يعتقد الجميع أنه ليس هناك أخطر من شبكات الاتجار الوطني والدولي في المخدرات و»مافيا» مختبرات الأدوية -إذا جازت التسمية-، رغم معرفتهم في الوقت نفسه أن هناك شبكات للاتجار في الآثار وتهريبها نحو الخارج، لكن لا أحد يتخيل ولو، للحظة واحدة، أن رقم معاملات هذه الشبكات قد يتجاوز في العملية الواحدة 300 مليون. مافيا الآثار منظمة جدا وتشتغل بشكل علمي دقيق وتتوفر على خبراء أكفاء وعلى أركيولوجيين (نقصد البعض منهم) مستعدين دائما لتقديم السند العلمي مقابل الحصول على عمولات مغرية، ناهيك على أنها لا تترك أي شيء «مدين للصدفة». قبل سنوات حذرت الشرطة الدولية-الأنتربول- المغرب من أنه يشكل وجهة محببة للباحثين عن الآثار والحفريات الثمينة، وقالت إن المغرب يصنف من بين البلدان التي تعيش نزيفا حقيقيا، ولذلك ليس من الغريب أن يلتف العنق على شبكات تهريب الآثار، وجعلها في لحظات كثيرة تبحث عن وسطاء من أجل تسويق سلعتها. كل شيء قابل للبيع عند مافيا تهريب الآثار: التماثيل الصغيرة، القباب القديمة، بيدها أن تعشق «كثيرا» تلك الهياكل العظمية التي تعود إلى ملايين السنين. تعشق هياكل الديناصورات وتبحث عنها في كل مكان، لأنها تعرف مسبقا أن ثمنها في السوق يتجاوز مئات الملايين، أما إذا كانت تلك الهياكل تعود إلى الحقبة الحجرية وعليها طلب في السوق الدولية التي محورها الخليج وفرنسا، فقد تصل قيمتها إلى ما يتجاوز مليار سنتيم. صحيح أن الدولة شددت الخناق على هذه الشبكات، وصحيح أيضا أن المؤسسات الرسمية بدأت تهتم بالتنقيب عن بصمات الديناصور في التاريخ المغربي، لكن صحيح أيضا أن هذه الشبكات ما تزال تحتكر جزءا كبيرا من هذا المجال، وبيان ذلك أنها استطاعت على امتداد عقود أن تحقق رقم عمولات لا يمكن أن يخطر على بال أحد. في هذا الملف، تتعقب «المساء» شبكات مغربية للمتاجرة في هياكل الديناصورات، وتتمكن لأول مرة من معرفة الأثمنة الحقيقية المتداولة في السوق ووجهات التسويق والتصدير. في الملف وقائع وحوارات مع شبكات مغربية تشتغل خارج القانون، وتتشاطر باطن الأرض مع الدولة ولا يسألها أحد.
شبكات منظمة تهرب هياكل الديناصورات وتتاجر في تاريخ المغرب أركيولوجيون ورجال أعمال متورطون في تجارة بالملايير قبل سنتين من الآن، حل 3 أشخاص يحملون وثيقة محفوظة بعناية بالغة في قرص مدمج، قالوا إن ثمن البضاعة التي جاؤوا لتسويقها تتجاوز 300 مليون سنتيما. نظر «ر»، أركيولوجي خبير في التحقق من الآثار النفيسة، في الصورة، وأنصت جيدا لكل الكلام المتقطع والخافت الذي يشرح بالتفصيل الممل ما يحمله هذا القرص بالتحديد. قالوا له فيما يشبه المفاجأة: هذا ديناصور مغربي أصيل يبلغ 7 أمتار عثر عليه في أزيلال، وهناك من تكفل بترميمه وإعداده للتسويق. «صاغة الذهب» المتخفون وراء تجارة الذهب يعرفون جيدا من يتاجر في هذه الهياكل ويعرفون الأصيل منها والمزور، وغالبا ما يحظون بعمولات كبيرة في العملية المعقدة للبيع والشراء، وهم أنفسهم من جاؤوا بالمتاجرين في هياكل الديناصورات إلى «ر» فقد سبق لهم أن تعاملوا معه في بعض الأمور المرتبطة بالتأكد من قيمة بعض القطع النقدية خاصة الرومانية منها. يقول الأركيولوجي إن طريقة تلفيف وترميم هذه الهياكل تظهر بجلاء أن من أشرف عليها ليس شخصا عاديا، ليست لديه دراية بمجال «حياة العلوم والأرض» أو لا يتوفر على خبرة وإن كانت غير دقيقة بالاعتناء باللقى الأثرية والتأريخ لها. ما معنى ذلك؟ معناه أن الذين وجدوا الهيكل العظمي لأحد أعرق ديناصورات المغرب أو الذين نقبوا عنه أو أوكلوا لأحد آخر أن ينقب عنه لا يشتغلون لوحدهم، بل لديهم شبكة أيضا من المتخصصين يدفعون لهم أموالا طائلة مقابل التحقق من القيمة الأثرية ثم إعدادها للتسويق العالمي. معنى ذلك أيضا أن الذين نقبوا عرفوا بدقة معطيين علميين: إما أن مؤسسات رسمية أو أركيولوجيين معتمدين قاموا بحفريات في ذلك المكان ووجدوا بعض الهياكل، وإما أنهم توصلوا إلى ذلك عبر استبارات أركيولوجية عبر الاستعانة بعلماء الحياة والأرض وعلماء الآثار. الديناصورات وصاغة الذهب والمافيا وأشياء أخرى قال «ر» بما يلزم من الاختصار إنه يريد أن يعرف مكان وجود هيكل الديناصور وهوية من وجده وتاريخ العثور عليه. لم يظفر بجواب واحد صريح، كما يحكي ل«المساء» سوى أن قيمة هذا الديناصور في السوق العالمية تبلغ 300 مليون، وقد قصدوه للبحث عن «مشتر» بصيغة أخرى سيأخذ عمولة «الوسيط» التي لن تنزل عن 10 ملايين. «ر» لم يكن يلتفت كثيرا إلى ما سيسميه في آخر «اعترافاته» للجريدة بأعضاء مافيا وطنية ذات امتداد دولي، وكل ما كان يفعله هو التأكد من المعطيات الواردة في الوثيقة والصور التي عرضوها أمامه. وجد أن المعلومات التاريخية وبعض الشواهد الموجودة في الصورة تتطابق تماما مع الحقب الأركيولوجية للمغرب، وتحترم بعض التفاصيل التاريخية، وليس ثمة خطأ واحد يتعلق بالتحقيب أو بتسمية أعضاء هيكل الديناصور. بقي الآن أن يرفض أو أن يوافق «ر» على العرض المقدم له. أوهمهم أنه يفكر جديا فيما اقترح عليه، لكنه في تلك اللحظة كان يفكر في كيفية مرور هذا الديناصور النادر من كل هذه المراحل دون أن يواجه مشكلا واحدا أو يوقفهم أحد. كل ما في باطن الأرض للدولة، لكن أين كان يرقد هذا الديناصور؟ لا أعتقد أن هؤلاء وجدوه في السماء أو مطروحا في الطريق. طلب «ر» مهلة للتفكير في الأمر، مع العلم أنه كان حاسما في الموضوع منذ البداية: ما من أركيولوجي يحب هذه المهنة ويدافع عنها يستطيع أن يساعد في تخريب آثار لديها قيمة تاريخية وحضارية. الغريب في كل الحكاية أن أفراد «المافيا» لم يسمحوا ل«ر» أن يأخذ أي شيء من الصور أو القرص المدمج، سمحوا له فقط أن يلقي نظرة على هيكل الديناصور. مضت سنتان على تلك الحادثة ومازال «ر» يتذكر كيف أن أعضاء الشبكة ظلوا يتصلون به طوال أسبوع كامل بغاية البحث عن «مشتر» لسلعتهم الغالية، لكنه تجاهل كل تلك الاتصالات. مضت سنتان، وعرف الأركيولوجي أن ذلك لم يكن الديناصور الوحيد الذي وصل إلى فرنسا وإلى دول خليجية كثيرة. سأتحدث معك صراحة ودون أي مبالغة» ما خرج من المغرب من هياكل الديناصورات يساوي عشرات الملايير من السنتيمات، ولاشك