خلال الشهر المنصرم، شاركت في أشغال «البينالي» بالشارقة التي دعت فنانين ومثقفين من القارات الخمس إلى التخيل والتأمل في موضوع «الماضي، الحاضر، الممكن» في ظل أوضاع جهوية ودولية مضطربة، وكانت تجربة ناجحة من حيث الإمكانيات المتاحة للفنانين لإنتاج أعمالهم في فضاءات شتى في المدينة تسمح للقاطنين بها بأن يتفاعلوا مع العروض الفنية. ونجاح «البينالي» العالمي منذ نسخته الأولى سنة 1993 ليس مرتبطا فقط بالإمكانيات المالية للإمارات العربية المتحدة، وإنما يفسر بالسياسة الثقافية الطموحة لإمارة الشارقة ورغبتها في الاستثمار الثقافي، حيث ترى -مثلا- أن جزءا مهما من برنامج «البينالي» يخصص لمشاريع تربوية وأوراش تعليمية للكبار والأطفال، أو أخرى لتكوين ودعم الفنانين الناشئين، تشرف عليها مدرسة مؤسسة الشارقة للفنون. ويبدو أن التظاهرات الفنية التي يشرف عليها النظام المغربي لا تعكس في شيء مقومات النجاح في المجال الثقافي، حيث إن المهرجانات -مثل مهرجان موازين- لا تساهم في تثقيف المجتمع ولا في تنوير وتكوين المواطنين، وبالخصوص الشباب منهم، ولا في الاستثمار في البنيات الثقافية التحتية، من معاهد موسيقية ومسارح ومكتبات وفضاءات للإبداع الفني والثقافي، بل تُصرف عليها أموال طائلة يدفعها المواطن المغربي بدون مراقبة المنتخبين ولا المجلس الأعلى للحسابات لأنها قرارات ملكية غير خاضعة للمساءلة والمراقبة والمحاسبة. وإذا طرحنا على المغاربة السؤال التالي: «هل كان مهرجان موازين لحظة ثقافية نافعة؟» فسوف يجيبون بالنفي، لأن «موازين» غير متزن بتاتا وهو لحظة استهلاك فقط، ليست له أي آثار إيجابية على تطوير القدرات الثقافية والفنية للمواطنين. وتجربة «بينالي» الشارقة تبين أن البلدان العربية يمكن أن تطور سياسات ثقافية ليست معرضة بالضرورة للفشل، بل تحافظ على الذاكرة الجماعية وتعالج القضايا المعاصرة بحرية وتستثمر في المستقبل. ولا يعقل أن تكون الاختيارات الثقافية خاضعة لأهواء الحاكم وميولاته الشخصية، وبالخصوص في بلدان -مثل المغرب- ترتكب فيها جرائم في حق الثقافة وفي حق الأجيال الصاعدة منذ أيام الاستعمار، وتصرف فيها أموال الدولة في الاستهلاك الفوري لعروضٍ أغلبيتُها تافهة. وفي نهاية المطاف، يجب على السياسة الثقافية أن تكون فرصة لتطوير الحس الفني والجمالي للأفراد لا الاكتفاء باستيراد ما يتم تسويقه في الغرب من منتجات بدون روح. واليوم، يحتاج المغرب إلى رؤية ثقافية تدعم الإبداع الفني والفكري وتشجع التبادل الثقافي على أساس الأخذ والعطاء وتطرح سؤال مساهمة الثقافة في التنمية والديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان، لأن الثقافة تعبير عن الخيال الفردي والجماعي للشعوب يجب تغذيته ومواكبته وتوفير الظروف الملائمة له من أجل تحفيز الإبداع والتطور وتسمح له بالتفاعل مع إنتاجات ثقافية أخرى على أساس الاحترام المتبادل.