بعد أن رفض إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أي مبادرة للحوار مع الغاضبين من طريقة تدبير المؤتمر، وبعد سنوات من شد الحبل بين القيادة الحالية وتيار الراحل أحمد الزايدي، قرر المكتب السياسي للحزب أن يعين لجنة مصغرة لتدشين الحوار الحزبي- الحزبي لإعادة من شقوا عصا الطاعة بعد المؤتمر الوطني التاسع. لكن مهمة اللجنة المكونة من كل من طبيح والمالكي ستواجه تحديات كثيرة، منها أن الجسد الاتحادي صار منهكا ومتشرذما إلى درجة أن أخبارا موثوقة تفيد بأن حزب البديل الديمقراطي سيعقد مؤتمره الأول في مستهل شهر يناير المقبل. لشكر في حواره الأخير مع «المساء»، لم يصدق كل الأخبار التي تتحدث عن قرب مؤتمر «المنشقين» أو هكذا يحاول أن يسوق ذلك للرأي العام، أما أعضاء تيار أحمد الزايدي، يتقدمهم طارق القباج وعبد العالي دومو، فيقولون إنه لم تعد تربطهم أي علاقة بالحزب وأن لشكر قطع شعرة معاوية مع الاتحاديين بعدما زرع أتباعه في مفاصل الحزب وسيطر على كل هياكله ونهج سياسة إقصاء ممنهجة ضد كل من خالفه الرأي. ما يمكن وصفه بلجنة «النوايا الحسنة»، التي انبثقت عن المكتب السياسي، ربما جاءت في وقت متأخر كثيرا، بل وجاءت في سياق حساس مطبوع بلحظات سياسية ذات معان عميقة: أولا: تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، إذ لم يستطع الحصول على أي جهة أو مدينة كبيرة، وإن كان لشكر يعلق الشماعة على أحزاب المعارضة التي خذلته في الانتخابات الجهوية في كل من جهتي كلميم وبني ملال، فإن النتائج التي حصل عليها الاتحاد تؤشر على أن الحزب يسير في منحى تنازلي بدأت ملامحه تتشكل منذ قبول عبد الرحمان اليوسفي المشاركة في حكومة التناوب التوافقي، التي مهدت لانتقال العرش من الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس في نهاية القرن الماضي. ثانيا: النقد القاسي الذي وجهه الملك محمد السادس في خطابه للأحزاب السياسية التي لم تعترف بالعملية الانتخابية بمجرد عدم حصولها على نتائج مرضية، إذ بدا واضحا أن كثيرا من مضامين الخطاب كانت موجهة بالتحديد إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على خلفية خرجة قوية لكاتبه الأول إدريس لشكر، الذي وصف الانتخابات بالباطلة، ووجه فيها اتهامات في كل اتجاه مست اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، وخاصة وزير الداخلية محمد حصاد. ثالثا: الرسالة التي وجهها الملك إلى المشاركين في ندوة نظمها عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول السابق للحزب، شكلت ضربة موجعة لرفاق لشكر في المكتب السياسي الذي كان يحضر لتخليد الذكرى الخمسينية لاغتيال القيادي الاتحادي المهدي بنبركة. آثر الملك أن يبعث بالرسالة إلى اليوسفي عوض قيادة الاتحاد الحالية، ولئن كان لشكر قد قال إنه معتز بالرسالة الملكية وبمضامينها وتحمل اعترافا للملك بخصال الرجل، بيد أن المواقف التي عبرت عنها بعض التنظيمات الموازية، من قبيل شبيبة