«نطالب بتمليك منازلنا»، شعار يستقبل زوار حي الإنارة بمنطقة سيدي بوزكري بمكناس، وقد تحولت جدران وأزقة الحي إلى ساحة احتجاج مفتوحة، في مواجهة سعي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى إفراغ السكان، الذين ليسوا في نظر وزارة أحمد التوفيق إلا محتلين لهذه الأراضي المحبسة. على مدى سنوات خلت، تناسلت عشرات الآلاف من الوحدات السكنية فوق مختلف الأحياء الكائنة في منطقة «سيدي بوزكري» المسماة باسم الولي الصالح بوزكري، إلى أن تحولت اليوم إلى ما يشبه مدينة صغيرة تضم زهاء ال35 ألف وحدة سكنية، وحوالي 100 ألف مواطن. المثير في هذا الملف الذي لا يتردد المواطنون في وصفه بأحد أكبر فضائح النصب والتجزيء السري في المغرب، لا يتعلق فقط بالمنازل التي شيدت أمام أعين المسؤولين والمنتخبين، بل أيضا بعشرات الوحدات الإنتاجية والتجارية التي أضحت هي أيضا مهددة بالإفراغ. وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية اعتبر في إحدى جلسات الأسئلة الشفاهية بمجلس النواب أن هذه «الحالة الخاصة لاحتلال الأرض الوقفية تشمل آلاف المساكن، وهو احتلال وقع بطريقة عشوائية». وأضاف: «كل تسوية توافق عليها الأوقاف لابد أن تقع انطلاقا من تحديد دقيق للوضعية العقارية والطبوغرافية، حيث ستتم عملية التسوية على أساس مراعاة الوضع القائم واحترام القانون وحقوق الأوقاف». بيد أن ما زاد من حدة الاحتقان هو تحرك نظارة الأوقاف في محاولات لاستصدار أحكام الإفراغ، وهو الأمر الموثق في رسالة تتوفر عليها «المساء»، والتي تشير إلى أن النظارة سترفع دعاوى الطرد للاحتلال، على ألا تشمل في مرحلة أولى الجميع لتجنب التظاهر والاحتجاج، بل ستتم في البداية بشكل متفرق على مستوى التجمعات السكانية وعلى دفعات. تجزيء سري في شرق مدينة مكناس، تقع الأرض المسجلة في المحافظة العقارية باسم أحباس سيدي بوزكري، البالغة مساحتها 456 هكتارات. هذه الأرض تخترقها الطريق الوطنية رقم 13 المؤدية نحو مدينة الحاجب، وتأخذ اسم شارع بئر أنزران، والطريق رقم 6 الرابطة بين الرباط وفاس. أغلب هذا العقار يدخل في المدار الحضري لمدينة مكناس، بما يناهز 344 هكتارا، فيما يبقى الجزء الثاني داخل الجماعة القروية لمجاط بحوالي 112 هكتار. حسب المعطيات التي حصلت عليها «المساء»، تعود هذه الأرض في أصل ملكيتها إلى أحفاد سيدي بوزكري، كأحباس معقبة قام الولي الصالح بوقفها على ذريته وأحفاده، فتصرفوا فيها باعتبارها ملكا خاصا إلى منتصف الثمانينيات. بيد أنه بعد قرار ضم الأحباس المعقبة لوزارة الأوقاف، نزعت منهم الأرض بعد صراع طويل في المحاكم، انتهى لصالح الوزارة في أوائل التسعينيات. وزارة الأوقاف، وبعدما ربحت المعركة القانونية، وجدت نفسها أمام الأمر الواقع، والمتمثل في عشرات الآلاف من الوحدات السكنية التي تم تشييدها، وبملحقات إدارية ومدارس ومؤسسات صحية. بل إن هذه الأرض تحتضن بعض الوحدات التجارية والإنتاجية، التي استغل أصحابها عقود الكراء التي تربطهم بالأحباس بناء الأسوار وغيرها. هذه هي قصة «بلاد سيدي بوزكري»، التي تحولت إلى قنبلة موقوتة تطرح إشكالا اجتماعيا وأمنيا لسلطات المدينة، في ظل تنامي الاحتجاجات، التي تخللتها اعتقالات أعضاء في التنسيقية، من بينهم عضو في جماعة العدل والإحسان، أفرج عنه مؤقتا. لكن كيف تم السماح بانتشار هذه المساكن كالفطر دون تدخل المسؤولين؟ نصب واحتيال؟ في أحد البيانات الصادرة عن تنسيقية سيدي بوزكري، اعتبر السكان أن أصل المشكل يعود بالأساس إلى تجاهل وزارة الأوقاف لوضعية هذه المنطقة لسنوات، وهو ما جعل آلاف السكان يتعرضون لعملية النصب عبر اقتناء الأرض من أصحابها الأصليين (أحفاد سيدي بوزكري)، عن طريق ما يسمى بالتنازل. حسن، وهو من أبناء الحي، وصف الوضع هنا بالغريب. «كيف يتم السماح لآلاف المواطنين بالبناء على أرض يقولون إنها محبسة، وتأتي بعد ذلك وزارة الأوقاف لتطالبهم بإفراغ تلك المساكن؟». سؤال طرحه حسن بنبرة قوية ملؤها الغضب، قبل أن يزيد قائلا: «هناك أمر واقع، والوزارة واعية بذلك، وليس هناك من حل غير التمليك في ظل وجود رغبة قوية للسكان للحوار وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف». وثيقة شهادة الملكية التي تشير إلى أن الملك المسمى «بلاد سيدي بوزكري» ذي الرسم العقاري عدد 4650/ك الكائن بمكناس سيدي بوكري ومساحته 457 هكتار يوجد في اسم أحباس سيدي بوزكري، بيد أن ما يثير غضب السكان هو الإشارة إلى أن هذا العقار عبارة عن أرض عارية، علما أن عدد المساكن يقارب ال35 ألف وحدة، إلى جانب عدد من المصانع والمحلات. وتوضح الوثيقة ذاتها بعض مشاريع نزع الملكية، ومنها مشروع لفائدة الجماعة الحضرية بغية فتح أحد الشوارع، وأخرى لإحداث مؤسسات تعليمية، ومشروع آخر لنزع الملكية لفائدة الصندوق الوطني للماء الصالح للشرب. «التدويرة» وغض الطرف لا يتردد بعض سكان سيدي بوزكري، الذين تحدثت إليهم «المساء»، في الادعاء بكونهم قاموا بتقديم الرشوة، أو ما يسمونه ب»التدويرة»، لبعض المنتخبين لغض الطرف عن البناء الذي كان يتم في واضحة النهار، إلى أن تفجر الوضع وبدأت وزارة الأوقاف تهدد بإفراغ سكان هذه الأحياء. «قمت بشراء البقعة التي يوجد عليها مسكني من شخص آخر، وباشرت عملية البناء دون أي مشكل، باستثناء منحي «التدويرة» بين الفينة والأخرى، إلى أن فوجئنا بدخول وزارة الأوقاف على الخط». هكذا لخص محمد، أحد قاطني حي سيدي بوزكري، قصة تشييده لمسكن على أرض تدخل ضمن العقارات المحبسة، وفق شهادة الملكية الصادرة عن المحافظة العقارية. لم يتردد الرجل في التأكيد على أنه منح الرشوة لبعض الأطراف حتى يغضوا الطرف عن عملية البناء. وزاد قائلا بنبرة حازمة: «كاين واحد المنتخب كلا مني 16 ألف ريال باش نبني الطابق الثاني، بعدما حاول في البداية أن يمنعني من ذلك». الحديث لأهالي أحياء بوزكري يكشف عن خيوط انتشار التجزيء السري في المنطقة، وتحول آلاف المواطنين إلى ضحايا منتخبين وإداريين تواطئوا على مر سنين عدة، إلى أن فجرت وزارة الأوقاف هذه الفضيحة. داخل حي الإنارة التقينا بالحاج قاسم، وهو الذي يقطن في المنطقة منذ سنة 1941. أعاد قاسم خلال حديثه ل»المساء» ربط الحاضر بالماضي، وهو يحكي تفاصيل هذا الملف الشائك. «ازددت في هذه المنطقة ولازالت أعيش فيها إلى اليوم، وفي سنة 1981 دخلت الأوقاف على الخط، لكنها وجدتنا قد بنينا مساكننا». حاول الرجل أن يجمع أكبر قدر من الوثائق، وأدلى بوثيقة تعريف حصل عليها آنذاك ب50 سنتيما، وتشير إلى أن عنوانه هو «دوار الضو سيدي بوزكري». وأضاف: «ضرباتنا الشتاء والشمس، وكنا نضع الأجور واحدة تلو الأخرى لأن السلطات كانت تمنعنا من البناء بالقصدير، وبعد كل هذا جاءت الأوقاف لتقول بأن هذه الأرض محبسة». أحكام بالإفراغ أمام الوضع المتأزم لهذا الحي السكني، لجأت وزارة الأوقاف إلى القضاء قصد استصدار أحكام بالإفراغ بخصوص بعض الفئات. نظارة الأوقاف في مكناس راسلت الوزارة بشأن الإذن لها لتنصيب محام، بغية رفع دعاوى الطرد للاحتلال، على ألا تشمل الجميع كمرحلة أولى لمحاولة تجنب التظاهر والاحتجاج، بل ستتم كبداية بشكل متفرق على مستوى التجمعات السكنية وعلى شكل دفعات. في إحدى الدعاوى التي رفعتها الوزارة، أوردت الأخيرة أن المدعى عليهما يحتلان جزءا من العقار الوقفي