إغماء ونواح وحزن رسمت معالمه على وجوه أسرة وجيران عادل التومي، الذي لفظ أنفاسه، الأحد الماضي، بمستشفى ابن طفيل بمراكش، بعد نقله من مقر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالقرب من ساحة جامع الفنا الشهيرة على وجه السرعة، إثر دخوله في غيبوبة بعد سقوطه من فوق أدراج المخفر، وبالضبط من المكان الذي يوضع به المتهمون قبل عرضهم على وكيل الملك، حسب الرواية الأمنية التي توصلت بها «المساء»، لكن هذه الرواية رفضتها أسرة التومي جملة وتفصيلا، مؤكدة في لقاء مع «المساء» أن ابنها لفظ أنفاسه تحت «التعذيب الذي لقيه داخل مقر الشرطة»، على حد قول والدة عادل، وهي تذرف الدموع وتنوح، قبل أن تسقط من فوق الكرسي مغميا عليها. عادل التومي، شاب يبلغ من العمر قيد حياته 28 سنة، كان يعمل في مجال صناعة الزجاج، يعيش معيلا لأسرته، التي يعتبر فيها المتكفل الوحيد بمصاريف أخواته البنات ووالدته التي لم تعد تقو على الوقوف، عاش عادل وسط أهل حيه كشاب رياضي يحب النكت و«تقرقيب الناب» كما يقول المراكشيون، لكن شكوى إحدى أخواته من بقال يوجد في الحي الذي تقطن به أسرة التومي، سيكون الشرارة التي ستشعل النزاع بين عادل والبقال. «جاءت ابنتي تشتكي لي من البقال، قالت لي إنه قام بلمس نهدها»، تقول والدة عادل، هذا الأخير (عادل) الذي كان مستلقيا على فراشه في الصباح الباكر حينما سمع كلام أخته الصغيرة، فاشتاط غضبا من التحرش الذي تعرضت له أخته (16 سنة) ليتوجه صوب البقال، الذي دخل معه في مشادة كلامية، لكن بمجرد ما قام الجيران بتفريق المتخاصمين حتى انقض صاحب المحل على عادل متهما إياه بسرقة مبلغ مالي قدره 400 درهم. استدعى البقال رجال الأمن التابعين لمنطقة قشيش، الذين اقتادوه صوب مخفر الشرطة. لم يلق توسل والدة عادل استجابة من أجل أن يفك رجال الأمن الأصفاد التي وضعت في يدي ولدها، ليتم اقتياده صوب مخفر الشرطة. عادت والدة عادل إلى المنزل كي تعد طعاما لابنها، لكنها بعد أن أحضرته إلى مركز الشرطة وجدت أن ابنها قد نقل إلى مصلحة الشرطة القضائية بساحة جامع الفنا، هناك وجدت عادل يبكي، «بدأ يقبل يدي ويترجاني كي أخرجه من الكوميسارية»، تقول الوالدة ل «المساء». في صبيحة يوم الجمعة 11 دجنبر الجاري، وبينما كانت والدة عادل متجهة صوب مخفر الشرطة شاهدت سيارة الإسعاف تخرج أحد المعتقلين، لم تكن تتوقع الوالدة أن يكون المحمول فوق سرير الإسعاف هو عادل فلذة كبدها، فقد كانت كلما اقتربت خطوات في اتجاه سيارة الإسعاف إلا وازداد إحساسها بأن فلذة كبدها أصابه مكروه. لحقت والدة عادل بابنها إلى مستشفى ابن طفيل هناك شاهدت ابنها بين الحياة والموت، «كانت الدماء تنسكب من وراء رأسه، والكشكوشة تتدفق من فمه». حينئذ بدأت علامات الموت وفراق الحبيب تظهر جليا لدى الأم. لم تمر سوى أيام قليلة حتى فارق عادل الحياة تاركا الحقيقة ضائعة بين رواية المصالح الأمنية ورواية الوالدة ومن ورائها «جيش» كبير من الجيران والأحباب وأصدقاء عادل الذين توجهوا قبل أيام صوب مصلحة الشرطة القضائية مطالبين بالكشف عن الحقيقة، وتقديم الفاعل للعدالة. فقد رفضت أسرة التومي تسلم جثة ابنها من مستودع الأموات إلى أن تتم عملية التشريح وتكشف الحقيقة، في الوقت الذي قالت فيه والدة عادل ل «المساء» إن ابنها قال لها أثناء احتضاره: «راهم قتلوني يا أمي». هذا وأصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش بيانا تطالب فيه بفتح تحقيق فوري في ملابسات وفاة عادل التومي وكذلك محسن عصفور، الذي توفي في سجن بولمهارز يوم 30 نونبر الماضي، بعدما كان يعاني من أزمة صرع حادة تتطلب العناية الطبية.