خالد مساعيد تعتبر عملية التسليح وتطوير القدرات العسكرية هي المسيطرة على المشهد الدولي، فالكثير من الدول والحكومات ورغم الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي يمر منها العالم اليوم، تنفق الكثير من الأموال على الأسلحة والمعدات العسكرية والجيوش، خاصة مع انتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة في العديد من دول العالم، وأصبحت معها تجارة السلاح وفي ظل ما يشهده العالم من صراعات عسكرية وخلافات سياسية شديدة تجارة رائجة لها أسواقها الخاصة، وقد تكون هذه العملية بمعرفة السلطات الرسمية في البلد المصدر أو بدون معرفتها، وهو ما نشأ عنه ظهور سوق موازية لتجارة الأسلحة الرسمية هي السوق السوداء، حيث يمكن شراء الأسلحة المختلفة وبأسعار تخضع لقانون العرض والطلب، قد يتواطأ فيها رسميون مع مصانع للسلاح وعملاء عالميين، حيث يتم تهريب السلاح إلى الزبون بطرق سرية غير مشروعة، ويتم الدفع إما بالعملة الصعبة أو لقاء بديل معين قد يكون المخدرات أو بعض المعادن الثمينة أو أي بديل آخر يتفق عليه، وحسب بعض الخبراء فإن العالم وبسبب التهديدات المستمرة يعيش سباق تسلح خطير. وأثار سباق التسلح الحالي الكثير من المخاوف، خصوصا وأن مناطق كثيرة من العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط التي تعد أهم أسواق التسليح في الآونة الأخيرة، تشهد تدهورا أمنيا كبيرا بسبب تنامي الفكر المتطرف وبروز المجموعات الإرهابية المسلحة التي استطاعت أن تعزز قوتها، بعد أن سيطرت على العديد من الأسلحة والمعدات المتطورة إبان ما عرف بالربيع العربي، هذا بالإضافة إلى الدعم المستمر المقدم من تجار الأسلحة، وهو ما دفع بعض المؤسسات والجهات الدولية للمطالبة بتطبيق وإقرار بعض القوانين الخاصة والملزمة بتجارة ونقل الأسلحة، التي تتسبب في قتل ما يزيد عن ألفي شخص يومياً في العالم نتيجة العنف المسلح. روسيا والولايات المتحدةالأمريكية أكثر الدول المصدرة للسلاح أولا لابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تقدم حوالي 8 ملايين دولار يومياً من المساعدات العسكرية لإسرائيل، إضافة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تحتفظ ب 662 قاعدة عسكرية في العالم للدفاع عن مصالح الشركات الأمريكية. وبحسب دراسة نشرها المركز الدولي لأبحاث والسلام في ستوكهولم، والتي تغطي فترة السنوات الخمس الأخيرة (2010_2014) فإن الولايات المتحدة احتلت مركز الصدارة ب31 في المائة من الصادرات أي بقيمة 23.7 مليار دولار، وتؤمن بذلك ثلث مجمل الصادرات العالمية، أما روسيا فحلت في المركز الثاني بين أكبر البلدان المصدرة للأسلحة في العالم ب 27 في المائة من الصادرات، بما قيمته 10 مليار دولار بزيادة تقدر ب 9 في المائة عن مبيعاتها في سنة 2013 ، تكون واشنطن وموسكو بهذا قد احتكرتا حوالي 60 في المائة من صادرات الأسلحة في العالم متقدمتين بفارق شاسع عن بقية منافسيهما. ويرى الخبراء أنه بعد سنوات من النمو ستواجه الصادرات الروسية عدة صعوبات ومن المتوقع أن تتراجع صادراتها في 2016، منوهين إلى أن هذا التوجه يمكن أن يتفاقم بسبب العقوبات المفروضة عليها من طرف الدول الغربية بسبب النزاع الأوكراني، كما أن تراجع أسعار النفط يمكن أن يكون له تأثيرات مدمرة على بعض زبائن موسكو مثل إيران وفنزويلا. وفي سياق متصل أعلن مستشار الكريملين يوري اوشاكوف أن روسيا تعارض أي سباق جديد نحو التسلح مع الولايات المتحدة، وذلك غداة إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن تعزيز الترسانة النووية الروسية، وقال اوشاكوف إن «روسيا تحاول بطريقة ما الرد على التهديدات المحتملة، لكن بدون المضي أبعد من ذلك .. إننا نعارض أي سباق إلى التسلح لأنه سيضعف قدراتنا الاقتصادية». وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعزيز قوة الردع النووية الروسية ردا على مشروع أمريكي لنشر أسلحة ثقيلة في أوربا الشرقية، ما أثار غضب الحلف الأطلسي الذي اعتبره قرارا «خطيرا»، وأكد