رحيل كاتب كلمات أغنية «ليلي طويل»، هكذا، عنونت معظم الصحف المغربية لخبر رحيل الزجال المغربي محمد الزياتي الإدريسي، قبل أيام. أن يسمع المغاربة خبر رحيل زجال كبير، في عطائه وتجربته، من قيمة الزياتي، مقروناً بعنوان أغنية شهيرة، كتبت كلماتها، قبل نحو أربعة عقود، فذلك دليل على شهرة الأغنية، وقيمة كاتب كلماتها. والملاحظ أن «ليلي طويل» اعتبرت، أيضاً، عنوانا فنياً لتجربة الإخوان ميكري، المجموعة التي انطلق مسارها الغنائي في بداية الستينيات، من القرن الماضي: كانت تجربة فنية، لكنها كانت، أيضاً، تجربة حياة وتطلعات وأحلام تحقق بعضها وأجهض بعضها الآخر. تجربة يشدد كثيرون، في ما يُشبه الاقتناع، الممزوج بحسرة العارف، على أنها لم تُستثمر بالشكل المطلوب، رغم أنها أطلقت شكلاً موسيقياً شبابياً راقياً، في وقت كان فيه شباب تلك الفترة حائراً بين مطولات أم كلثوم وأغاني البيتلز. في بداياتها، عام 1962، تكونت المجموعة من الشقيقين محمود وحسن، قبل أن تلتحق بهما جليلة، في العام 1966، وأربع سنوات، بعد ذلك، سيلتحق بالثلاثة شقيقهم يونس، الذي استطاع، في وقت قصير، أن يبرُز وأن يتألق، خاصة من خلال أغنيات «مْرايا» و»ليلي طويل» و«يامّا»، وغيرها. ومن بين كل أغاني الإخوان ميكََري، حظيت أغنية «ليلي طويل» بحظ وافر من الشهرة. وفي هذا الصدد، يقول يونس: «فازت الأغنية بالأسطوانة الذهبية عام 1972، بالنظر إلى الرقم الكبير من المبيعات الذي حققته في المغرب العربي وفرنسا. وساهمت القرصنة في شهرة الأغنية. وقد بدأت الحكاية، أول مرة، مع فرقة «بونييم». وكان أعضاء هذه الفرقة معروفين بقرصنة أغاني الفلكلور العالمي. وربما، اعتقدوا أن «ليلي طويل» مجرد فلكلور مغاربي، ولذلك جعلوا ألحانها مادة موسيقية لأغنيتهم «أطفال الجنة». لكن، من حسن حظي وحظ «ليلي طويل»، وسوء حظ «بونييم»، أننا كنا نسجل أغانينا في فرنسا، وكان من الطبيعي أن يكون عندي مدير فني يدير أعمالي، وصادف أن هذا المدير الفني كان يعمل لدى شركة «بوليدور»، التي كنا نتعامل معها، وقد نصحني بتأمين للأغنية، يضاف إلى حقوق التأليف لأجل حمايتها. والطريف أن أغنية «ليلي طويل» هي الأغنية الوحيدة التي كانت مؤمنة لدى المؤسسة الفرنسية «آلو موسيقى»، التي كانت بمثابة بنك للموسيقى، ولو لم أعمل بنصيحة مدير أعمالي لما تمكنت من متابعة الفرقة». والمثير في الأمر، أن مجموعة «بونييم» لم تكن أول و لا آخر من قرصن «ليلي طويل»، حيث غناها المطرب المصري حميد الشاعري، وضمنها شريطاً وزع في المغرب. وبعد الشاعري، قام الفنان اللبناني توفيق توفيق بالفعل نفسه، بل وأضاف إليها أغنية «مْرايا». والغريب، يقول يونس، أن توفيق توفيق «أدمج الأغنيتين معاً، ولم أفْهم كيف ارتأى دمج أغنيتين جميلتين. بل إنه سجل «مْرايا» و«ليلي طويل» في شريط، ثم أخرج العمل في أغنية مصورة، قبل أن يضمنها في فيلم سينمائي شاهده الجمهور المغربي قبل سنوات عبر القناة الأولى». أما «آخر المُقرصنين» فكان الشاب مامي، الذي «جعل الأغنية أساساً لموسيقى تصويرية لفيلم فرنسي». ولما علم الفنان الجزائري بأمر التأمين وإمكانية متابعته من طرف المؤسسة التي أتعامل معها، يقول يونس، برر ما أقدم عليه بالقول إن المسالة فيها تكريم لتجربة الإخوان ميكَري، «لكني، لم أفهم لماذا لم يشر إلى اسمي في جينيرك الفيلم أو الألبوم الذي وُزع متضمناً موسيقى الفيلم. بل إن القضية تحولت إلى سطْو واضح بعد أن سجل الشاب مامي الأغنية لدى حقوق المؤلفين كما لو أنها أغنية تخُصه. وهذا خطير من كل النواحي ومؤسف لأنه أتى من فنان كالشاب مامي»، يقول يونس متعجبا. واليوم، وفي غمرة كل هذا التهافت الغريب على تلميع اختيارات غنائية «مائعة» والدفع بها إلى «شاشة» المشاهدين، ألا يحق لنا أن نتساءل عن الذي جرى حتى صرنا إلى كل هذا الخراب الفني، وكل هذا التهميش الذي طال ذاكرتنا الفنية، حتى إننا لم نعد نذكر تاريخنا الفني الجميل، ومبدعينا المتميزين، إلا عند شيوع أنباء الموت والرحيل!؟