لن نتحدث عن «صاية» إنزكان ولا «شورْت» آسفي ولا عن مخنث فاس ولا عن المواضيع التي ستظهر قريبا لكي تلهي المغاربة فيما تبقى من هذا الصيف الذي لا يحتمل. سنتحدث عن المهاجرين، ليس المهاجرون المغاربة في العالم، بل المهاجرون الأفارقة في المغرب، وهم يشكلون موضوعا لا نريد أن ننتبه إليه، مع أنهم أصبحوا معضلة حقيقية لأنفسهم وللمغرب. قبل بضعة أسابيع بدأت السلطات في شمال المغرب تطبيق تلك النظرية العجيبة التي تقول: «عوض مطاردة البعوض يجب أن تجفف المستنقع»، لكن لا يمكن أبدا تشبيه مهاجرين بؤساء بالبعوض، ولا يمكن أبدا مقارنة تلك المناطق التي يوجدون بها بالمستنقع. المهاجرون الأفارقة يشبهوننا في أشياء كثيرة جدا، في البؤس والبطالة والفقر والحاجة والتاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل. وفي أغلب الأحيان يركبون «الباطيرات» جنبا إلى جنب مع المغاربة، وفي أحيان كثيرة تمتزج جثثهم وأرواحهم في نفس المياه، كم تلتهم أسماك القرش لحومهم ولحومنا دون أن تفرق بين اللحم الإفريقي واللحم المغربي. لكن ما يجري الآن في المنطقة الفاصلة بين سبتة وتطوان يستدعي أسئلة كثيرة. هناك تقوم السلطات بارتكاب جرائم في حق الطبيعة، إنها تغلق بالإسمنت والحجر مداخل عشرات المغارات الطبيعية في سفوح وقمم الجبال من أجل منع المهاجرين الأفارقة من استعمالها مآوى لهم. هذه السلطات لا تدري أن تلك المغارات كانت موجودة قبل آلاف أو ملايين السنين، وأن الإنسان القديم، المسمى «النياندرتال»، استعملها قبل مئات الآلاف من الأعوام وسكن فيها قبل أن يتوزع حول العالم، وفي تلك المغارات تسكن أشكال كثيرة من الحيوانات، وهي تراث طبيعي في ملك المغرب والإنسانية، لكن عقلية القُيّاد لا تفرق بين تحطيم منزل عشوائي وتدمير مغارة. في الغابات والجبال بين سبتة وتطوان يوجد آلاف المهاجرين الأفارقة، كلهم يقتاتون من صدقات وكرم وأريحية المغاربة، وحتى عندما يقوم عدد منهم بسلوكات إجرامية، فإن الناس لا يجرّمون الجميع، ولولا كرم الناس لهلك أولئك المهاجرون جوعا. السياح الذين يدخلون المغرب من سبتة ويتوجهون عن طريق الميناء المتوسطي، ترعبهم جحافل المهاجرين على جنبات الشارع وهو يلوّحون للسيارات طالبين طعاما وماء ومالا، وأكيد أن عددا من السياح يحسبون هؤلاء المهاجرين مغاربة، وأكيد، أيضا، أنهم عندما يعودون إلى بلدانهم سيحكون عن المغرب وكأنه بلد مجاعة وتسول. هناك مشكلة أخرى، وهي أن هؤلاء المهاجرين يحظون، في فترات نادرة، بزيارة جمعيات إسبانية. المشكلة أن تلك الجمعيات عادة ما تقول في تقاريرها إن أولئك المهاجرين يشتكون من عنصرية وعنف المغاربة. كيف يمكن أن نصدق أن يكون المغاربة عنصريين مع مهاجرين لا يستطيعون العيش من دون كرم المغاربة؟ وكيف يمكن أن نتصور مغربيا يمارس العنصرية مع إفريقي ثم يركبان «الباطيرا» جنبا إلى جنب؟ الآلاف من المهاجرين الذين يحومون حول سبتة يعرفون أنهم لن يدخلوها، ونادرا ما يتسلل نحوها بضعة أفراد بمعجزة. وآخر مجزرة ارتكبها الأمن الإسباني في سبتة في حق المهاجرين كانت عندما قتل خمسة عشر منهم بالرصاص الحي وهم يسبحون في عرض البحر، ثم ادعى أنهم غرقوا. أما مضيق جبل طارق فقد صار مثل جدار برلين في زمن الحرب الباردة، والذين يصلون إلى الضفة الشمالية يعادون فورا. لهذا السبب فإن مقام المهاجرين الأفارقة بين سبتة وتطوان سيكون طويلا، وسيستمر سكنهم في الكهوف والمغارات، وسيستمر احتلالهم شققا ومنازل اشتراها الناس برزق عيالهم، وكلما طال المقام كبرت المشاكل واستمرت الجمعيات الحقوقية الدولية تصف المغاربة بالعنصرية والعدوانية. المسؤولون المغاربة الذين يرتكبون الآن جرائم ضد الطبيعة عبر إغلاق الكهوف وتبليط المغارات وقطع الأشجار، عليهم أن يقدموا كشف حساب للمغاربة حول حجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوربي للمغرب. علينا أن نعرف من الذي يمنع المغرب من بناء مراكز إيواء للمهاجرين، مثلما تفعل إسبانيا المجاورة. إن بناء مراكز إيواء لا تكلف الكثير، وهي أفضل بكثير من إغلاق المغارات والكهوف بالإسمنت. علينا أن نتوقف عن ممارسة النفاق ونطالب المسؤولين المغاربة بالكشف عن مبالغ المساعدات التي تصلهم من الاتحاد الأوربي في إطار محاربة الهجرة السرية. وأكيد أننا سنجد أن بناء مراكز إيواء للعناية بالمهاجرين الأفارقة أهون من مطاردتهم في الغابات وتركهم تحت رحمة الصدقات. لكن إذا كان المغرب يرفض أن يتحول إلى مركز للاجئين الأفارقة القادمين من كل حدب وصوب، فليفتح لهم الطريق نحو أوربا أو يعدهم إلى بلدانهم، أما أن يبقوا هناك في تلك الظروف المهينة والمزرية فهذا ما لا يقبله عقل ولا شرع، ونتمنى لو أن وزير الداخلية يفعل يوما ما يفعله أي مسؤول غيور، فيركب سيارته ويذهب إلى هناك بدون مرافقين ولا موكب رسمي، وسيرى بأم عينيه أن ذلك الوضع لا يجب أن يستمر ليوم إضافي واحد. سيرى هناك مشهدا مهينا للمغرب وللمغاربة ولإفريقيا وللإنسانية جمعاء.