الحسين طلال من الوجوه البارزة في الفن المعاصر، أحرز على جائزة الشتاء بالمغرب سنة 1965، وميدالية الشرف من الأكاديمية الفرنسية، وجايل جل الفنانين المغاربة الأوائل الأحياء منهم والأموات. عرض الحسين طلال منذ سنة 1967 برواق «رو» بباريس ، وب»لوي دو بوف»، وشارك في العديد من المعارض عبر العالم بعدة فضاءات كمؤسسة «ميرو» ببرشلونة ومجموعة من القاعات بالدانمارك، وأمريكا ، ومصر ... تتمحور أعمال الفنان طلال حول تيمة «السيرك» وما تحمله من نماذج وشخصيات بهلوانية تحيل على فترة طفولية بريئة ومرحة، بقيت راسخة في ذهن الفنان كمرجع له علاقة بتفاصيل مشاهدها من تمويه في الحركة والإيماء والحكي والملابس باختلاف ألوانها الكرنفالية، ومساحيق الوجه .. فالفنان الحسين طلال كان عندما يضيق به المكان، أي فضاء الاشتغال أو المرسم، يخرج إلى فضاءات شاسعة ليتنفس فيها عبق الإبداع، دشنت علاقتي بأعماله في أواخر السبعينات، من خلال عدد من المعارض الفردية والجماعية، وكان غالبا ما أستحضره صحبة أمه الفنانة المرحومة الشعيبية، لكن المفارقة التي يمكن اعتبارها كذلك مقاربة في الوقت نفسه، هو الاختلاف والتنوع في كلا تجربتيهما، اللتين كانتا تصبان في الاتجاه التشخيصي بأسلوبين متميزين، حيث العفوية والتمرد على كل القواعد الأكاديمية في أعمال الشعيبية، ثم اعتماد الدراسة والتكوين وتطبيق القواعد في أعمال الفنان طلال، الذي يعتبر من التشخيصيين المغاربة الأوائل، فهو قليل ونادر ما يعرض أعماله، حيث قال في تصريح له بأحد المنابر الإعلامية المغربية باللغة الفرنسية «أنا لست فنان المعارض je ne suis pas un artiste d'éxposition. ما يميز الفنان طلال، هو مواكبته المستمرة لتاريخ الفن، سواء بالمغرب أو الخارج، وهذا ما جعل أعماله تتكيف مع التحولات الحاصلة في المشهد الفني في شموليته، بقي وفيا للتشخيص لكن في قالب حداثي ومعاصر، ضمن اتجاه «التشخيصية الجديدة la nouvelle figuration، على حد قوله. عمل الفنان طلال لم يتوقف عند حدود إبداعية ذاتية، بل تجاوزه لتفعيل المجال البصري من خلال رواقه «ألف باء»، الذي يعتبر من بين الأروقة الأولى المؤسسة للتربية الجمالية بامتياز، أولا لندرة المعارض التي كان يشرف على تنظيمها، ثم لنوعيتها وجودتها وصرامة اختيارها، مما جعل من هذا الرواق أحيانا، مرجعا معرفيا وفضاء لاكتشاف المواهب والتجارب الفنية الهامة، محليا وعالميا (الفنان المرحوم بوطالب والفنانة الكولومبية فرانسيسكا بريندا) نموذجا، حيث لم يكن الهدف من خلق هذا الرواق ماديا بالأساس على غرار ما يحدث بأغلبية الأروقة الأخرى الآن، بقدر ما كان محطة أساسية لتفعيل الثقافة البصرية في المغرب قبل أية مردودية مادية نفعية براكماتية، وهذا ما جعل من الفنان طلال مرجعا حقيقيا وارتباط قلقه بما هو إبداعي، هذا القلق الذي تحول من هاجس شخصي إلى تحقيق أمنية عن طريق الصدفة، فبعدما أن زاره بالمغرب أحد أصدقائه من الفنانين المرموقين الأجانب، كلفه بالبحث عن رواق لعرض أعماله، فتقدم الحسين طلال بطلب لأحد الأروقة المغربية فلم يتم الاهتمام بطلبه، وبعد مماطلات من طرف هذه الأروقة، قررت أمه المرحومة الشعيبية بأن لا ترد طلب صديق ابنها، لما عرفت به كفنانة مغربية أصيلة، ولما كانت تتحلى به من كرم الضيافة وحسن المعاملة كيد بيضاء على عدد من الفنانين المغاربة، بأن تفتح رواقا خاصا لأجل هذا المعرض، رغم التكلفة الباهظة لكراء فضاء كهذا ربما لن يوفر مردودية مادية، فتم افتتاح رواق «ألف باء»، الذي أصبح بعد ذلك محجا، لعدد من الفنانين المرموقين، ومكانا للحوار والنقاش، حيث اقتصر فقط على المعارض والمناسبات الظرفية.