عندما صرح القيادي البارز في جبهة البوليساريو، بعد عودته مؤخرا إلى المغرب، أن قادة البوليساريو «يراوغون ويتعنتون ويخادعون ولا يريدون حلا للنزاع»، فإنه كان يعرف ويعي جيدا ما يردد من كلام أمام الصحافيين، وهو الذي كان بالأمس القريب فقط يشارك في صياغة القرار الانفصالي إزاء المغرب، سواء خلال مرحلة الحرب أو بعد وقف إطلاق النار، وما بعد ذلك عند دخول الطرفين في محادثات مباشرة، قبل سنتين، من أجل التوصل إلى حل لنزاع عمر أزيد من ثلاثين سنة. وإذا كانت البوليساريو لا تريد حلا للنزاع، وتذهب إلى المفاوضات فقط من أجل المراوغة وربح المزيد من الوقت، بحسب القيادي السابق بالجبهة العائد إلى المغرب، وكذلك لكسب فرص جديدة للترويج لأطروحتها الانفصالية، فإن المفاوضات المقبلة، التي ستبدأ بمشاورات تمهيدية بداية من هذا الأسبوع، ستكون «حبلى بالمفاجآت»، خاصة في ظل هذا التصدع الذي خلفه انسحاب قيادي بارز في صفوف الانفصاليين، والذي يأتي متزامنا مع إقامة هذا النوع من «المحادثات غير العلنية التي لا تحضرها أطراف ملاحظة»، والبعيدة عن أعين الجزائريين، كما يرى ذلك الباحث في الشؤون الصحراوية، مصطفى ناعمي، مما سيمكن القائمين بهذه الاتصالات مع الجانب المغربي من «التمتع بصلاحيات أكثر حرية وأبعد ما تكون عن القبضة الجزائرية التي تكون حاضرة في المفاوضات المباشرة بقوة». ويضيف ناعمي، في تصريحه ل»المساء»، أنه من شأن مفاوضات من هذا القبيل، أي المفاوضات التمهيدية، أن تكون ذات مردودية إيجابية لفائدة المغرب، بحيث ستكون الفرصة مواتية للمسؤولين المغاربة والقياديين المتوقع أن تكلفهم قيادة البوليساريو بإجراء المفاوضات، من أجل تبادل مختلف وجهات النظر، بما في ذلك الحديث بخصوص مقترح الحكم الذاتي، وهو ما يعتبر مكسبا لصالح المغرب، يقول ناعمي الذي أضاف أن هذه الصيغة الأممية القاضية بإقامة مثل هذه المفاوضات غير العلنية، بقدر ما تعتبر مخيبة للآمال الجزائرية، بعكس ما قد توحي به على مستوى ظاهرها من كونها تخدم أهداف الجزائريين، فإن من شأن مثل هذه الاتصالات غير المباشرة «أن تكسب المغرب نقطا مهمة في سبيل كسب المزيد من التأييد لمقترحه من قِبل عدد آخر من قياديي البوليساريو، وهو ما ينبغي أن يتعامل معه المسؤولون المغاربة بذكاء أكبر». لكن تأثير عودة قياديين من طينة أحمدو ولد السويلم، إلى أرض الوطن، على جولات المفاوضات المنتظر استئنافها على عهد الممثل الأممي الجديد، كريستوفر روس، بالإضافة إلى أنها ستحدث «رجة» في صفوف قيادة البوليساريو، فإن عودة مسؤولين عن البوليساريو من هذا الحجم ستُخلف «أثرا عميقا» في صفوف الفصائل والمجموعات القبلية التابعة لمثل هؤلاء القياديين، يقول الباحث في الشؤون الصحراوية، موضحا أنه «لا يمكن إغفال كون ولد السويلم العائد إلى أرض الوطن هو رمز لقبيلة أولاد الدليم التي يوجد بتندوف العديد من المنتمين إليها، والأكيد أن عودة هذا الشخص المنتمي إلى نفس القبيلة، سيؤثر عليهم هم أيضا مما قد يجعلهم يفكرون في ما ذهب إليه، وبالتالي ستكون لذلك مضاعفات تنظيمية على البوليساريو». ويبدو أن