أقر النظام المصري قانون مكافحة الإرهاب، الذي كان محط جدل واسع، دوليا وإقليميا لكونه يقيد الحقوق القانونية والدستورية، ويعد وسيلة يضمن بها السيسي شرعيته، أمام تصاعد مد تيارات المعارضة الشعبية له، وبسط يده على منافذ الحكم في أرض الكنانة، من أجل جعلها، أرضا خاضعة لمنطق حكم الفرد الواحد، حيث وصف الكثير من المحللين، هذا القانون بالدكتاتوري الذي سيجعل مصر وشعبها يعيشان أياما سوداء حالكة، نتيجة ما يتضمنه من مصادرة لكل الحريات القانونية والدستورية. صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون مكافحة الإرهاب، بعدما أثار جدلا كبيرا بعد نشر مسودته قبل أشهر، باعتباره محاولة من السلطات لمواجهة العنف واستهداف قوات الجيش والشرطة والمنشآت العامة. ويأتي هذا القانون باعتباره مكملا لقانون «الكيانات الإرهابية»، الذي أقر في فبراير الماضي، ليعرف الكيان الإرهابي، ويحدد دوائر خاصة بالمحاكم، ويرسم السبيل القانوني للتعامل مع هذه الكيانات أو الأشخاص. وقد عجلت السلطات المصرية بإصدار القانون بعد ما وعد السيسي عقب اغتيال النائب العام هشام بركات في نهاية يونيو الماضي، بتشديد القوانين لمكافحة الإرهاب وتسريع المحاكمات. حماية لأفراد الشرطة ومنذ عرضه، أثار القانون الكثير من الجدل واللغط، نتيجة ما يتضمنه من أحكام وبنود اعتبرها عديد من المحللين والحقوقيين، تمس بالحقوق القانونية والمدنية والسياسية للمواطنين المصري، كما أنها تفتح الباب أمام محاكمات غير قانونية وغير دستورية. كما أن هذا القانون قد كان مثار انتقادات عدة منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية التي طالبت بإلغائه ووصفته بأنه يمثل ضربة في صميم الحريات الأساسية ووسيلة للقضاء على أي معارضة. ذلك أن من بين ما ينص عليه هذا القانون في بعض بنوده، إضفاء حماية على القائمين بتنفيذ بنود القانون الجديد، حيث ينص على حماية من يقومون بتنفيذ هذا القانون من الجيش والشرطة من أي تبعات قانونية، إذا ما استخدموا القوة أثناء تنفيذ هذا القانون، فالمادة «8» منه تنص على عدم مساءلة القائمين على تنفيذ بنود القانون الجديد جنائيا، إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، شريطة أن يكون استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر. هذه المادة، اعتبرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي يتواجد مقرها بالقاهرة، تتيح للقائمين على تنفيذ القانون، وخاصة قوات الشرطة، ارتكاب أي جرائم ضد جميع المواطنين دون محاسبة، مع استنكارها لهذا القانون، بوصفه يتعارض مع مواد الدستور المصري. سجن مؤبد وإعدامات قانون مكافحة الإرهاب لم يتوقف عند هذا الحد، بل عرف بشكل مطاطي وفضفاض، الجماعة الإرهابية والعمل الإرهابي وتمويل الإرهاب، كما حدد دوائر خاصة بمحكمة الجنايات والجنح للنظر في المتهمين بموجب هذا القانون، إلى جانب فرض عقوبة تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، على كل من يشارك في عمل إرهابي. كما ينص أيضا على تخصيص دوائر خاصة للنظر في قضايا الإرهاب، وفرض غرامة مالية كبيرة على من ينشر معلومات تخالف تلك التي تنشرها السلطات الرسمية. ويغرم القانون كل من يبث أو ينشر معلومات غير حقيقية عن الاعتداءات أو العمليات العسكرية بالمخالفة للرواية الرسمية من الجهات الرسمية، مع فرض عقوبة بالغرامة المالية، المرفقة بالمنع من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالا بأصول المهنة. إذ تنص المادة «35» من القانون على غرامة مالية «لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه مصري» لكل من تعمد بث بيانات «غير حقيقية» عن أعمال إرهابية تخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع. وفي