ليس الاسترقاق وقفا على البلدان الإقطاعية أو المستبدة، بل طالت الظاهرةُ، على الرغم من سيادة دولة الحق والعدالة، العديدَ من البلدان التي تسم نفسها بالديمقراطية، مثل فرنسا. وقد شهد البلد في السنوات الأخيرة فضائح لعائلات أو شخصيات خليجية تعمل في السلك الدبلوماسي وتعامل خدمها في قلب جادة الشان إيليزيه في فيلات شاسعة وكأنهم عبيد من القرون الوسطى. وتعمل بعض المؤسسات الحقوقية جاهدة من أجل فضح هذه الممارسات والمطالبة بإنزال العقوبات بممارسيها.. «هيئة محاربة الاسترقاق الحديث» إحداها، فهي منظمة غير حكومية تُعنى بقضايا الاسترقاق في أصنافه الحديثة والعديدة والتي أصبحت بعض الدول الغربية إحدى بؤرها الخفية. أسّس الهيئة الصحافي الفرنسي دومينيك توريس عام 1994، وحُددت لها مهمة التدخل كطرف مدني للدفاع عن ملفات الضحايا من الجنسين الذين يعملون كخدم أو خادمات لمدة تصل أحيانا إلى 18 ساعة في ظروف جحيمية لدى ميسورين، دبلوماسيين أو مواطنين عاديين، حيث ينكل بهم بقسوة بالغة. وقد عالجت الهيئة أزيد من 400 ملف لضحايا يُغتصبون وتُسحب منهم وثائقهم ولا يتقاضون سوى مبالغ هزيلة. وقبل أسابيع، أصدرت الهيئة تقريرا مفصلا يتضمن توصيفا لوضعية الخادمات الأجنبيات في فرنسا، اللائي يتراوح عددهن ما بين 200 و250 حالة ويعشن في وضعية استرقاق. المأساة هي أنه لا توجد إحصائيات رسمية في الموضوع. وقد ركزت الدراسة على 79 عينة رافقتها الهيئة إلى سن الرشد، بعد أن قضت الفتيات سنوات في وضعية استرقاق وهنّ قاصرات. وتبين أن 96 في المائة منهن نساء وأن «الخدمة المنزلية هي الميدان الرئيسي لاستغلالهن»، كما تشير إلى ذلك صوفيا لخدر، مديرة الهيئة. ويبلغ معدل سن الفتيات 14 سنة، وتدوم مدة استغلاهن ست سنوات. 26 في المائة منهن أصلهن من ساحل العاج، فيما 14 في المائة أصلهن من المغرب، و10 في المائة من الطوغو، و10 في المائة من السينغال، و5 في المائة من مالي والكاميرون، و4 في المائة من غينيا، و3 في المائة من نيجيريا، و3 في المائة من مدغشقر، و3 في المائة من الغابون. 58 في المائة منهن صدقن الوعود الكاذبة التي أعطيت لهن، مثل فسح المجال لهن لمتابعة الدراسة وتلقي تدريب مهني. لكن، لما وصلن إلى فرنسا، لم يتم تدريس سوى 8 في المائة منهن فيما كن يتابعن الدراسة في بلدانهن. أما 92 في المائة منهن فلم يعرفن طريقهن إلى المدرسة. كما يتم حجز بعضهن فيما تفرض قيود صارمة على تحركات بعضهن الآخر. وتشتغل هؤلاء الفتيات بمعدل 15 ساعة في اليوم، وهو عمل بدون مقابل وبدون عطلة. وتمارس 3 في المائة منهن البغاء إضافة إلى عملهن المنزلي اليومي. وتعترف الغالبية منهن بتعرضهن لشتى أنواع التعنيف: 90 في المائة تعرضن لعنف سيكولوجي، (شتم، تهديد)، و25 في المائة للعنف الجنسي. كما أن 22 في المائة عانين من سوء التغذية و14 في المائة يأكلن البقايا (الشياطة)، الشيء الذي تسبب لهن في مشاكل صحية. ولم تحصل ولو واحدة منهن على غرفة خاصة للنوم. إذ ينمن في غرف الأطفال، في الصالون، و40 في المائة في قبو المنزل، و24 في المائة فقط كن ينمن على سرير. ولم تتوقف مأساة 66 في المائة منهن إلا بفرارهن من بيوت مشغليهن. في قلب الديمقراطية، ظاهرة الاسترقاق ليست وقفا، إذن، على الخليجيين من الميسورين، بل تشمل أيضا شريحة من الفرنسيين الذين لهم حنين إلى ممارسات الأسلاف الذين تبقى إحدى «مفاخرهم» ابتكارهم للاسترقاق وتصدير ضحاياه إلى أصقاع مختلفة من العالم.