حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – في الفترة التي تحدثت عنها في الحلقة السابقة نشر البعض كتابات تقول إن عبد السلام ياسين اعترف بمؤسسة إمارة المؤمنين… هذا ليس صحيحا، وعلى خلاف ما كتب ساعتئذ، فإن عبد السلام ياسين، الذي كنت أعرف كيف يفكر وماذا يريد، لم يكن مستعدا وقتئذ للاعتراف بمؤسسة إمارة المؤمنين بالصيغة التي اقترحها الحسن الثاني. لقد قال لي بالحرف: إذا أراد الحسن الثاني أن أعترف بإمارة المؤمنين فعليه أن يلتزم بشروطها. – هل كان عبد السلام ياسين يريد تأسيس دولة الخلافة بالمغرب؟ لا أبدا، فعبد السلام ياسين كما لا يعرفه كثيرون، كان ضد العنف وضد الاستقواء بأي جهة خارجية لقلب النظام بالمغرب. أتذكر جيدا أنه وجهت لي الدعوة إلى إيران من طرف الجامعة الإسلامية ببيروت التي كانت تابعة للشيعة. بعض المنظمين كانوا يعرفون علاقتي بعبد السلام ياسين، ولذلك قالوا لي إذا كان ياسين في حاجة إلينا فنحن مستعدون لتقديم المساعدة له مهما كانت طبيعتها. بطبيعة الحال، أخبرت عبد السلام ياسين بالواقعة وقال لي ما مؤداه أن أبتعد عن هؤلاء الشيعة لأن نواياهم ليست طيبة. – كيف كانت علاقتك بعبد السلام ياسين؟ كانت العلاقة جيدة جدا. وما أود إضافته أن انتقاله للسكن في حي السلام كنت أنا السبب فيه، فبعد إطلاق سراحه جاء إلى الرباط، وفي زيارته لي اكتشف أنه مرتاح لجو المنطقة كما أخبر مرافقه برغبته في إيجاد سكن في المنطقة ذاتها. بعدها دعاني لتقديمي لشيخ الزاوية البودشيشية فرافقته إلى الدارالبيضاء، وفي تجمع كبير بإحدى الفيلات قدمني إلى الشيخ حمزة فقال لي: سيكون لك شأن عظيم في هذا البلد. إلا أني رغم ذلك اعتذرت عن الانضمام إليهم وأخبرته أني ربما سأكون مفيدا أكثر خارج الزاوية. وظلت العلاقة بيننا، فاقترحت عليه تنظيم محاضرة باسم جمعية الشباب والتقدم، واحدة بالعربية وأخرى بالفرنسي، لتظهر على الساحة كمثقف وليس مجرد شيخ زاوية، وفعلا قمنا بتنظيم المحاضرة بوزارة الثقافة وكان أول ظهور لعبد السلام ياسين على الساحة الثقافية. – هل كان لياسين في تلك الفترة خصوم سياسيون؟ أقصد هل كان هناك من يرفض فكرة تأسيس الجماعة؟ في بداية الحركة الإسلامية، كان الأمر عاديا بالنسبة إلى الأحزاب السياسية، لكن بعد ذلك تغير الوضع، بعد أن سعى ياسين إلى تأسيس حوار بين كل مكونات الحركة الإسلامية، بل كان يريد حتى الحوار مع الأحزاب اليسارية، لكنها رفضت ذلك، رغم أن ياسين كان جادا في مسعاه. عبد السلام ياسين كان رجلا هادئا وغرضه في الحياة هو أن ينجح جماعته ويحافظ على توازنها الفكري والسياسي. لم يكن يقبل المساومة فيما يخص أفكاره وقناعاته مهما كانت الظروف.