معرض مناقشة هذه المادة، يرى متابعون للشأن المصري، أنها تعد بمثابة سيف مسلط على رقاب الإعلاميين ووسائل الإعلام على حد سواء، لكونها تجعلهم عرضة للملاحقات القانونية، وذلك حال نشرهم أي بيانات أو معلومات تخالف تلك التي تعلن عنها مؤسسة الدولة. ويضيف هؤلاء أن تلك الغرامات الكبيرة ستجعل مصير الصحفي السجن والمؤسسة الإعلامية الإغلاق، حال عدم تمكنهم من سدادها، لكون مبلغها باهض جدا. فضلا عن أنها قد تؤدي إلى غلق منشورات صغيرة، إلى جانب ردع استقلالية وسائل الإعلام. وعبر محللون أن هذه المادة، جاءت ردا على اختلاف الروايات الصحفية عن الروايات الرسمية، بخصوص قتلى الجيش وخسائره البشرية والمادية، في الحرب التي يخوضها في سيناء، ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. في المقابل أضيف بند يتيح للمحاكم إمكانية قضائها بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن سنة إذا وقعت الجريمة إخلالا بأصول المهنة، دون إشارته بوضوح إلى مهنة الصحافة. وأثار هذا القانون مخاوف أن يقف الصحافيون أمام القضاء بسبب ممارسة مهنة الصحافة لا غير. كما يسمح قانون الإرهاب بالتنصت ومراقبة الرسائل الخاصة، حيث قالت المادة 46 منه «إن للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب لمدة لا تزيد على 30 يومًا قابلة للتجديد مدة أو مددًا أخرى مماثلة، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة». «ولها أيضًا تسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وكذلك ضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها». انتقادات بالجملة ويرى محللون أن قانون مكافحة الإرهاب، يضيق من نطاق الحريات ويتوسع في تعريف مفهوم الإرهاب. إذ يضيق على حرية الإعلام وقادة الرأي، ولا توجد ضمانة تؤكد على تطبيقه فقط على مرتكبي الأعمال الإرهابية، وأنه تكريس لدولة الظلام وغياب الحريات. وهو تعزيز لانفراد الرئيس بتشريع القوانين المكرسة لحكم الفرد الواحد. وبخلاف القيود المشددة على الحريات الصحفية ومواقع التواصل، فإن القانون يتضمن سلطات واسعة للرئيس الحالي في ظل عدم وجود برلمان، فبحسب القانون الجديد، فإن الرئيس الذي لا يمكنه إعلان حالة الطوارئ بموجب الدستور لأكثر من 3 أشهر ويكون ملزما بأخذ موافقة ثلثي أعضاء البرلمان بعدها لمد الحالة فترة أخرى، يمكنه الآن وفقا لقانون مكافحة الإرهاب، تطبيق حالة طوارئ غير معلنة لمدة 6 أشهر في غياب البرلمان، الذي لم يتحدد حتى الآن موعد انتخابه أو حتى فتح باب الترشح له. وقد انتقد معارضون ومنظمات حقوقية القانون بشدة، وقالوا إنه سيعطي الحكومة سلطات أوسع في قمع المعارضين السياسيين بدعاوى الإرهاب، ويقيد الحريات. وقد علقت جريدة «فايننشال تايمز» البريطانية على ما أثاره قانون مكافحة الإرهاب الجديد في مصر من غضب عارم وانتقادات من جانب النشطاء والصحفيين وقضاة كبار، معتبرة أن الحكومة المصرية تسعى لتمرير ذلك القانون المثير للجدل الذي يمنح الشرطة سلطات أوسع لتسريع المحاكمات، وسجن الصحفيين الذين تبتعد تقاريرهم عن نهج الحكومة. واعتبرت الصحيفة ذاتها أن القانون الجديد أحد مظاهر الصدام بين الحكومة التي تزداد درجة استبدادها منذ أن عزل الجيش الرئيس الأسبق محمد مرسي من السلطة، قبل عامين، حيث دأبت الحكومة على استخدام ذريعة محاربة موجة من التمرد في قتل المئات من العناصر الأمنية والعسكرية لإطلاق العنان لموجة من التشريعات يصفها خبراء القانون بأنها الأكثر تقييدًا منذ خمسينيات القرن المنصرم. وتهدف إلى تقليص منسوب الحقوق القانونية الأساسية. ولفتت الجريدة في مقالها، إلى أن السيسي بهذا القانون، دشن مرحلة جديدة في التمادي بممارسة القمع من خلال تمرير قانون الإرهاب الذي يعزز