أجمعت العديد من الفعاليات التربوية بمختلف المدن والقرى المغربية على على ما يعيق سير مخطط التنفيذ للبرنامج الاستعجالي داخل مصالح الوزارة وأقسامها وداخل الأكاديميات والنيابات والمؤسسات التعليمية هو النقص الحاصل في الأطر الإدارية والتربوية والأعوان وكذا قلة أو عدم خبرة بعضهم في مجالات عملهم. نفس التشخيص اهتدت إليه مصالح الوزارة الوصية، التي أدركت أن قطار المخطط الاستعجالي لن يسير فوق سكة إدارية وتربوية غير متينة ومتماسكة، مما جعلها تسارع من أجل سد الخصاص، وذلك بفتح أبواب التوظيفات الاستعجالية، التي اعتبرها البعض جزافية، لأن المناصب الشاغرة سيملؤها موظفون شباب بمجرد انتقائهم بعد نجاحهم في الاختبارات الكتابية والشفهية. بعضهم أكد في تصريحات متفرقة ل«المساء» أن قلة قليلة من المؤسسات التعليمية, تشتكي من نقص في هيئة التدريس، وهو ما يجعل المسؤولين بها يعمدون إلى تدبير مدرسين عن طريق التكليفات التي تتم عن طريق النيابات التعليمية أو عن طريق دمج بعض الأقسام، مما يفرز الاكتظاظ. لكن ما يثير انتباه المسؤولين هو أن معظم المؤسسات التعليمية، وخصوصا الإعدادية والتأهيلية منها، تشتكي من قلة الأطر الموازية لهيئة التدريس، من ممونين (مقتصدين) ومعيدين ومحضرين وأعوان عموميين وأعوان خدمة ومكلفين بالأنشطة الموازية والخزانات... مما يجعل أداء تلك المؤسسات التعليمية دون مستوى الطموحات المرجوة. إضافة إلى الفقر المهني الذي تعرفه معظم المصالح الإدارية المحلية والجهوية والوطنية بسبب الاعتماد على المدرسين والمدرسات في ملء مجموعة من الوظائف الشاغرة، التي تتطلب تكوينا وتداريب وخبرات لا تمتلكها فئة المدرسين، وقد يصعب استيعابها من طرف بعضهم مع مرور الوقت أو مع الخضوع لتكوين وتداريب متقطعة. لم تعد إشكاليات التسيير الإداري حكرا على بعض الأخطاء الناتجة عن سوء فهم بعض المذكرات الوزارية أو الأكاديمية أو النيابية أو بسبب طرق وأساليب التدبير لدى بعض المديرين ورؤساء المصالح وغيرهم من الإداريين ... فرائحة الإدارة التي أزكمت أنوف كل الأطراف التعليمية، فاحت في محيط المؤسسات، وأثارت كل المهتمين بالحقل التعليمي، بعد أن أصبحت معظم المؤسسات التعليمية والإدارات تغوص في مشاكل سببها سوء التسيير الإداري الناتج عن ثقل وجسامة الأعمال الإدارية الملقاة على عاتق الإداريين. وأكبر دليل على التسيير الإداري الغامض حسب هؤلاء ما تعيشه معظم نيابات التعليم وأكاديميات التربية والتكوين التي تعج بمدرسين ومدرسات مكلفين بمهام إدارية متنوعة ويلعبون أدوارا جد مهمة في التسيير المالي والإداري وبعضهم يدعمون أطر التخطيط والتوجيه، إضافة إلى المفتشين التربويين ومصالح الاقتصاد والمهندسين والتقنيين وغيرهم من الأطر المتخصصة والتي نادرا ما تجدها تمتلك زمام الأمور داخل النيابات والأكاديميات. أقسام ومصالح داخل النيابات والأكاديميات ومصالح الوزارة تدير شؤونها فئات غير متخصصة، تجد صعوبة في صياغة المذكرات أو تنفيذها، كما تجد صعوبة في تحديد مسارات الملفات وتسويتها، وهو ما يبطئ سير الملفات ويجعل معظمها عالقا بين رفوف تلك المصالح. فالمؤسسة التعليمية، وكما قال عبد الطالبي، النائب الإقليمي لنيابة التعليم بابن سليمان، لا يمكن أن تسير بهيئة التدريس وحدها، وأن النقص الحاصل في الأطر الاقتصادية بنيابته على سبيل المثال جعله يكلف أطرا غير مختصة لتدبير الخصاص وتسوية إشكالية الصرف داخل بعض المؤسسات التعليمية التي ليس بها مقتصدون، وهم أطر غير مستوعبة لمهام المقتصدين. ووزارة التعليم التي شعر مسؤولوها بعائق الموارد البشرية، عمدت إلى إجراء مباريات لولوج مدرسين بالتعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، وانتقاء مجموعة من