطائرة، في اتجاه مدينة أورلاندو التي تبعد زمنيا عن ميامي بثلاث ساعات تقريبا. وعند وصولنا حجز للبعض منا بأحد الفنادق، ثم توجهنا جماعة إلى بيت المستضيف الموجود بمدينة صغيرة تسمى (Port de saint lucie) حيث تناولنا وجبة العشاء، قبل أن يصاحبنا، وآثار العياء بادية على أجسادنا المنهكة من السفر وقلة النوم، إلى منزل فاخر بحي سكني فائق الحراسة، لنكتشف بأن ذلك المنزل، الذي يتوفر على كل الضروريات، بما فيها المسبح، ما عدا الأكل، في ملك سعودي من أصدقاء المستضيف، إلا أن العائق الوحيد في ذلك الموقع كان هو ضرورة الانتظار في صباح كل يوم إلى أن يحين مجيء المستضيف ليقلنا إلى الأماكن المقررة زيارتها. مر يومان على إقامتنا قبل موعد الحفل المزمع تنظيمه، فقمنا بالاستعدادات الأولية، وذلك بشراء كل المعدات والأدوات التي سنشتغل بها لإنجاز عملنا الفني، ثم حضرنا إلى القاعة وجلسنا في انتظار الضيوف؛ وفي الثامنة مساء من يوم المسيرة، هُيئت الموائد بشتى أنواع الأكل والحلويات والمشروبات، وحضر المواطنون المغاربة المقيمون بولاية فلوريدا، بالإضافة إلى الفرق الرياضية القادمة من دول العالم، ثم شرعنا في إنجاز عمل مشترك ساهمتُ فيه صحبة أصدقائي الفنانين، وهم: النافي والجعماطي وزخرف وكردود، بالإضافة إلى فنانة فلسطينية مقيمة في أمريكا تسمى جميلة الهيب. وتحت مجهر آلات التصوير انتهينا من هذا العمل، بحضور المستشارة الأمريكية للثقافة بأورلاندو، ثم بدأ الحفل بكلمات للجهة المنظمة، تلتها كلمة نائب القنصل المغربي في غياب القنصل نفسه بدون تبرير والذي كان من المفروض حضوره ليعطي لهذا الحفل بعدا وطنيا يشجع على مثل هذه المبادرات الوطنية التي تحتاج إلى دعم رسمي وأساسي للتعريف بقضايانا خارج الحدود؛ ثم أعقبت الكلمات سهرة ٌفنية شارك فيها عدد من المطربين المغاربة المقيمين بأمريكا وكندا وفرنسا… المغزى من هذا الحدث كان هو العمل على تقريب جهود المجتمع المدني من الجهات الرسمية للتشجيع على دبلوماسية ثقافية موازية، في إطار تعاون حقيقي، لكن غياب الطرف الثاني في أكثر من مناسبة حسب تجربتي الشخصية، سواء في أمريكا أو إسبانيا، يدعو إلى التساؤل في استغراب عن هذا التقصير، ويجعل من هذه الدبلوماسية وهما، خاصة وأن المرحلة الراهنة تتطلب الانفتاح على الجمعيات المدنية الجادة، سواء في المغرب أو الخارج، وتشجيعها ماديا ومعنويا للتعريف بهويتنا وتاريخنا الثقافي والفني، لمواجهة التحديات التي يواجهها المغرب بكل أشكالها، وطنيا ودوليا.