صلاحيات الدولة البوليسية، مشيرة إلى أن هذا القانون يعد دليلا جديدا على عزمه تنفيذ مخطط عديم الرأفة لاستئصال كافة المعارضين لنظامه داخل مصر. مشيرة إلى أن قانون الإرهاب المتشدد الذي تم تمريره بمصر هذا الأسبوع يعد إشارة إضافية على فشل السيسي في السير بهذا المشوار. ولفت مقال الصحيفة إلى أن القانون الجديد، يضفي طابعا شرعيا على الممارسات التي لجأ إليها نظام السيسي على امتداد العامين الماضيين، للرد على الهجمات، وقمع أشكال الاحتجاج السلمية كافة. وعن الرسالة التي يسعى النظام المصري إلى إيصالها من خلال القانون الجديد، اعتبرت الصحيفة، أن النظام ماضٍ في مواصلة الممارسات نفسها، التي يبدو أنها أدت إلى اتساع دائرة الاحتجاج ضده، موضحاً أنه بدل أن يفضي القانون الجديد إلى استئصال التهديدات الإرهابية، فلن يؤدي سوى إلى وضع تعقيدات جديدة في وجه مثل هذه الجهود. وذكرت الجريدة في معرض انتقادها الحاد للقانون، أن الانتصار الحقيقي والدائم على التهديدات الإرهابية، لا يمكن أن يتحقق من خلال الاكتفاء بتشديد العقوبات، بل من خلال استراتيجية سياسية توفر التربة الخصبة لبروز أشكال أخرى من الاحتجاج. مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن مواجهة الخطاب المتطرف تتطلب نقاشا أكثر انفتاحا وصراعا على مستوى الأفكار أحسن مما يوجد الآن في مصر، وذلك ضمن استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب. وخلص محللون إلى أن إصدار هذا القانون المتشدد في هذا التوقيت يأتي اتساقا مع سياسة النظام في توجيه الضربات الاستباقية للجماعات الإسلامية والقوى الثورية، والميل إلى أسلوب التصفية والضرب بشكل مباشر، بدلا من شغل الرأي العام بقضايا ومحاكمات تعطل النظام وتدخله في معارك داخلية وإقليمية، وتكلفه مبالغ طائلة في عمليات التأمين والمتابعة. ووصف محللون أن السيسي، يبدو عازما على بذل كل ما بوسعه لترسيخ رؤيته الخاصة لحكم الرجل الواحد في مصر، إذ إنه منذ الانقلاب الذي شنه وأطاح فيه بجماعة الإخوان من السلطة، تصرف بطريقة أكثر قمعا بكثير مما كان متوقعا، حيث ملأ السجون بخصومه، والآن فتح فصلا جديدا في هجومه من خلال تمرير قانون مكافحة الإرهاب الذي يعزز سلطة الدولة البوليسية. بالموازاة مع ذلك، فإن هذا القانون يعد علامة أخرى على شروع السيسي في خطة وصفت بالمتهورة، في رغبة جامحة منه للقضاء على المعارضة الداخلية لنظامه. خصوصا وأن هذا القانون، إلى جانب فرضه لعقوبة الإعدام على كل من تثبت إدانته بإنشاء أو قيادة جماعة إرهابية، أثار قلق الجماعات الحقوقية لكونه لم يعط تعريفا دقيقا للإرهاب، إذ أدرجته بصيغة وصفها المتتبعون بالمطاطية جدا، ويمكن أن ينطبق طابعها على أي عمل عنف يتم أثناء مسيرة احتجاجية أو إضراب.
تأييد دولي ضمني وقال محللون إن توقيت إصدار السيسي لقانون الإرهاب، جاء في وقت يضمن فيه هذا الأخير تأييد دول مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لإصدار هذا القانون، في إطار ترويج صورة مصر كحائط صد أمام القوى الإرهابية في سيناء وليبيا، وعلى أنها المعاون الأبرز لدول أوربا ضد تدفق الهجرة غير الشرعية. واعتبروا أن من الأسباب التي تجعل السيسي يعمل بناء على هذه الطريقة، ويقينه من إفلاته من العقاب هو وتمرير ما يريد، يتمثل في كون الرأي العام المصري على استعداد لتحمل ذلك، إلى جانب كون الغرب مستعد لغض الطرف عن انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، خصوصا مع الاضطرابات التي تجتاح سوريا والعراق وليبيا، في وقت صارت فيه مصر تظهر على أنها واحة للاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والحقوقي، رغم أن واقع الحال، يقول عكس كل ما يروج له السيسي وخطاباته وجنوده من الموالين له.