المدرسين الذين تم دفعهم للتدريس دون الخضوع إلى التكوينات اللازمة، واكتفت بمنحهم حصصا تكوينية متقطعة بالموازاة مع عملهم داخل المؤسسات الثانوية. كما أعلنت مؤخرا عن أنها ستجري يوم 26 دجنير المقبل مباريات لسد الخصاص الهائل في فئات المقتصدين والمحضرين بتوظيف 100 من الممونين من الدرجة الثانية السلم العاشر، و100 من الملحقين التربويين و400 من المحضرين من الدرجة الثالثة السلم التاسع. لكن ما لم يستسغه بعض مدراء المؤسسات التعليمية هو كيفية التعامل مع هذه الوفود الجديدة من مدرسين ومموين ومحضرين وملحقين تربويين، علما أنهم لم يستفيدوا من التكوين والتدريب اللازم، وتكفي الإشارة إلى أن الوزارة الوصية وجدت أنه من المستحيل أن تقوم الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بإنجاز مشاريع البنايات المدرسية المبرمجة في إطار المخطط الاستعجالي (2009/2011)، نظرا لقلة الموارد البشرية المتخصصة والكافية لتنفيذ المشاريع في الآجال المحددة وبالمواصفات اللازمة. ورغم تكفل الوزارة بملف البنايات المدرسية فإن المسؤولين بها اضطروا إلى اللجوء إلى مباريات لاختيار الشركات الخاصة القادرة على خوض غمار الفوز بصفقة البنايات الباهضة لأنها لا تتوفر على المهندسين والتقنيين القادرين على تدبير هذا الملف، ولو أن الوزارة، حسب رد للطيفة العابدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي خلال الحوار الذي أجرته معها «المساء»، التي قالت: «نحن مضطرين إلى توظيف أطر تقنية إضافية من مهندسين وتقنيين لنواجه الضغط الذي سوف يقع على الأكاديميات من أجل توسيع المؤسسة القائمة وتأهيل المؤسسات المبرمجة في إطار البرنامج الاستعجالي». الكل وبعد مرور حوالي نصف الموسم الدراسي تأكد أن عملية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب أصبحت جد ملحة لضمان تسيير إداري ومالي وتربوي يسير وفق المخطط الاستعجالي، وأن من بين أهم أسباب فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين في السمو بقطاع التعليم ضعف استجابة الموارد البشرية ليس بسبب عدم التزامها أو تهاونها كما حاولت بعض الجهات أن ترسمه بإحصاء تغيبات المدرسين والمدرسات، ولكن بالنقص الحاصل في الأطر التربوية والإدارية على مستوى هيئة التدريس والتنشيط المدرسي والتسيير المالي والإداري على صعيد المؤسسات التعليمية والنيابات التعليمية والأكاديميات ومصالح الوزارة الوصية. والكل يراهن على أن نجاح المخطط الاستعجالي، والموسم الدراسي (2009/2010) الذي حظي بانطلاقة البرنامج، سيعرف تعثرا بسبب النقص الحاصل في الموارد البشرية وعشوائية التكليفات التي تسير داخل بعض النيابات التعليمية والأكاديميات وفق ما يشتهيه ربابنة هذه السفن التربوية وبعض الشركاء. ونادرا ما يتم الحديث عن القافلة الإدارية التي تقود المؤسسات التعليمية والنيابات التعليمية والأكاديميات، والتي يعهد إليها بالتدبير والتسيير اليومي وفق المنظومة التربوية المبرمجة. الحديث هنا عن الأطر الإدارية من مديرين ونظار وحراس عامين ومعيدين وكتاب وجميع المدرسين المكلفين بالتسيير الإداري... ومدى تكوينهم التربوي والإداري والنفسي، ومستوى استجابتهم للمعايير الدنيوية من أجل استيعاب الزخم الكبير من المذكرات الوزارية والأكاديمية والنيابية وتطبيقها بالشكل والدقة المطلوبين. الكل يعرف أن هذه الفئة لا تتوفر على شواهد التخرج من المدارس والمعاهد الإدارية التي لا توجد أساسا ببلادنا ولا تخضع لتكوينات تمكنها من اكتساب الحد الأدنى من المعلومات والسلوكات التي تواجه بها العبث الإداري الذي يسيطر على سير العمل الإداري . فالتسلق في اتجاه هذه المناصب يأتي إما بالأقدمية في التدريس أو بطرق المحاباة والتوصيات.