سيطرت أجواء النزاع المغربي الجزائري على مناخ مباراة في كرة القدم برسم تصفيات الألعاب الأولمبية، التي أقيمت بموسكو سنة 1980، احتضنها الملعب الشرفي بالدارالبيضاء، وبالتحديد في شهر دجنبر من سنة 1979 أثناء ذروة أزمة الصحراء المغربية. انهزم المنتخب المغربي بخمسة أهداف مقابل هدف واحد، وتبين أن أقدام وأذهان اللاعبين المغاربة كانت مثقلة بالضغط الذي سيطر على المباراة، وقد ظلت الإذاعة الوطنية تقدم منذ صباح يوم المباراة أناشيد وطنية حماسية، بل إن المدرب كليزو المشرف على تدريب المنتخب المغربي ظل على ارتباط مباشر بالقصر، حيث قرر الملك الراحل الحسن الثاني وضع التشكيلة وأدق تفاصيل المباراة التي انفلتت من يد الطاقم التقني. كان الصراع على أشده مع الجزائر حول الصحراء المغربية، إضافة إلى قوة الفريق الجزائري، لكن لم يكن المنتخب المغربي لينهزم بتلك الحصة المستفزة لو لم يكن التأثير السيكولوجي قويا على اللاعبين. رغم أن المدرب كليزو تحدث مع اللاعبين - بتوصية من الحسن الثاني رحمه الله- حاثا إياهم على لعب مباراة عادية وعدم الاكتراث بما هو سياسي، إلا فإن بعض الوزراء وشخصيات أخرى دخلت على الخط مع اللاعبين وأعطت اللقاء طابعا آخر وشحنتهم بأمور أثرت على نفسيتهم وكأنهم في حرب وليس مباراة في كرة القدم. يروي النجم الجزائري لخضر بلومي ل«المساء» تفاصيل تلك المباراة، ويؤكد أن الضغط كان أقوى على المغاربة، الذين اعتبروا الفوز في مباراة لكرة القدم نصرا سياسيا، «أقمنا في فندق بمدينة المحمدية غير بعيد عن مقر إقامة المنتخب المغربي، ومنذ وصولنا إلى الدارالبيضاء كان المدرب محيي الدين خالف ينصحنا بالتركيز على المباراة وليس على ما نراه من خلف نوافذ الحافلة أو في الفندق«. بعد مرور عشر دقائق تلقى المنتخب المغربي هدفا ضد مجرى التوقعات وقعه اللاعب بنساولة، الذي رفع حالة التوتر في المدرجات مرة ثانية وسجل هدفه الثاني. حاول اللاعبون المغاربة تدارك الأمر في الشوط الثاني، لكنهم لم يتلقوا تعليمات في ما بين شوطي المباراة، لأن المدرب الفرنسي كليزو كان منشغلا بمكالمة هاتفية مطولة ومشبعة بعتاب الملك الحسن الثاني الذي كان يتابع المباراة على شاشة التلفزيون. قلص المنتخب المغربي الفرق من ضربة جزاء نفذها ليمان، لكن رد فعل الجزائريين كان قويا، إذ سجلوا ثلاثة أهداف حولت المدرجات، التي كانت ممتلئة عن آخرها بالجماهير المغربية القادمة من كل المدن والمداشر، إلى قوة شجب لأداء الفريق الوطني وسندا للجزائريين، وتخلص المشجعون من لافتات كتب عليها «الصحراء مغربية» ولم يتغنوا بمقاطع أغنية «لعيون عيني»، كما كان الحال قبل المواجهة. ويتابع بلومي ترتيب الوقائع قائلا: «تحول الجمهور المغربي إلى مشجع لنا، وغادرنا الملعب تحت حراسة أمنية جد مشددة، رغم أن الجمهور كان يهتف باسمنا، لكن الغريب هو أن جحافل المناصرين ظلت تسير خلف الحافلة من الدارالبيضاء إلى المحمدية، حتى اعتقدنا أن الحافلة تنقل عناصر مغربية وليس بعثة جزائرية». تدخل ملك البلاد وأعلن عن حل جامعة كرة القدم التي كان يرأسها الكولونيل بلمجدوب، وتشكلت لجنة مؤقتة عهد إليها بالإشراف على مباراة الإياب بالجزائر التي دارت في أجواء ممطرة وبتشكيلة تختلف كثيرا عن التركيبة التي خاضت مباراة الدارالبيضاء. مباشرة بعد نزول بعثة المنتخب المغربي بمطار الرباط، طلب من أفرادها التوجه إلى مراكش لملاقاة الملك الراحل. تملك الخوف بعض العناصر الوطنية التي اعتقدت أنها ستؤدي ضريبة الخسارتين، ولكن كليزو، الذي كان في اتصال مع المرحوم الحسن الثاني، طمأنهم. وخلال الاجتماع طالب الحسن الثاني بإعداد اللاعبين الذين خاضوا مباراة الإياب لما تبقى من استحقاقات، وقال إن المنتخب من أولوياته، وقبل أن يغادر المسؤولون بوابة القصر أخبرهم باسم المدرب الجديد، الذي لم يكن سوى الفرنسي فونتين. وكان على المغرب أن ينتظر إلى غاية 2004 ليرد على هزيمة الجزارئيين ويكبدهم خسارة قاسية في ملعب الطيب المهيري بصفاقس برسم نهائيات كأس إفريقيا للأمم.