المحفظ، بمساحة تقدر ب140 مترا مربع بحي الإنارة، وهو الذي يشتمل على محل مخصص لبيع المواد الغذائية، وأن المدعى عليهما يتواجدان في العقار بدون سند قانوني. وأشارت إلى أن أراضي الأوقاف بسيدي بوزكري تعرضت للترامي والتعدي من طرف مجموعة من الأشخاص، من بينهم المدعى عليه. بيد أن المدعى عليهما اعتبرا أن العقار ليس في ملكية وزارة الأوقاف، بل هو وقف خاص في ملكية عائلة سيدي بوزكري، إلا أن المحكمة أشارت إلى أنه بالاطلاع على الشهادة العقارية المدلى بها، يتبين أن العقار مسجل باسم أحباس سيدي بوزكري دون أية إشارة إلى عائلته. وأوردت المحكمة أن الأصل في الوقف هو أنه عام، وبالتالي في غياب الإدلاء بما يثبت كون العقار هو وقف معقب في اسم عائلة سيدي بوزكري، يكون دفع المدعى عليه غير مرتكز على أساس ويتعين رده. وأشارت المحكمة إلى أنه ثبت لديها تواجد المدعى عليه بالمحل المطلوب فراغه، وأنه لم يدل بما يثبت شرعية تواجده بما يجعله في وضعية احتلال ويتعين إلزامه بالإفراغ.
اتفاقية شراكة لطي الملف وتمليك المساكن لقاطنيها في خضم الإشكالات الاجتماعية والأمنية التي أضحى يطرحها ملف أحباس سيدي بوزكري، استنفرت ولاية جهة مكناس-تافيلالت الجماعة الحضرية ومعها عدد من المتدخلين، لإيجاد حل عاجل لهذا الملف الشائك. وحسب معطيات حصلت عليها «المساء» فقد طلب الوالي محمد القادري من رئيس المجلس الحضري دراسة مشروع اتفاقية بشكل يضمن حقوق الأوقاف ويسمح للمستغلين باقتناء القطع التي يستغلونها. نص مشروع هذه الاتفاقية، التي حصلت «المساء» على نسخة منه، يشير إلى أن الهدف منها هو التسوية العقارية والقانونية للرسم العقاري الحبوسي عدد 4650/ك بمكناس، البالغة مساحته 456 هكتارا المسمى «بلاد سيدي بوزكري. أولى هذه العمليات تتمثل في استخراج الرسوم العقارية للأوعية المشكلة للعقار، حسب طبيعة الأنشطة التي تحتضنها، مع إمكانية تقسيم الوعاء الواحد لعدة رسوم عقارية حتى يسهل إنجاز الملفات التقنية الخاصة بها. وسيتم في هذا السياق استخراج الرسوم العقارية الفردية لكل قطعة من القطع التي تشكل هذه الأوعية العقارية حسب كل مستغل، مع دراسة تفويت القطع المستخرجة إلى مستغليها في إطار تفاوضي من طرف نظارة مكناس، باستثناء الوعاء الفلاحي الذي ستتم دراسته بشكل خاص يتيح إمكانية تفويت جزء منه لمكتريه، والاحتفاظ بالجزء الآخر في ملكية الأوقاف. وسيتركز العمل على ثلاث مناطق. المنطقة الأولى المسماة «ألف»، والتي تهم السكن غير النظامي، وتشمل مجموعة من الأحياء كالإنارة والوحدة والأمل وغيرها. المنطقة «باء» التي تعرف نشاطا اقتصاديا، وتضم عددا من المستودعات والوحدات الإنتاجية الخدماتية والتجارية. أما المنطقة «جيم» فتهم تلك التي تعرف الأنشطة الفلاحية، والتي تضم أراضي فلاحية وتقع معظمها خارج المدار الحضري لمدينة مكناس. هذه الاتفاقية ستجمع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وولاية جهة مكناس-تافيلالت، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقارية والخرائطية، إلى جانب الجماعة الحضرية والوكالة الحضرية، ومجموعة التهيئة العمران. ويقترح المشروع أن تتولى شركة العمران مكناس إنجاز عملية التسوية موضوع هذه الاتفاقية، كصاحب مشروع منتدب يتم انتدابها لهاته الغاية من طرف وزارة الأوقاف، مالكة العقار وصاحبة المشروع. وسيكون من بين مهام العمران، إعداد وتهييء كافة الدراسات الطبوغرافية، واستخراج الرسوم العقارية الفردية لكل قطعة، مع تحصيل المداخيل المترتبة عن التسوية العقارية لهذه المناطق حسب التركيبة المالية التي سيتم تحديدها لكل منطقة من المناطق المذكورة.