الحزب، أعطت الانطباع أن الضربة كانت موجعة جدا وحملت في ثناياها أكثر من رسالة مشفرة إلى القيادة الحالية. رابعا: عدم حضور كل من محمد اليازغي، الذي اتهم دائما بدعم إدريس لشكر، وعبد الرحمان اليوسفي، الرمز الاتحادي الكبير، إلى الندوة التي نظمها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكد من جديد أن الاتحاديين نفضوا أيديهم من لشكر أو على الأقل فهموا الرسائل بأن القيادة الحالية لن تعمر طويلا، وأنها غير مرغوب فيها. هذا على الأقل ما قد يؤشر عليه الغياب «الكبير» لليوسفي. بطبيعة الحال، إدريس لشكر ليس شخصا طارئا على الاتحاد الاشتراكي، وقد خبر مزاج الاتحاديين ومناوراتهم طيلة عقود، ومن البديهي أن يدرك أن مقاطعة قادة اتحاديين لندوته حول بنبركة تعد بمثابة ناقوس خطر يؤشر أولا على خفوت قوة الحزب في التوازنات السياسية المغربية، ويؤشر كذلك على بداية النهاية لمرحلة لشكر المنبثقة من المؤتمر التاسع.. لاشك أن الدعوة إلى لم شمل الاتحاديين تأتي في هذا السياق بالذات، أي في سياق الشعور بالخطر من استمرار تراجع الحزب بشكل أكثر حدة في الانتخابات التشريعية المقبلة. لشكر ومعه قيادة الحزب يؤكدان على أن المبادرة ليست مرتهنة بأي مناورة سياسية تسابق الزمن في أفق الاستحقاقات المقبلة، بدليل أنه لا يريد تفعيل قرار الطرد في حق مخالفيه، لكن السياسة لا تعترف بالنوايا، والذين يعرفون الاتحاد معرفة حقيقية واعون أن تاريخه مليء بالدسائس وبالمناورات. تقريبا فعلها كل القياديين الاتحاديين، ولذلك يصبح من الصعب جدا في المرحلة الحالية أن تنجح مبادرة إدريس لشكر في ظل كل هذه الظروف الموسومة بالرغبة في إنشاء حزب جديد من طرف تيار أحمد الزايدي، والغضب الشديد لما يمكن وصفه بالجيل القديم للاتحاديين، الذين بعثوا برسائل كثيرة حينما آثروا المشاركة في ندوة عبد الرحمان اليوسفي بدل ندوة «سينما روايال»، بل وكانوا أكثر وضوحا عندما قدموا نقدا قاسيا لتجربة الاتحاد الحالية، التي يقودها كل من إدريس لشكر ولحبيب المالكي. دومو: شروطنا القيام بنقد ذاتي والكف عن الريع الحزبي والنضال الزبوني يسعى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى فتح حوار داخلي مع الغاضبين من القيادة الاتحادية، إذ تم الإعلان خلال اللجنة الإدارية الأخيرة عن فتح قنوات التواصل مع جميع الاتحاديين الذين عادوا إلى الوراء وتركوا تنظيمهم، فمنهم من سعى إلى تأسيس تنظيم جديد ومنهم من رحل إلى حزب آخر، ومنهم من اختار الصمت في انتظار ما ستؤول إليه أوضاع هذا الحزب الذي له تاريخ نضالي طويل. هذه الدعوة التي أطلقتها مؤسسات الحزب سواء اللجنة الإدارية أو المكتب السياسي، لم توضع لها شروط، ولا يعلم ما إذا كانت ستجد صدى لدى المستهدفين، وما إذا كانوا سيعودون إلى «البيت الاتحادي» أم أن الوضع سيبقى كما هو عليه، وفي هذا السياق، اعتبر عبد العالي دومو، مؤسس حزب البديل الديمقراطي المنشق عن الاتحاد الاشتراكي أن «عرض المكتب السياسي مجرد