أن للأجانب دور كبير في تخريب «التاريخ» المغربي، لكنه من المستحيل جدا أن نصدق أنهم فعلوا ذلك لوحدهم». في خريبكة، لا شيء يوحي أن هذا البيت الذي تحيط به الأشجار من كل جانب يحتوي على أثمن القطع الأثرية في المغرب وعلى هياكل ديناصورات قديمة. منزل عادي جدا، لكنه يشبه متحفا كبيرا، يقول صاحبه إنه استطاع أن يجمع هذه اللقى الأثرية خلال مدة عشر سنوات مضت. يضيف بيقين راسخ أنه جمع كل ما أراه أمامي بعرق جبينه ودفع مقابل ذلك عشرات الملايين من السنتيمات لكنه في الوقت نفسه استطاع أن يربح من هذه التجارة. دون مقدمات كثيرة يقول لي: لدي 3 هياكل ديناصورات-، ولن تجدها هنا بعد أسبوع، الأول يبلغ طوله 4.60 متر، وجد في منطقة لا تبعد كثيرا من هنا، والثاني أطول منه ب 57 سنتمترا والثالث هو أقصرهم طولا. «إذا أردت أن تشتري أيا من هذه الهياكل يجب أن تتوفر على مبالغ مالية كبيرة وقد أخبرني(…) أنك تتوفر على المبالغ المالية الكافية لشراء أحدها». ما يهمني في هذه اللحظة هو أني وجدت شيئا ما بعينه قادني إلى إنجاز هذا التحقيق. «طبعا سأشتري منك الهيكل الأطول، بيد أن شرطي الوحيد يكمن في أن تحدد ثمنا مناسبا، أنا أيضا أريد أن أربح نسبة «فهاد البيعة وشرية». كان مركزا جدا فيما أقوله، واستحث كل حواسه وهو ينصت لكلامي: من يشتري منك؟ أولا خمنت أنه سيطرح هذا السؤال لسبب بسيط يتمثل في أن الأصدقاء الذين دلوني على الخيوط الأولى للموضوع أخبروني قبل حتى أن أبدأ أن الذين يشتغلون في هذا «الدومين» يهمهم جدا أن يدركوا البائعين والمشترين، بالنظر إلى أنه سوق صغير بقي حكرا لفترة طويلة على فئة قليلة محورها خريبكة- الرباط- فاس. أخبرته أني سأسوق الهيكل خارج المغرب إذ هناك اتصالات من صديق بالإمارات على صلة وثيقة بأحد الأمراء يريد هيكلا بمواصفات عالية. لم أضف أي شيء آخر. تصنع هدوءا غريبا وقال لي اختر ما شئت ثم نتفاهم عن الثمن الأخير. بدا لي أن الهيكل البالغ من الطول 4.60 متر أكثر متانة وأكثر جمالا من الهياكل الأخرى التي تفككت بعض أجزائها. استقر الاتفاق على أن أدفع ما قيمته 130 مليونا غير قابلة للتفاوض، وللتأكد من القيمة الحقيقية للهيكل المعروض دعاني أعضاء الشبكة إلى زيارة موقع إلكتروني يعرض مختلف أنواع الديناصورات التي وجدت بالمغرب. نعم 120 مليونا بالتمام والكمال، وآلة التسجيل تؤكد الرقم بوضوح. مافيا لا تعترف سوى بالملايير تؤكد المعطيات التي حصلت عليها الجريدة أن السلطات الأمنية المغربية شددت خناقها على مافيا تهريب الآثار بعد ورود معلومات كثيرة عن وجود شبكات دولية تنشط بدول الخليج وبفرنسا على وجه التحديد. وبالاتكاء على المعطيات نفسها، فالسلطات الأمنية المغربية تعرف أن هناك مافيا تشتغل في مجال تهريب ليس فقط هياكل الديناصورات بل حتى بعض المستحاثات القديمة. تستحضر مختلف الأجهزة الأمنية كل التعليمات الصارمة الصادرة من مؤسسات دولية لوقف نزيف التهريب الذي وصل أقصاه في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي. بقدر ما أثبت علماء الآثار المغاربة ومعهم بعض