سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رجوع قياديين مؤسسين للبوليساريو أحدث نزيفا في صفوف الانفصاليين وبعثر حساباتهم عودة الحضرمي أحدثت «رجة» بينما رجوع ولد سويلم كشف عن تفوق المخابرات المغربية على نظيرتها الجزائرية
عندما عاد قياديون بارزون في صفوف البوليساريو إلى أرض الوطن في بداية التسعينيات من القرن الماضي، أمثال عمر الحضرمي وإبراهيم الحكيم، اعتبر بعض المتتبعين أن نهاية «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب»، المعروفة اختصارا بالكلمة الإسبانية «بوليساريو»، باتت وشيكة، خاصة بعد توالي فرار العديد من القياديين المؤسسين للجبهة إلى أرض الوطن وكشفهم عن الوجه الخفي، الذي ظلت قيادة الانفصاليين والمخابرات الجزائرية تواريه خلف الكثبان الرملية لصحراء تندوف، والذي بدأت أولى ملامحه تطفو على السطح مباشرة بعد دعوة الملك الراحل، الحسن الثاني، إلى عودة «المغرر» بهم إلى أرض الوطن وإطلاقه مقولته المشهورة «إن الوطن غفور رحيم». ومباشرة بعد انتفاضة محتجزي تندوف، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، التي جاءت بتزامن مع إطلاق الملك الراحل لدعوته المشهورة، فوجئ الرأي العام الوطني والدولي بحلول القيادي المؤسس لجبهة البوليساريو، عمر الحضرمي بالمغرب، مما خلف وقتها «رجة» في صفوف البوليساريو، على اعتبار أن الحضرمي كان يمثل، إلى جانب أسماء قيادية أخرى، منها محمد عبد العزيز، «الدائرة الضيقة»، تصف مصادر عادت من البوليساريو في وقت سابق، وهي «القيادة» التي كانت وما يزال البعض منها يشرف على إدارة مخيمات تندوف في ارتباط وثيق ومباشر مع المخابرات الجزائرية. وشكلت عودة القيادي الحضرمي وقتها «ضربة موجعة» للتنظيم الانفصالي، نظرا لمختلف المهام والمسؤوليات الحساسة التي تقلدها كوزير وسفير سابق، والتي جعلت قيادة الانفصاليين، بإيعاز من ضباط المخابرات الجزائريين، تعيد النظر بسرعة فائقة في تركيبة قيادة البوليساريو وفي هيكلة المكتب السياسي والأمانة الوطنية تحديدا، التي تعتبر أعلى هيئة قيادية للبوليساريو بين مؤتمري الجبهة خلال ثلاث سنوات، والتي يرأسها الأمين العام للجبهة محمد عبد العزيز، و التي تضم 41 عضوا بمن فيهم الأمين العام. وسيتواصل النزيف بعد وقت قصير حينما التحق القيادي والمؤسس البارز، إبراهيم الحكيم، السفير المتجول حاليا للمغرب، الذي كان يشغل منصب وزير خارجية البوليساريو وكذا منصب وزير الإعلام، وهو ما اعتُبر انتصارا للدبلوماسية المغربية ولمخابرات المغرب الخارجية، و«هزيمة نكراء» لنظيرتها الجزائرية، على اعتبار العلاقات الواسعة التي اكتسبها الحكيم مع مختلف دول العالم، والتي جعلت العديد منها يعيد النظر في اعترافها ب«الجمهورية الصحراوية». نفس «التصدع»، تصف مصادر «المساء»، خلفته عودة أيوب بلحبيب، القيادي العسكري و»الذراع القوية» التي ظلت جبهة البوليساريو لوقت طويل تلوح بإعادة استعمالها لإشعال فتيل الحرب، من جديد، وهي العودة التي تطلبت من الضباط الجزائريين إعادة النظر في طرح العودة إلى حمل السلاح، تصف مصادرنا، التي أرجعت ذلك إلى حساسية المنصب الذي كان الحبيب يتولاه، وهو قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، إحدى أهم القواعد العسكرية للبوليساريو. وحسب مصادر «المساء»، فقد كان أيضا من المؤسسين للبوليساريو، وإن لم يكن فعليا موجودا فإنه ساهم في التأسيس عن طريق رسالة شفوية أو مكتوبة إلى المؤسسين، الذين اجتمعوا في 20 ماي من سنة 1973. إلا أن رجوع كجمولة بنت أبي، العضو بالمكتب السياسي للجبهة سابقا ورئيسة اتحاد المرأة الصحراوية، والنائبة البرلمانية حاليا عن حزب التقدم والاشتراكية، اعتبر «انتصارا نوعيا» للقضية الوطنية ونقطة حاسمة في مسار النزاع والنزيف المتواصل لعدد من قياديي البوليساريو المؤسسين وغيرهم، بالنظر إلى أن بنت أبي تمثل شريحة النساء المحتجزات بمخيمات تندوف، اللائي ظل صوتهن غير مسموع أمام طغيان العنصر الذكوري على القيادة الانفصالية. لكن الرجوع المتواصل للقياديين توقف بعض الوقت، ليفسح المجال لمواطنين غير ذوي مسؤوليات، واصلوا عودتهم إلى أرض الوطن، قبل أن يفجر القيادي أحمدو ولد سويلم شيخ قبيلة أولاد الدليم وأحد القادة المؤسسين للجبهة والوزير عدة مرات في صفوفها، مفاجأة من العيار الثقيل في الصيف الماضي، حين أعلن التحاقه بأرض الوطن موازاة مع احتفال المغرب بالذكرى العاشرة لتولي الملك محمد السادس العرش، وهي العودة التي حملت أكثر من معنى وجعلت المتتبعين يعلقون عليها مرة أخرى بأنها «تفوق آخر» لعمل المخابرات المغربية الخارجية والعسكرية، بالنظر إلى رمزية الظرفية، التي جاءت أيضا في ظل تعثر استئناف جولات الحوار بين المغرب والبوليساريو، وكذا في خضم طرح المغرب لاقتراحه القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراويين، وهو ما لقي ترحيبا من عدة أطراف وازنة في الساحة الدولية.