قبل حلول شهر رمضان بأيام معدودات، حل في هولندا أكثر من أربعين إماما وواعظا قدموا إليها من المغرب. المُرحِّبون يقولون إن هذه المبادرة تهدف إلى «مكافحة التطرف»، بينما يرى المعارضون أنها «تعرقل الاندماج» في المجتمع الهولندي. كنت بلا شك سأنضم لأحد هذين الرأيين لو لم أحتك بالمساجد عن قرب. الناطق الرسمي باسم مكتب الاتصال بين المسلمين والحكومة الهولندية، ياسين الفرقاني، أضاف مهمة أخرى لبرنامج هؤلاء الأئمة حينما تحدث عن «الإسلام الصحي» الذي حملوه معهم من المغرب، وكأن الإسلام الذي مارسه المغاربة قبلهم إسلام ملوث. أما بعض رواد الصحافة الاجتماعية فيرون أن هؤلاء يجسدون الذراع الدينية الطويلة للمغرب في الخارج، وكأن السلطات المغربية كانت تنتظر هذه الظاهرة التي تحدث مرة واحدة في السنة كي تمد ذراعها إلى ما وراء الحدود. أعتقد أن هذين الرأيين المتضادين لا يعبران عن «حقيقة» المهمة التي جاء هؤلاء لتحقيقها، هذا إذا سلمنا جدلا أنهم فعلا في مهمة. مسجد المدينة التي أقطن فيها حصل على واعظين اثنين، وقد تكفلت جمعية الأئمة المغاربة في هولندا بإجراءات استقدامهم (تأشيرات، رخص العمل...) بالتنسيق مع وزارة الأوقاف. وهناك جهات أخرى قامت بنفس الخطوات لدى السلطات المغربية والهولندية، مثل اتحاد المساجد المغربية. ومنذ أن شرع هذان المبعوثان في إنجاز «مهمتهما» في مسجدنا، لم نسمعهما يعلنان حربا على التطرّف، مثلما روجت له وسائل الإعلام، ولم يدفعا أحدا إلى رفض الاندماج. أحدهما، وهو شاب في مقتبل العمر، يساعد الإمام أثناء صلاة التراويح، كما يقوم بترتيل آيات من القرآن الكريم قبيل الصلاة، لعذوبة صوته وموهبته التجويدية الرائعة. أما الآخر، وهو طالب في كلية الشريعة في سلك الدكتوراه، فمواعظه التي يلقيها على رواد المسجد في أوقات متفرقة من اليوم، ما هي إلا نصائح عامة تقتضيها ظروف شهر الصيام من إرشادات ومعاملات وما إلى ذلك من قيم روحية يستحضرها المسلم خلال هذا الشهر الفضيل. أعرف الوجه الآخر من «مهمة» المبعوثين المغاربة إلى هولندا، بحكم أنني أترأس لجنة تسيير المسجد الوحيد في مدينتي، وما دعانا إلى استضافة المقرئ والواعظ هي الضرورة التي يفرضها شهر رمضان، إذ يرتفع عدد رواد المسجد وتتنوع البرامج الدينية، والتي لا يمكن للإمام القيام بها وحده، لاسيما صلاة التراويح التي تتطلب مجهودا جبارا. وحتى نكون موضوعيين، فلا يمكن استبعاد أن يكون في نية السلطات المغربية استخدام بعض الأئمة والوعاظ لتحقيق أهداف خاصة بها، كما يمكن كذلك تفهم تخوفات المعارضين لهذه المبادرة، لأن له ما يبرره استنادا على تجارب حدثت في الماضي، ولا يمكن استبعاد حدوثها في المستقبل. وهنا يأتي دور اللجن المسيرة للمساجد لتكون يقظة وتضع أمامها تصورا واضحا وشفافا، ليس أمام مرتادي المساجد فحسب، بل وبالأخص أمام المجتمع الهولندي، الذي أصبح ينظر بعين الارتياب لكل ما يمت بصلة للمساجد وللمسلمين بصفة عامة. يسود اعتقاد لدى صناع القرار في هولندا، وفي غيرها من البلدان الغربية التي تعاني من «هجرة» القتاليين من أراضيها نحو الشام والعراق، أن معركة محاربة التطرف القتالي ينبغي أن تخاض في المساجد. ويذهب البعض أبعد من ذلك بالزعم أن «التجربة» المغربية في مكافحة الجماعات الإسلامية القتالية والفكر الجهادي، يمكن تصديرها إلى الخارج. وحتى لو افترضنا أن «التجربة» المغربية حققت فعلا مكاسب في الحد من التطرف القتالي، فهذا لا يعود لأئمة معتدلين أو وعاظ مناهضين للتطرف، ولكن يعود بالدرجة الأساس إلى القبضة الأمنية الشديدة التي أدت إلى تفكيك شبكات وصفتها وزارة الداخلية بكونها إرهابية، لكنها مع ذلك لم تحل دون تقاطر الجهاديين المغاربة نحو جبهات الصراع في الشرق الأوسط. لو كان التطرف يحارب في شهر واحد لاختفى المتطرفون من على كوكب الأرض. لو عرقل الوعاظ الاندماج لما وصل المغاربة الهولنديون إلى ما وصلوا إليه في المجتمع الهولندي من مشاركة متميزة في مختلف المجالات.