سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمراني : المقاوم محمد منصور أراد الانسحاب من الانتخابات لأن المقدمين والشيوخ كانوا يحثون الناس على التصويت لفائدته قال إن البريني سأله عن نجمي فأجابه بأنه يضمنه أكثر من نفسه
عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار... - وماذا كان الرد؟ لم يقدم أحد للمناضلين تبريرا مقنعا، فانضافت صدمة توزير الراضي إلى صدمة تزوير الانتخابات الجماعية بشكل بشع، لتأتي الانتخابات البرلمانية وسخط المناضلين وقرفهم من الانتخابات ومن العمل السياسي في ذروته. - أين تجلى ذلك؟ خلال الحملة الانتخابية البرلمانية، تأكد عزوف الناس ولا مبالاتهم. وتجلى ذلك في نسبة المشاركة التي تدنت بشكل مخيف وغير مسبوق. وجاءت النتائج وفقا للخريطة المحددة سلفا. لكل «كوطاه» والاتحاد «فاز» ب35 مقعدا، وهو العدد الذي كان متداولا من قبل من طرف العديد من المهتمين والمراقبين. - «كوطا» محددة سلفا؟! ليس ضروريا أن يكون قد قبل ذلك.. المهم أن الداخلية حددت «الخريطة» الانتخابية مسبقا، وأعطت للاتحاد «كوطاه»، وأخبرت السلطات الإقليمية بلائحة الناجحين، على أساس أن تعمل كل واحدة على إنجاح المطلوب نجاحهم. - هل لديك ما يثبت ما تقوله؟ بالطبع.. أذكر واقعة لا يمكن أن تنسى، وهي تشي بالكثير بهذا الخصوص: في عز الحملة الانتخابية التشريعية، لسنة 1984، فوجئ العاملون في الجريدة بالمناضل والمقاوم محمد منصور يأتي إلى مقر الجريدة بزنقة الأمير عبد القادر، وهو في حالة يرثى لها، مصرا على نشر بيان شخصي يعلن فيه انسحابه من الانتخابات. والسبب؟ المقدمون والشيوخ يتحركون في دائرته حاثين الناس على التصويت لفائدته.. اعتبر المناضل الكبير ذلك إهانة له ولتاريخه، كما اعتبره إهانة لحزبه. ولذلك أصر على الانسحاب، و لكن اتصالات على أعلى مستوى من القيادة (قام بها المرحوم مصطفى القرشاوي مع عبد الرحيم بوعبيد)، بالإضافة إلى المجهود التي بذلها عبد الرحمن اليوسفي في عين المكان أقنعت المناضل محمد منصور بالاستمرار (لأنه لا يعقل أن ينسحب هو ويبقى الحزب في المعركة..!) المهم أن الذين نجحوا كلهم كانوا ضمن «الكوطا» المحددة سلفا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. عاد «المخزن» لمنطق وضع الخريطة السياسية مسبقا مع فرق بسيط هذه المرة: إذا كان قد عمد في سنة 1977 إلى مطالبة الاتحاد بتحديد لائحة من يرغب في نجاحهم، والتي لا ينبغي أن تتجاوز «الكوطا» المحددة في 42 مقعدا، فإنه هذه المرة «ماعبّر حد» وحدد «الكوطا» مسبقا في 35 مقعدا، وعمل على إنجاح من اختاره هو من المرضي عنهم.. أما المغضوب عليهم من مرشحي الحزب فكان يوضع عليهم فيتو يمنعهم من النجاح حتى لو كانوا يحظون بنسبة كاسحة من أصوات الناخبين. لذلك أقول إن بداية نهاية ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي كانت انتخابات 1983 الجماعية. لقد بَذَلَ الاتحاد جهدا خُرافيا لإقناع الناس بجدوى المشاركة في الانتخابات، وأكد لهم أن عهد التزوير قد ولى إلى الأبد، وأن هناك وعودا من أعلى سلطة في البلاد بأن الانتخابات هذه المرة ستكون نزيهة. وبعد كل الذي جرى في انتخابات سنة 1976 (الجماعية) ثم في انتخابات 1977 البرلمانية، وجد الحزب صعوبة في إقناع مناضلين بالاستمرار في اللعبة. وعندما توصل إلى استثارة حماس الناس في سنة 1983 جاءت عمليات التزوير البشعة لتجهز على كل شيء، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الانتخابات التشريعية لسنة 1984. - لنعد مرة أخرى إلى بداية عملك بالإعلام المغربي كيف كان ذلك؟ تعود البداية إلى ما بعد الانتخابات الجماعية لعام 1983. كنت في حالة إنهاك مصحوب بإحباط ناجم عن التزوير البشع الذي طال الانتخابات، فقررت التوجه مع أفراد أسرتي إلى مدينة الحسيمة لقضاء عطلة هناك في تلك المدينة التي اعتدت قضاء عطلتي بها مع العائلة، منذ بداية السبعينيات. كنت أقيم في «كامبينغ» شاطئ «كارابونيطا» عندما زارني أحد أفراد أسرتي وأخبرني بأن الأخ عزوز الجريري، الكاتب الإقليمي للحزب بتازة، قد اتصل بالوالد وطلب منه إخباري بأن الأخ اليازغي اتصل به ملحا عليه بضرورة التحاقي بالدارالبيضاء لأن «الإخوان» فيها يحتاجون إلي. لم أفهم بالضبط طبيعة الشيء المطلوب مني، ولكنني لم أتردد في إيقاف العطلة، وطي الخيمة وجمع الحقائب، والتوجه مباشرة إلى الدارالبيضاء تلبية لنداء «الواجب النضالي» كما كنت أتصوره في تلك الفترة. في اليوم التالي لعودتي إلى الدارالبيضاء توجهت مباشرة إلى مقر «الجريدة» وقابلت على الفور مديرها محمد البريني، الذي قال لي إن الجريدة في حاجة إلي، وأنه يُعول علي في تطويرها وإيصالها إلى المستوى الذي ينتظره المناضلون، فرحبت بالعرض، دون أن أخفي سعادتي بالعمل معه نظرا لما كنت أكنه له من حب واحترام منذ تعارفنا الأول، عندما كان يعمل في جريدة «ليبيراسيون» وأنا أعمل خلال فترة توقيفي بعد إَضراب 1979 في جريدة «الديمقراطية العمالية» وربط بيننا من يومها خيط مودة ازداد متانة بعد مرور السنوات. اتفقنا على المطلوب مني، وكان يهم بالأساس الترجمة وإعداد الملفات والتقارير والتعاون مع جميع الأٌقسام، وخصوصا القسم الاجتماعي. - ومن كان يعمل معك في هذه الفترة؟ كانت الجريدة قد اعتمدت في انطلاقتها على طاقم «المحرر» معززا بأسماء جديدة -محددة- أذكر منها الصديق جبران خليل في قسم الأخبار، وكذلك الصديق محمد خيرات في نفس القسم.. أما الآخرون فكانوا من بقايا هيئة تحرير «المحرر» أو من قسم التصحيح فيها أمثال المرحوم الودغيري، عمر المودن، وعبد الله قانية... نشرت في البداية سلسلة من التحقيقات عن مدينة تازة، تناولت أوضاعها الاجتماعية والثقافية والعمرانية ولم تمر سوى أسابيع حتى استدعاني محمد البريني ليطلب مني رأيي في مرشحين تقدما بطلبهما للالتحاق بالجريدة. الأول هو الصديق مصطفى العراقي، الذي تعرفت عليه خلال الحملة الانتخابية الجماعية في الحي المحمدي، والثاني هو الصديق الراشدي عبد المقصود، الذي تعرفت عليه في نفس الظروف أيضا. ختمت ترددي بسرعة لصالح العراقي، وكان لهذا الترجيح تأثير في حسم الاختيار. وبذلك التحق مصطفى العراقي بالجريدة (محررا في قسم الأخبار) ليصبح أول عضو في «عصابة عبد الكريم الأمراني» كما كان يسميها الراحل المهدي الودغيري، والتي ستعزز في السنة الموالية بالتحاق حسن نجمي بالجريدة. ولظروف التحاق نجمي بالجريدة قصة تستحق أن تروى. - كنت سأسألك عن الموضوع، لأن الرأي العام يعرف قصة «صراعك» معه على صفحات الجرائد. تعرفت على حسن نجمي عندما كان في قسم الباكلوريا، وكان قد جاء في زيارة لمقر الجريدة في زنقة الأمير عبد القادر أثناء اشتغالي في أسبوعية «الديمقراطية العمالية» فتعرفت عليه، وبسرعة قياسية ربطتنا صداقة، عبرت عن نفسها بتواصل شبه دائم، تمثل في زيارات شبه دائمة لبيتي صحبة خطيبته آنذاك وشريكة عمره حاليا عائشة البصري. كان يطلعني على كتاباته الشعرية والنثرية. وكان أول نص شعري نشر له يحمل عنوان «ذلك النفط المغريكاني الذي لا ريب فيه» وكان الناشر هذا العبد الضعيف، الذي توسم في الشاب القادم من ابن احمد ملامح كاتب موهوب متطلع للمعرفة. يسأل عن كل شيء له علاقة بالسياسة وبالثقافة وبالإبداع. جمعتنا صداقة حقيقية وكان كلما عاد من الجامعة- في الرباط- يُعرج على بيتي في حي أرسلان بالدارالبيضاء، هو ورفيقة عمره. كنت أحبهما كأخوين شقيقين يشهد الله أنني لم أحب أحدا –عدا زوجتي وأولادي- أكثر منهما. بحثه لنيل الإجازة كُتب في منزلي. لم نكن نفترق تقريبا. كنا نتقاسم الخبز والملح والأفكار والرؤى وكل شيء تقريبا. تعرفت على أسرته الصغيرة في ابن أحمد وزرت والدته وقابلت والده الشيخ العجوز الطيب وتعرفت على أسرة زوجته. كنا باختصار أكثر من صديقين وأقرب إلى الشقيقين. وعندما نال شهادة الإجازة فاتحتني عائشة البصري في موضوع اشتغاله في الجريدة، وعندما سألتها عن الدراسات العليا والدكتوراه التي كان يحلم بها، قالت إنه يرغب في العمل الصحفي، أما الدراسات العليا فيمكنه متابعتها كطالب حر. اتصلت على الفور بمحمد البريني وعرضت عليه فكرة تعزيز الجريدة بكفاءة حقيقية، اسمها حسن نجمي ، فسألني: هل تضمنه؟ قلت: إنني أضمنه أكثر من نفسي.