بوتين أثناء افتتاح المعرض العسكري للجيش 2015 بالقرب من موسكو:»هذا العام سينشر في إطار القوات النووية الروسية أكثر من 40 صاروخا بالستيا جديدا عابرا للقارات، قادرا على مقاومة أنظمة الدفاعات الجوية الأكثر تطورا»، وأكد «أن روسيا ستدافع عن نفسها إذا تعرضت للتهديد، مضيفا أن حلف الشمال الأطلسي قادم إلى حدودنا. وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن وزارة الدفاع الأميركية تنوي نشر أسلحة ثقيلة وخصوصا دبابات وقوة عسكرية تتألف من خمسة آلاف جندي على الحدود الروسية، وستكون هذه المرة الأولى التي تنشر الولايات المتحدة أسلحة ثقيلة في بلدان كانت تحت نفوذ الاتحاد السوفياتي في إطار قوات حلف وارسو، قبل أن تصبح أعضاء في الحلف الأطلسي ابتداء من 1999. وأوضح المتحدث باسم الكريملين ديمتري بيسكوف أن «هناك إجراءات تتخذ لتعديل توازن القوى الاستراتيجي، وبالطبع لا يمكن ألا يثير ذلك قلق روسيا»، وأضاف «كل ذلك يجبر روسيا على اتخاذ إجراءات لضمان مصالحها وأمنها» موضحا أن الإعلان عن تعزيز القدرات النووية الروسية ينبغي ألا يثير المخاوف، لأن روسيا كما كرر القول مرارا الرئيس الروسي لا تؤيد حصول مواجهة بل بالعكس نريد علاقات بناءة ومفيدة للطرفين مع شركائنا. وشكل سباق التسلح أثناء الحرب الباردة الذي حمل الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على استثمار مبالغ هائلة متزايدة في قطاع الصناعات العسكرية، أحد أسباب اختناق الاقتصاد السوفياتي وانهياره وعززت روسيا ميزانيتها العسكرية بحيث باتت تمثل 21 في المائة من ميزانيتها الإجمالية أي ضعف ما كانت عليه في 2010 . الدول الأكثر استيرادا للسلاح في العالم يرى الخبراء أن السعودية تقدمت على الهند سنة 2014 وأصبحت الدولة الأولى المستوردة للتجهيزات العسكرية في العالم في سوق وصل حجمه إلى مستوى قياسي بفعل الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط وآسيا، وقد سجل تقرير أعدته المجموعة المتخصصة «أي إتش أس جينس» الذي يتخذ من العاصمة لندن مقرا له أن مبيعات الأسلحة سجلت في 2014 زيادة للعام السادس على التوالي، وبلغت قيمتها 64.4 مليار دولار مقابل 56 مليارا في 2013 أي بزيادة 13.4 في المائة. وقال بن مورز الخبير في هذه المجموعة إن هذا الرقم القياسي جاء نتيجة طلب غير مسبوق من الاقتصاديات الناشئة للطائرات العسكرية وتصاعد حدة التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط وفي منطقة شرق آسيا، وأوضح التقرير الذي يغطي حوالي 65 بلدا، أن السعودية أصبحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم مع استيراد معدات عسكرية بقيمة 6.4 مليارات دولار تحسبا لأي طارئ خاصة مع إيران. وتقدمت السعودية التي كانت ثاني بلد عام 2013 على الهند التي تستورد ما قيمته 5.5 مليار دولار، وأصبحت أهم سوق للولايات المتحدة، فالواردات السعودية ارتفعت بنسبة 54 في المائة، ومن المتوقع أن تسجل زيادة بنسبة 52 في المائة في 2015 ليصل إلى 9.8 مليار دولار، فالسعودية تدفع واحدا من كل سبعة دولارات تنفق على شراء الأسلحة في العالم، وبهذا يكون الشرق الأوسط هو أضخم سوق إقليمي لمبيعات الأسلحة ويتوقع أن تبلغ وارداته منها حوالي 110 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. واستوردت السعودية والإمارات وحدهما تجهيزات عسكرية بقيمة 8.6 مليار دولار في سنة 2014 أي بمعدل أكثر من أوربا الغربية بأكملها. ومن جانب آخر أعلن وزير الدفاع الهندي «مانوهار باريكار» أن بلاده ستشتري فقط 36 طائرة رافال عسكرية من فرنسا، محبطا بذلك آمال فرنسا في بيع نيودلهي عددا أكبر من الطائرات في الصفقة التي استغرق إبرامها سنوات، وقال باريكار إن خطة الحكومة السابقة لشراء 126 من هذه الطائرات القتالية من شركة داسو «غير ممكن اقتصاديا وليس مطلوبا». وأثناء زيارة لفرنسا أعلن رئيس الوزراء الهندي «نارندرا مودي» أن بلاده طلبت شراء 36 طائرة جاهزة للتحليق، وتأتي هذه الصفقة المقدرة قيمتها بنحو خمسة مليارات