خطاب للاستهلاك موجه للرأي العام، وأنه لا توجد نوايا حقيقية تظهر في الميدان»، ودليله في ذلك أن هناك مبادرات مناقضة تتمثل في سعي إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي لتجريد البرلمانيين المخالفين له من صفتهم، يقول دومو، الذي تساءل: «كيف يمكن الحديث عن المصالحة وفي الوقت ذاته هناك سعي لتجريد البرلمانيين من الصفة؟». الخلافات داخل حزب «الوردة» لها أبعاد مختلفة، منها ما هو شخصي ومنها ما هو تنظيمي، إذ أن هناك من كان يعارض وصول لشكر إلى قيادة الحزب، وفق متتبعين، غير أن دومو يرى أن طبيعة المشاكل ليست شخصية وأنه ليس هناك نزاع مع لشكر أو الحبيب المالكي، رئيس اللجنة الإدارية، بل هناك اختلالات تنظيمية، وذلك عن طريق رفض كل مخالف للرأي وإقصاء الكفاءات واعتماد النضال «الزبوني» المبني على الولاء للكاتب الأول، وتأسيس أجهزة موازية لأجهزة الحزب خلال المؤتمرات الإقليمية التي غاب عنها البرلمانيون، فضلا عن الانقسامات التي عرفتها النقابة والشبيبة الاتحادية وغيرها. ويعتبر المتحدث ذاته أنه من أجل رص صفوف الاتحاد الاشتراكي ينبغي القيام بنقد ذاتي حول المرحلة وتصحيح وتقويم الخط السياسي والتنظيمي للحزب، وقتئذ سيعود جميع الاتحاديين إلى كنفه و«سنقوم بخدمتهم والتصفيق لهم لأن الحزب الذي تربينا فيه يقوم على نبل العمل السياسي الذي يشعرنا بالنشوة ولا يهمنا حينئذ أن يكون لشكر هو الكاتب الأول أو غيره»، يقول دومو الذي أشار إلى أن رفاقه لا يرغبون في المناصب بل كل همهم هو عودة الحزب إلى ما كان عليه حيث كان زعماؤه يضحون بالغالي والنفيس وبالمواقع الاجتماعية من أجل الوطن. ومن بين المحطات التي تتطلب نقدا ذاتيا، وفق دومو، التحالفات التي نسجها لشكر والتي تخالف قواعد التحالف الإيديولوجية والبشرية، إذ لا يمكن لحزب يدافع عن المستضعفين أن يلتقي مع حزب يدافع عن الليبرالية المتوحشة، فالأول سيدافع عن الأجراء والثاني سيدافع عن الرأسمال، في حالة التنسيق حول إصلاح الضرائب، لأنهما ينتميان إلى مذهبين مختلفين في الاقتصاد، فالتحالفات التي قامت كانت «شاذة وغير طبيعية»، على حد تعبير القيادي الاتحادي. دومو الذي أسس حزبا سياسيا يرى أن هذه الخطوة التي أقدم عليها كانت إكراها، لأنه يعتقد أن تأسيس حزب في هذه الظروف ليس بالشيء السهل وليس قيمة مضافة، كما أن العودة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي مقرون بمدى قيام قيادته بنقد ذاتي والكف عن تحويله إلى حزب للريع بالنسبة للقيادة لأنها تضمن عبره مجموعة من المصالح والمواقع ولم يعد حزبا للمؤسسات، وهذا ما قد يحدث خلال انتخابات 2016 حيث من المنتظر أن يتموقع أبناء القيادات في لوائح الشباب، وفق تعبيره. ومن بين مقترحات مؤسس حزب البديل الديمقراطي هو التصريح بالممتلكات للقيادات الحزبية وذلك من أجل نقد حقيقي، لأنه لا يعقل في نظره، أن يتم الحديث عن الإصلاح وعن التنديد بالريع وعن التصريح بالممتلكات، في الوقت الذي يوجد ذلك