قبل سنتين تقريبا، استضفت نبيلة منيب وبسيمة الحقاوي في برنامج «حديث العواصم» على فرانس 24، كي نتحدث عن «مدونة الأسرة»، عشر سنوات بعد المعركة التي قسّمت المغاربة إلى معسكرين، وعن المخاوف التي أثارها وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة مع احتمال التراجع عن المكتسبات التي تحققت، خصوصا أن حكومة بنكيران الأولى كانت تضم وزيرة يتيمة اسمها بسيمة (مع الاعتذار لعشاق «قطتي صغيرة واسمها نميرة»!)، أوكلت لها حقيبة فضفاضة: «التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية»… ولا أعرف بالنسبة إلى «المرأة» و«الأسرة» و»التنمية الاجتماعية»، لكنني أعرف أن الوزيرة كانت في حاجة ماسة إلى «التضامن» باعتبارها المرأة الوحيدة في حكومة «بوركابي»… المهم، كنت أعوّل على نقاش ساخن بين خصمين لدودين، يختلفان جذريا في المرجعية الفكرية والاختيارات الأيديولوجية، وتوقعت أن يتحول البلاتو إلى حلبة ملاكمة بين زعيمة اليسار الراديكالي، الذي قاطع التصويت على الدستور والانتخابات البرلمانية، والقيادية في «العدالة والتنمية»، التي اشتهرت بدفاعها المستميت عن مواقف الحزب الأكثر إثارة للجدل في مجال الأخلاق والحريات. لذلك عندما دعوت الزميل عبد الله الترابي للمشاركة كضيف ثالث قلت له مازحا: «صديقي، أريد منك أن تساعدني في فك شجار بين امرأتين!» لكن، قبل بدء التصوير، فوجئت ب«الرفيقة» نبيلة و«الأخت» بسيمة جالستين في انسجام تام، «سمنا على عسل»، مثل صديقتين قديمتين، تتحدثان عن المشهد السياسي بكثير من التفاهم والتواطؤ. التواطؤ الذي سيستمر طوال البرنامج، رغم أن كل واحدة كانت تدافع عن وجهة نظر على الطرف النقيض، بالحجج والبراهين واللباقة المطلوبة. حينها فهمت أن ما يوحّد بين امرأتين سياسيتين في المغرب أعمق بكثير مما يفرقهما، وأن هناك معركة بالتاء المربوطة تخوضها السياسيات والحقوقيات والمثقفات والمناضلات من مختلف المشارب في خندق واحد، مسنودات بعدد قليل من الرجال. إنها معركة نون النسوة، التي تجعل نبيلة منيب وبسيمة الحقاوي وسميرة سيطايل في خندق واحد، رغم مواقعهن المتباينة. وحين نتأمل المجتمع المغربي، نجده «رجوليا» بشكل كاريكاتوري، تلزمه عقود أخرى كي يتغير، لذلك يتفنن السياسيون في الإساءة إلى المرأة، لأنها في عرفهم «كائن ضعيف» لا ينبغي أن يُؤخذ على محمل الجد. كثير من النساء يعانين داخل أحزابهن من التهميش والإقصاء، ومن نزعة «ماتشيزم» بدائية، ليس داخل الأحزاب «المحافظة» فحسب، بل حتى في تلك التي تدّعي «الحداثة». عندما انتخب «الاشتراكي الموحد» نبيلة منيب على رأس الحزب، في يناير 2012، اختار أن يمتحن مجتمعا ذكوريا تلعب فيه المرأة دورا هامشيا، وقد وجدت منيب مقاومة حتى داخل هيئتها السياسية، حيث ردد الكثيرون بأنها لم تصل إلى الرئاسة بنضالها وكفاءتها، بل لأن «الاشتراكي الموحد» يريد ربط اسمه بامرأة كي يحسن صورته أمام الجماهير. وكل مرة يدخل فيها الحزب في صراع، يهاجمها الخصوم من الجانب الأسهل: الأنوثة وتسريحة الشعر! ولعل من حسنات وصول امرأة إلى رئاسة حزب سياسي في المغرب، أنه كشف عن هذه الفظاعات التي تعشعش في رؤوس بعض من يدعون «الحداثة»، وآخرهم وزير الشبيبة والرياضة الأسبق منصف بلخياط، الذي أطلق مزحة سخيفة، تقطر ب«الماتشيزم»، للنيل من منافسته في الانتخابات الجماعية بدائرة سيدي بليوط. «خوكم منصف» اختار بدوره الطريق السهل: التهكم على «الأنثى» التي تجرأت على منافسة «الذكر». الرجل الذي بدد أكثر من ثلاثمائة مليون في كراء سيارة «أودي» أيام كان وزيرا للشبيبة والرياضة، في استهتار خرافي بأموال دافعي الضرائب، تجرأ على وصف المناضلة اليسارية بأنها «بورجوازية» ولا تعرف «الأحياء الشعبية»، وتهكم عليها لأنها «زاز»، حسب تعبيره البئيس، وتمارس السياسة في حزب يساري. «بوحناك» تعرض لسيل من الانتقادات، لكن نزعته «الذكورية» جعلته يتفادى كل الرجال، ويهاجم امرأة أخرى هي سميرة سيطايل، من خلال فيديو مضحك يشتكيها فيه ل»الهاكا»، رغم أنها تحدثت بصفتها الشخصية وليس المهنية، على فيسبوك وليس عبر القناة الثانية. واضح أن «خونا منصف» من أولئك الذين يزعجهم الجمال والنجاح حين يجتمعان، ويعتبرون البشاعة شرطا لممارسة السياسة والترشح للانتخابات، «ويلا دّينا عليه خاصنا نسميوها «الانت.. خايبات» ماشي الانتخابات»!