الأجانب أن المغرب يشكل «جنة للأركيولوجيين» بعدما استطاعوا أن يجدوا بقايا ديناصورات يعود تاريخها إلى ما يقارب180 مليون سنة، بقدر ما التف الحبل على عنق الباحثين عن هياكل الديناصورات، فباطن الأرض الذي كان حكرا عليهم أصبح محل تنازع مع مؤسسات رسمية ووطنية ودولية. بالنسبة لليونيسكو، ليس هناك مجال للتساهل أو الإيمان بالصدفة، حيث تحث كل الدول المنخرطة فيها على محاربة مافيا تهريب الآثار بالتنسيق بين القيمين على الحقل الثقافي والسلطات الأمنية والقضائية. على كل حال، تتحرك هذه الشبكات المدعومة بخبرات علمية كثيرة في مجال واسع يصعب جدا التحكم فيه بالمقارنة مع الإمكانيات الصغيرة التي تتوفر عليها وزارة الثقافة. ولئن كانت السلطات الأمنية بدأت تتفطن للحيل التي يوظفها مهربو الآثار، فإن عدم «وضوح الناس القانوني» أو بصيغة أخرى عدم وجود قانون واضح يحدد المخالفات المتعلقة بتهريب اللقى الأثرية يفسح المجال أمام شبكات جد منظمة لخرق القانون بالقانون نفسه. حسب معلومات دقيقة فإن عملية التنقيب عن الديناصورات ليست عملية بسيطة كما قد يعتقد البعض، لأنها تستوجب التوفر على خبراء وعلى علماء ذوي كفاءات عالية حتى لا تتفتت الهياكل وتصبح غير قابلة للتسويق ولا للبيع. ومن هنا لا تستبعد كل المصادر التي تحدثت معها «المساء» أن يكون علماء آثار أيضا متورطين في هذه العملية. مرحبا بك ..هيكل ديناصور ب 115 مليون أحدد لقاء مع شخص ثم ألتقي بشخص آخر غير الذي تحدثت معه في الهاتف، ويسلمني إلى شخص آخر ليقودني إلى منزل قال إنه يحتوي على 4 نماذج من الهياكل الأثرية الموغلة في القدم، وبعدها لا يمكنك أن تجد في السوق أحسن من العرض الذي سنقدمه لك، يشرح لي بوثوقية صارمة. أتأكد مرة أخرى أن آلة التسجيل تلتقط كل شيء، وأسأل: «وبرافو عليكوم أصحبي 4 مرة واحدة». يجيب من أسميه في هذا التحقيق بإسماعيل بأنه نتاج عمل استمر أربع سنوات، ولحسن الحظ أن هياكل الديناصورات نزلت قيمتها في السوق بحوالي 25 في المائة، وما ستدفعه من أموال مقابل الحصول على هيكل واحد ليس في الواقع القيمة المالية الحقيقية. وعلاش؟ أسأل. قبل عقود لم يكن هناك الكثير من المنقبين عن هذه الآثار الثمينة ولم تكن هناك أيضا مؤسسات رسمية تسهر على البحث عن هياكل الديناصورات، بل حتى الدولة وأجهزتها لم تكن تأبه لما يحدث في بواطن الأرض من حفريات خاصة في الأماكن البعيدة عن أعين الناس والمتلصصين، أما اليوم فقد اختلفت الأمور كثيرا: فالسلطات تراقب كل شيء والمنقبون باتوا كثر والمؤسسات أيضا باتت تشتغل في الموضوع، مع تشديد المراقبة على الحدود بعد أن تم ضبط الكثير من اللقى الأثرية وهي في طريقها إلى خارج المغرب في فترات متقطعة من العقد الأخير. غير هذه المعلومات، لم يفصح إسماعيل عن أي معلومة أخرى يمكن أن تقود إلى خيط جديد من خيوط «شبكة» كبيرة تشتغل بوسائل متطورة. أمامي الآن في هذه البلدة الهادئة 4 هياكل من الديناصورات مغلفة ومعدة للبيع ولا يسمح لأي أحد مهما كان بتصويرها ولا لمسها. يكتفي شخص بشرح تاريخ العثور على الهيكل