داخل حزب سياسي. لشكر يلعب آخر أوراقه لإنقاذ الاتحاد من «السكتة القلبية» قيادي اتحادي يقول إن الحوار سيبدأ الأسبوع المقبل دون أي خلفيات مسبقة فاجأ إدريس لشكر الجميع حينما أعلن عن تشكيل لجنة يرأسها لحبيب المالكي لتدشين حوار حزبي حزبي مع الغاضبين من تسيير القيادة الحالية لشؤون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولعل مصدر المفاجأة في القرار هو أنه يأتي في ظرفية كان لشكر قد انخرط فيها فعلا في لعبة «كسر العظام» مع قيادات كثيرة من الاتحاد، في مقدمتها عبد الرحمان اليوسفي، الذي رفض المشاركة في ندوة الاتحاد لتخليد الذكرى الخمسينية لاغتيال المهدي بن بركة، ثم القيادات البارزة من داخل تيار أحمد الزايدي، التي ترغب في تأسيس حزب جديد. كل الذين يعرفون إدريس لشكر، يعرفون شيئا واحدا عنه، هو أنه رجل لا يعترف كثيرا بالحوار، وإلا كان الأمر قد بدأ بالفعل عندما أعلن الراحل أحمد الزايدي عن تأسيس تيار جديد له هياكله وتنسيقية وطنية، ويضم برلمانيين للحزب، وكانت كل الملامح وقتئذ توحي بأن التيار يتجه نحو تأسيس حزب سياسي جديد، بعدما وصل الصراع مع لشكر إلى النفق المسدود. لشكر اعتقد أن طريقة تدبيره للحزب يمكن أن تفضي إلى تأسيس حزب قوي، انتخابيا على الأقل. ولأنه رجل كان يبحث عن التموقع الانتخابي ليثبت للمنشقين والغاضبين، على حد سواء، قدراته على تدبير الاستحقاقات الانتخابية، لجأ للتحالف مع أحزاب المعارضة، ممثلة في حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، ورغم أنه يرفض الاعتراف بأنه تلقى ضربات موجعة من لدن هاته الأحزاب في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، فإن التحالف الانتخابي، الذي كان من المفترض أن يعزز مكانة الحزب في المشهد السياسي، جعل الحزب يفقد واحدة من قلاعه، ونقصد جهة كلميم وادن نون، التي خسر فيها بلفقيه بسبب تصويت أعضاء من الأصالة والمعاصرة ضده. كيف ستشتغل اللجنة في المرحلة المقبلة؟ يؤكد قيادي اتحادي أن اللجنة ستتخلى عن كل الأحكام الجاهزة والمسبقة، وستبدأ بالحوار ابتداء من الأسبوع المقبل، على أساس أن يؤدي الحوار إلى نتيجة مرضية للجميع، دون استحضار لأي خلفيات سابقة تتعلق أساسا بمقررات المؤتمر الأخير. وسينصب الحوار، حسب نفس القيادي، على معرفة الانتقادات التي يوجهها هؤلاء للحزب، سواء تعلق الأمر بالتسيير أو بناء الهياكل الحزبية. النتيجة المرضية التي يبتغيها الحوار، تبدو صعبة التحقق في الظروف الراهنة نظرا لأن معارضي لشكر سبق لهم في مرحلة سابقة أن عبروا عن عدم رغبتهم في فتح أي حوار، مهما كانت طبيعته مع لشكر، أو القيادة الحالية، بل ووضعوا خطا أحمر: رحيل لشكر أولا ثم الحوار، وهي الصيغة التي جعلت العلاقة تتأزم أكثر بين التيارات المتصارعة في كنف الاتحاد. قد يكون في كلام إدريس لشكر الكثير أو القليل من الصواب، حينما قال إن الصراعات داخل الاتحاد لا تعدو أن تكون صراعات شخصية تذكيها المصالح الشخصية والطموحات. وقد