يورو «5.5 مليار دولار» عقب مفاوضات شاقة استمرت سنوات لشراء تلك الطائرات، وأجرت الهند مفاوضات حصرية منذ 2012 مع مجموعة «داسو» لصناعة الطيران من أجل شراء 126 طائرة رافال بقيمة 12 مليار دولار لكن المفاوضات تعثرت مع إصرار نيودلهي على تصنيع 108 منها في أراضيها. ومنذ ذلك الحين قلل وزير الدفاع من التوقعات بشأن شراء عدد أكبر من الطائرات، إذ أكد بأن شراء مزيد من هذه الطائرات سيضر بميزانية وزارة الدفاع المخصصة لشراء المعدات العسكرية، وكشف «باريكار» أن اللجنة التي تم تشكيلها لوضع تفاصيل صفقة شراء الطائرات ال36 ستكمل عملها خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة، هذا وأطلقت الهند في السنوات الأخيرة برنامجا لتحديث الدفاع بقيمة 100 مليار دولار بهدف إبقاء دفاعاتها بمستوى جارتيها باكستان والصين. التسلح العسكري بإفريقيا أفاد تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن الإنفاق العسكرى ازداد السنة الماضية في منطقة إفريقيا بنسبة 3.8 في المائة، أي أنه ارتفع بوتيرة أسرع من مناطق أخرى في العالم، وزادت اثنتان من بين ثلاث دول أفريقية الإنفاق العسكري على نحو مستدام خلال العقد الماضي، ورفعت المنطقة بأكملها النفقات العسكرية بنسبة65 في المائة بعد أن كان الإنفاق ثابتاً دون تغيير خلال الخمس عشرة سنة الماضية. وأوضحت مجلة «الإيكونومست» في تقرير لها أن ميزانية الدفاع في أنجولا ازدادت بما يزيد على الثلث في سنة 2013، لتصل إلى 6 مليارات دولار متجاوزة بذلك جنوب أفريقيا كأكبر دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من حيث الإنفاق العسكري، ومن بين الدول الإفريقية الأخرى التي تمتلك موازنات دفاعية مرتفعة جدا نجد بوركينا فاسو،غانا، ناميبيا، تانزانيا، زامبيا وزيمبابوي، وأكبر دولة في القارة من حيث الإنفاق العسكري نجد الجزائر، حيث تبلغ موازنة الدفاع بها 10 مليارات دولار. وتختلف أسباب قيام الحكومات الأفريقية بزيادة الإنفاق على التسلح، حيث ملأت الأسلحة عالية التكلفة مخازن العديد من الدول الأفريقية على مدار السنوات العشر الماضية، فبعض القادة سعوا إلى شراء أسلحة باهظة الثمن لاكتساب النفوذ، ويشتبه في أن البعض يضخم قيمة الصفقات لتحويل الأموال إلى أنفسهم. ولكن التهديدات الأمنية الحقيقية هي التي حثت بعض الدول على زيادة الإنفاق العسكري، حيث تواجه منطقة الساحل وأجزاء من شرق أفريقيا مجموعة من الجهاديين المتطرفين، كما شهدت البلدان الساحلية ارتفاعا هائلا في عمليات القرصنة، كما زادت اكتشافات البترول والغاز من الحاجة إلى وجود الأمن البحري، فضلاً عن المزيد من المخاطر التقليدية داخلياً وخارجياً، التي توجد دائماً في بلدان مثل جنوب السودان، حيث تقاتل الحكومة المتمردين وفى الوقت ذاته تواجه عداء جارتها الشمالية. ويلعب الطموح الصناعي دورا أيضا في زيادة النفقات العسكرية بالقارة الأفريقية، حيث يأمل عدد من البلدان تعزيز صناعة الأسلحة الدفاعية داخليا، فعلى سبيل المثال تخطط أنجولا لبناء سفن حربية وتصنع نيجيريا والسودان الذخيرة، كما أقامت أربع شركات أوربية لتصنيع الأسلحة فروعا لها في أفريقيا العام الماضي. وتنطوي تلك التطورات العسكرية في المنطقة على العديد من المخاطر، فربما يسيء الضباط الطموحون تفسير القوة الجديدة سياسيا ويميلون لاستخدامها في الاستيلاء على السلطة عبر انقلابات عسكرية دموية كما فعل العديد من قبل، وقد تقع الأسلحة في الأيدي الخطأ، مثلما أشعلت مجموعة كبيرة من الأسلحة الليبية الصراعات عبر أفريقيا بدءا من مالي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى منذ سقوط معمر القذافى. وربما تحول تلك التغييرات الهيكلية في الجيوش الأفريقية أنواع الحروب التي قد تنشب في المنطقة، فمنذ حروب العصابات المناهضة للاستعمار في القرن الماضي، كانت غالبية الصراعات الأفريقية داخلية ومع ذلك كانت قلة من تلك النزاعات بين الدول الأفريقية قادرة على إشعال الحروب، ولكن تراكم جيوش أقوى يحمل في طياته خطرا كبيرا.