الجولات المقبلة من المفاوضات بين كل من المغرب وجبهة البوليساريو، لن تكون على غرار سابقاتها، عندما كان الانفصاليون يذهبون إلى مانهاست بضواحي نيويورك وفي أجندتهم فقط ماذا سيقولون وماذا سيتلقون، بعكس المفاوضات التمهيدية الحالية التي سيذهب إليها الطرف الآخر بعد «تصدع وشرخ كبير» بقيادته، أحدثه انشقاق ولد السويلم، كما يرى ذلك رمضان مسعود، رئيس الجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، والذي فسر تلك «الرجة» في صفوف الجبهة، ب«رمزية» هذا العائد إلى أرض الوطن وب«دلالته القبلية»، حيث يمثل أحد أهم القبائل الصحراوية؛ وعودته إلى المغرب تعكس توجها مهما في صفوف قيادة البوليساريو، وهو التوجه الذي ينتظر فقط التعبير عن رأيه عندما تتاح له الفرصة المواتية، والتي قد تكون هي المفاوضات بين الطرفين، وقتها يمكن لأصحاب هذا التوجه أن يعبروا صراحة، وبعيدا عن الرقابة الجزائرية، «عن مواقفهم المؤيدة لإقامة حكم ذاتي ينهي معاناة اللاجئين ويعيدهم إلى أرضهم، وهذا ما يخيف الجزائر». عودة قياديي البوليساريو تُضعف موقف الانفصاليين عندما عاد إلى أرض الوطن، قبل سنوات، محمد علي عظمي المعروف حركيا باسم عمر الحضرمي، أحد مؤسسي البوليساريو، اعتبر الجميع أن الذراع اليمنى لزعيم البوليساريو، محمد عبد العزيز، قد تخلت عن أطروحة الانفصال والتحقت بأرض الوطن، وقتها لم يكن هناك حكم ذاتي، كما هو اليوم، حيث تقدم به المغرب كمقترح من أجل إنهاء صراع عمر أزيد من ثلاثة عقود، ونفس الشيء قيل عند مقدم عدد آخر من القياديين الذين كانوا يتقلدون مناصب المسؤولية في «جمهورية الانفصاليين»، كإبراهيم حكيم وعبد الله ولد الغيلاني ومحمد عبد القادر الشيخ عبد العزيز عباس رباني، الذين خلفت عودتهم إلى أرض الوطن فراغا على مستوى القيادة، وكذلك نوعا من فقدان الثقة فيما بين أعضاء الدائرة الضيقة التي يتزعمها محمد عبد العزيز، كما يرى ذلك مراقبون، فإن «التصدع» الذي خلفه انشقاق أحمدو ولد السويلم مؤخرا بعد انسحابه من جبهة البوليساريو، وأخذا بعين الاعتبار الفترة التي يأتي فيها هذا الانشقاق، حيث يستعد الطرفان لخوض جولة خامسة من المفاوضات، من شأنه أن يؤثر على سير هذه المفاوضات، خاصة في ظل الحديث عن وجود قياديين وُضعوا رهن الإقامة الجبرية، لدى مخابرات البوليساريو والمخابرات الجزائرية، من ضمنهم من له مهمة في المفاوضات، خوفا من التحاقهم هم الآخرون بالمغرب. وهذا ما لا يستبعده الباحث في الشؤون الصحراوية، مصطفى ناعمي، الذي اعتبر أن مفاوضات غير علنية، كتلك التي سيباشرها الطرفان، بداية من الأسبوع الجاري، من شأنها أن تحدث مفاجآت عبر «فرار جماعي» إلى المغرب، وهذا ما سيجعل البوليساريو التي تعيش «حالة ارتباك» بيّن، هذه الأيام، قد تلجأ إلى «تخفيض وزن مشاركتها في هذه المفاوضات التمهيدية»، كما يمكن لمثل هذه المفاوضات أن تتيح إمكانية الحديث بكل حرية بين الطرفين، بعيدا عن الأعين الجزائرية التي تحضر كملاحظ في جولات المفاوضات، وهو ما قد يسعف المغرب في شرح وجهة نظره بطريقة أفضل للطرف الآخر، الذي قد يقبل ذلك، يخلص ناعمي.