يكون صحيحا لسبب وحيد، لأن الكثيرين ممن ينتقدون القيادة الحالية، خاصة الذين شاركوا في حكومة التناوب، ساهموا بشكل كبير في وصول الاتحاد إلى مرحلة «السكتة القلبية»، بينما الذين خرجوا منهزمين من المؤتمر، لم يقدموا إلى حدود اليوم أي ورقة سياسية يمكن أن تشكل بديلا لحزب بوعبيد. رغم أن قياديا في الاتحاد يقول إن المبادرة لا تتحكم فيها أي مناورة انتخابية أو سياسية، إلا أن توقيتها والأهداف المتوخاة منها يعززان السؤال المشروع حول قدرتها على النجاح أو على الأقل إقناع الاتحاديين بالحوار. معنى ذلك، أن عشرات الاتحاديين الذين سبق لهم أن رفعوا شعار «ارحل» في وجه إدريس لشكر تحديدا، لا يمكنهم قبول دعوة المكتب السياسي، فبالأحرى تدشين حوار جدي. والحاصل أن إدريس لشكر يلعب أوراقه الأخيرة بعدما استنفد طوال ما يقارب أربع سنوات من تدبيره للحزب ورقة الزعامات السياسية أولا، ثم ورقة أحزاب المعارضة، ثم صراعه المرير مع حكومة عبد الإله بنكيران، أي أنه أحس في لحظة من اللحظات أن المراهنة على أحزاب المعارضة ليكون الاتحاد قويا أكثر مما كان، كان رهانا خاسرا جدا، دفع ثمنه باهضا، خاصة أن خطاب الملك حول الانتخابات وجه نقدا قاسيا جدا إلى الأحزاب غير المعترفة بالانتخابات، في مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ثمة مقولة معروفة جدا مؤداها أن «الرابح يبقى واحدا»، وتأسيس لجنة للحوار مع الاتحاديين الغاضبين يحمل في طياته أكثر من رسالة، أولها أن لشكر لم يعد قويا كما خرج من المؤتمر الوطني التاسع، وثانيها أن الأمور بدأت تنفلت من بين يديه، أما ثالثها، وهذا هو الأهم، أن الاتحاد مقبل على تحقيق كارثة انتخابية في السنة المقبلة.. بكل ثقة.
احزرير: حظوظ نجاح مساعي المصالحة بين الاتحاديين تتطلب إعادة النظر في الخط السياسي قال إن محاولة قتل هذا الحزب التاريخي من طرف جناح الرباط هو انتحار للعمل الحزبي برمته قال عبد المالك احزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، إنه يصعب على الحبيب المالكي وعبد الكبير طبيح، المكلفين من قبل قيادة الاتحاد الاشتراكي بالحوار الحزبي – الحزبي، طي صفحة الخلافات بسهولة لأن النزيف كبير والمرض تحكم في شرايين الحزب، لافتا إلى أن الحزب مقبل خلال الأيام المقبلة على التفريط في هويته ووحدته التنظيمية في غياب قيادات حكيمة تضمن التوافق وتذويب الجليد الذي تراكم منذ المؤتمر الأخير. وأوضح احزرير في حوار مع «المساء» أن تدبير الاختلاف داخل حزب المهدي بنبركة يصعب تحقيقه لغياب مأسسة التيارات، مشيرا إلى أن الحل لا يكمن في المصالحات الشخصية بل في تفعيل ثقافة الحوار الداخلي ومأسسة التباين وهذا ما ينقص جل الهيئات الحزبية. - كلف إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مؤخرا، كلا من الحبيب المالكي وعبد الكبير طبيح بالحوار الحزبي – الحزبي هل هي بداية لطي صفحة الخلافات داخل الحزب بين لشكر ورفاق أحمد الزايدي؟ قبل الإجابة عن سؤالك أود في البداية أن أشير إلى أن تنامي أزمة الأحزاب لا يرجع إلى التشنجاب التي تحدث بين النخب، بل بسبب الوظيفة الحزبية في النسق السياسي التي تدور في الفراغ وتضر بالديمقراطية أكثر مما تفيدها. فنهاية المناضل هو في الحقيقة إعلان عن إفلاس القيم والتمثلات التي تشكلها الأحزاب لدى الجماهير بصفتها بوابة النظام السياسي. ولم يبق لهذه القوى إلا جمع الأصوات لتأثيث البرلمان ومساندة الحكومة، حيث استحال عليها أن تحافظ على دورها المتعالي الذي يتجلى في تشكيل أغلبية سيادية تصنع القرار العمومي وتبلور القوانين على أساس أجندة وأسس مذهبية راقية. لاشك أن المناضل الحزبي يعمل بحيوية والتزام على المستوى المثالي والإتيقي éthique . فرغم قلة مردوديته وعدم قدرته على ترجمة مواقفه الإيديولوجية إلى مخرجات حقيقية، فإنه يحافظ على مشروعيته وشعبيته وثباته أمام العواصف التي تلاحقه. المناضل خارج الحكومة هو في الحقيقة سلطة مضادة وقيمة مضافة للعمل السياسي. فهو يجلبك إلى الاهتمام بالمجال السياسي بالمساهمة في الإدماج والتأطير والبرمجة . وهذا السلوك الحزبي النضالي هو في الحقيقة من خصال اليسار قبل اليمين في الديمقراطيات البرلمانية. ولكن كل هذا تلاشى مع الزمان، لأن الصراع الشخصاني والمجاني حل محل الدفاع عن القيم ومصالح الجماهير ورفاهيتهم. صراعات لحظية بين قيادات تبتغي الزعامة، وتتناطح كالخرفان من أجل الكراسي والمواقع. أعتقد أنه بعد بقاء بعض القيادات الاتحادية في حكومة إدريس جطو رغم الانتقادات الموجهة لهذه الحكومة لأنها خالفت المنهجية الديمقراطية، بدأ الصراع داخل البيت الاتحادي. وأخذ الانقسام يتجاوز الأخلاق والأعراف المعروفة لدى هذا الحزب اليساري، خاصة بعد أن قرر المرحوم أحمد الزايدي إنشاء تيار جديد بعد نهاية المؤتمر التاسع للحزب وبعد اتهام لشكر بتزوير مقررات المؤتمر. ولقد اتسع الخرق على الرقع كما يقول المؤرخون بعد أن تمرد الفريق الاشتراكي الذي يعتبر النواة الصلبة للحزب. وازداد التصعيد بعد أن قرر لشكر إحالة المتمردين على المجلس التأديبي . ولكن تيار «الديمقراطية والانفتاح» رفع سقف الانتفاضة بعد أن اتهم الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في كثير من الخرجات الإعلامية بالضعف لأن الحزب صار رهين توجهات قيادات الأصالة والمعاصرة… كل هذا يقع أمام صمت «القواد الكبار للحزب» وحكمائه. وهي نفس التجربة التي يعيشها حزب الاستقلال مع تيار بلا هوادة. على كل حال كل طرف يتمسك بموقفه حيث بدأت سيناريوهات الانشقاق تتبلور. ولاشك أن هذا الحزب الذي كان عنيدا بنضالاته أصبح مخترقا بعد أن فقد مناعته بتعميم فكرة المؤامرة. لقد توسعت هذه الحرب السيكولوجية في غياب الحكمة والتبصر والرجوع إلى القواعد كما تقتضيه الديمقراطية الداخلية للحزب. وتعذر على هذا الأخير تدبير الاختلاف، وبالتالي يصعب على المالكي وعبد الكبير طبيح طي الصفحة بسهولة لأن النزيف كبير والمرض تحكم في شرايين الحزب. وأعتقد أن الحزب سيكون مقبلا في الأيام المقبلة على التفريط في هويته ووحدته التنظيمية في غياب قيادات حكيمة تضمن التوافق وتذويب الجليد الذي تراكم من المؤتمر الأخير والذي أفرز صراعا بين شرعيين «شرعية المؤتمر» الذي شرعن لشكر ككاتب أول و»شرعية الخط السياسي» التي يدافع عنها خصومه ويعتبرونها أكبر من أي إطار تنظيمي. هل يمكن القول بأن القيادة الحالية للاتحاد ممثلة في لشكر تحاول بهذه الخطوة إصلاح فشلها في تدبير الاختلاف، بعد أن لم تستطع أن تكون ممثلة لجميع الاتحاديين؟ كما قلت لقد تحول الاتحاد الاشتراكي إلى رجل مريض لأنه يدفع فاتورة التناوب، وفاتورة الاستوزار، وفاتورة التطبيق الحرفي لسياسة التقويم الهيكلي والتقليص من النفقات العمومية ذات الطابع الاجتماعي. وبعد أن خرج الحزب من الحكومة تعالت بعض الأصوات للرجوع إلى كراسي الحكومة خاصة بعد تكليف لشكر بحقيبة وزارية في حكومة عباس الفاسي، مما أضر بالحزب وجر عليه كثيرا من المتاعب، خاصة بعد أن اعتبر لشكر «الوافد الجديد» (البام) بالحليف الإستراتيجي ضد «البيجيدي». إصلاح ما أفسده الدهر صعب المنال بعد أن توارت عن الأنظار بعض الوجوه المقبولة والمحترمة لدى مكونات الحزب، ولقد سبق أن قلت إن المساعي الحميدة تقتضي تنظيم مؤتمر استثنائي والرجوع إلى المنهجية الديمقراطية، فصندوق الانتخاب هو الذي سيحسم الخلاف بين الطائفتين. ولا ننسى أن الحزب خرج عن المسار الشعبي ولم يبق له قدرة في تحريك سيكولوجية الجماهير. وتموقعه في المعارضة لم يفده في شيء لأن النتائج الكارثية التي حصل عليها تؤكد أنه فقد مواقعه وهيبته كحزب مشاكس وهي الفكرة التي هيمنت على تمثلات الناس منذ نشأة جناح الرباط تحت قيادة عبد الرحيم بوعبيد . البعض يتساءل: هل الانتكاسة التي مني بها الحزب جعلت منه حزبا إداريا كبعض أحزاب اليمين التي طالما وصفها محمد اليازغي بالإدارية؟ إلى درجة أن المتمردين وجدوا أن لا خيار لهم سوى الانتقال إلى جناح الدارالبيضاء الذي تشبث به المرحوم عبد الله إبراهيم. دون أن أكون متشائما، فإن تدبير الاختلاف يصعب تحقيقه لغياب مأسسة التيارات، وبعبارة أخرى على كل الأطراف أن تتشبع بثقافة التعدد والخلاف المذهبي. زيادة على هذا فالعقلانية القانونية التي تنظم الأحزاب – أي قانون الأحزاب – ليس لها الأثر الكبير على سلوك «المناضلين». فالحل ليس في المصالحات الشخصية بل في تفعيل ثقافة الحوار الداخلي ومأسسة التباين وهذا ما ينقص جل الهيئات الحزبية. ولكن للأسف نجد سلوكا معاكسا حينما يتشبث الغاضبون بفكرة لا مصالحة بدون رحيل لشكر. وهذا الاتجاه يتزعمه الشامي وطارق القباج. إذ يدعو إلى تنحية الكاتب الأول والدعوة إلى مؤتمر استثنائي. وأعتقد أن هذا المطلب لن ينال رضا مؤيدي لشكر لتبقى الأزمة في نقطة الصفر. فحينما نتهم لشكر «بالفاشية» لأنه أبعد الخصوم، وأراد استرجاع الجريدة من خيرات وإعفاء هذا الأخير من مسؤولية الإعلام الحزبي لصالح عبد الحميد الجماهري، وتجميد عضوية عبد العالي دومو وفكرة التآمر الخارجي، كل هذه الأسباب وسعت الهوة بين الرفاق، مما يجعلني أجزم أن الظروف لم تنضج بعد. - هل نضجت الظروف لتحقيق المصالحة بين الاتحاديين أم أن الأمر لا يعدو أن يكون خطوة تكتيكية لتهدئة غضب معارضي لشكر؟ بعد السقوط المدوي في انتخابات 4 شتنبر لا يمكن أن نعتبر أن كل ما يجري داخل الحزب يعكس دينامية تنظيمية، بل هي أزمة بنيوية ما دام هناك إصرار على عدم احترام المنهجية الديمقراطية . طغى الصراع على الفضاء الداخلي للحزب حيث أن جوهر الفكرة الاتحادية ذهب في مهب الريح. فالخطأ القاتل لأي حكم أو سلطة أو هيئة هو الانفراد بالقرار والقيادة أو النخبة المستبدة مآلها الزوال. ولقد قال علي كرم الله وجهه «من شاور الناس شاورها في عقولها ومن استبد هلك». ولكن لا أعتقد أن المشكل في انحراف الكاتب الأول، بل في انحراف الجماعة الاتحادية كلها وتنكرها للمقررات التنظيمية ولروح المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975. فحظوظ نجاح مساعي المصالحة بين رفاق المهدي بنبركة تتطلب إعادة النظر في الخط السياسي ليتماشى، ليس فحسب مع توجهات المؤتمر الوطني التاسع بل كذلك مع المرجعية الأصلية للحزب. هذه المرجعية هي التي ستحول الاتحاد إلى قوة حزبية فعالة وبناءة. لا أحد يستطيع معالجة اليأس وهذا هو التيه الذي يعيشه الرفاق بعد أن استمر النزيف باستقالة علي بوعبيد ومحمد لحبابي وكثير من الوجوه البارزة كمنتصر ساخي وغيره. - ما الذي يحتاجه الاتحاد الاشتراكي لتحقيق المصالحة الداخلية كما كان الأمر بالنسبة لحزب الاستقلال الذي تتجه قيادته لدفن ماضي خلافاتها مع تيار «بلا هوادة»؟ يجب، أولا، تهدئة الأصوات الغاضبة، والتأسيس لمنهجية الحوار مع الابتعاد عن الحسابات الضيقة لكي يسترجع الحزب عافيته. لأن محاولة قتل هذا الحزب التاريخي من طرف جناح الرباط هو انتحار للعمل الحزبي برمته. وهذا ما لا نتمناه لمشهدنا السياسي. ونفس الشأن مع حزب الاستقلال، فرغم أجواء التهدئة فتيار «بلا هوادة» لا زال سيف داموكليس على رقبة شباط. فعدم الثقة أصبح سرطانا ينخر هذا الحزب، لأن نجل علال الفاسي لا يثق في هياكله سواء تعلق الأمر باللجنة التنفيذية أو بالمجلس الوطني لأن معارضي شباط يتهمونه بالمراوغة. فالظاهرة الحزبية في ذاكرة المغاربة تعني اتخاذ القرارات الجريئة في قضايا سياسية واجتماعية، خاصة إذا كان في المعارضة. ولكن الصراعات ذات الطابع الشخصي أصبحت تثير السخرية أمام الرأي العام.. فهذا الوضع ليس فرجة بل نوعا من الجنون الذي أصاب القيادة الحزبية. ولا يجب أن نتذرع بالصراعات الحزبية الضيقة كالهجوم على «البيجيدي» كسبب في تعميق أزمة الاتحاد. يمكن أن نختلف حول السياسات والبرامج أو القناعات المذهبية، ولكن على الحزب أن يترفع عن الفعل السياسوي وشخصنة الصراع مع بنكيران. لأن خصوم لشكر سيجدون في ذلك ذريعة لاعتبار الاتحاد «ملحقة» لحزب الأصالة والمعاصرة، ولن تجدي حرب التزكيات في الانتخابات المقبلة في تهدئة الأوضاع.