وثمنه الأصلي وطريقة تلفيقه وبعض الأجزاء التي خضعت للترميم نتيجة بعض «الندوب» المترتبة عن عملية الحفر. يقول عن الهيكل الأول إن عمره 165 مليون سنة، وجد في قرية بعيدة عن مدينة أكادير حوالي 70 كلمترا في سنة 2010 من طرف باحث يشتغل معهم منذ 5 سنوات «له دراية كبيرة وفنان حقيقي» ولن نقبل بأي ثمن ينزل عن 115 مليونا شريطة أن تضع الأموال أولا ثم تتسلم البضاعة. الهيكل الثاني ليس أكثر متانة من الأول، ويبدو أنه فقد الكثير من أجزائه، ولم يتبق منه سوى بعض الأجزاء الصغيرة على مستوى الأسنان والأرجل وقريب جدا من عمر الثاني بفارق طفيف لا يتجاوز 7 سنوات حسب الشارح نفسه، عثر عليه في جبال الأطلس دون أن يحدد المكان رغم إلحاحي على معرفة المكان الذي عثر عليه فيه بثمن يتعدى 43 مليونا. الهيكل الثالث الموجود بزاوية أخرى من البيت الذي خلته صغيرا من أول وهلة، فهو عبارة عن طقم أسنان كبيرة لا يتعدى ثمنها 20 مليونا، فيما الهيكل الرابع عبارة عن أقدام الديناصور تبلغ قيمتها المادية 38 مليونا. رغم أني كنت مركزا جدا في الوصول إلى أكبر قدر من المعطيات، إلا أني كنت أكتم وقتئذ ابتسامة مجلجلة، فكرت في الوقت الذي يحتاجه صحافي ليجمع هذا المبلغ، قد تدركه الموت وهو لم يجمع ربع الربع من هذا المبلغ. أخبرت «الوسيط» الذي قادني إلى هذا المكان أني بحاجة إلى بعض الوقت للتفكير في العرض المقدم لي إلى حدود الآن. في حدود الساعة السابعة مساء وصلت إلى خريبكة مرة أخرى لألتقي بصديق قديم يشتغل عاملا بأحد المناجم، أقنعته بصعوبة بالغة أن يتحدث للجريدة دون أن يظهر أثر لاسمه. ملخص القصة أن الصديق كان حاضرا في عمليات كثيرة لاستخراج الفوسفاط من باطن الأرض وفي مواقع متفرقة. كان العمال، حسب ما يحكيه، يجدون في كل مرة بعض الهياكل العظمية للديناصورات، وغالبا ما تصاب هذه الهياكل بكسور وتشوهات لأن عملية الحفر تتم بطريقة عشوائية. يتذكر «التقني» أن شخصا بعينه كان يتردد على المناجم مدعيا أنه يشتغل في مجال البيولوجيا، ولديه اهتمام بعظام الحيوانات، مقدما وعودا بالحصول على مبالغ مالية مهمة في حال توصل بهياكل لم تتعرض للتخريب. أعتقد أنه استمر من سنة 1999 إلى سنة 2007 أو 2008 يقوم بالعملية نفسها ثم اختفى فجأة، بيد أنه حمل عشرات الهياكل. أكثر من ذلك حمل هياكل كبيرة سلمها إياه العمال مقابل الحصول على عمولات تفوق في بعض الأحيان مليون سنتيم. يواصل التقني سرد تفاصيل العثور على هياكل الديناصورات في الكثير من المواقع التي اشتغل فيها» للحقيقة صدقنا في البداية أنه يعمل حقا باحثا في علوم الأرض أو أنه عالم آثار، لذلك كسب احترام وود عمال المناجم وصاروا مع توالي الأيام يحرصون على أن لا تنكسر الهياكل، وكانوا يفعلون ذلك بشكل متخف. «أنا بنفسي كنت أعتقد لسنوات طويلة أن الأمر بسيط للغاية قبل أن أكتشف على سبيل الصدفة أن الذي أوهمنا أنه عالم بيولوجيا ليس سوى عضو في شبكة كبيرة تبيع وتشتري في هياكل الحيوانات القديمة واستغل عدم معرفة العاملين في المناجم ليقضي مآربه. التقني لاحظ طوال هذه السنوات أن «عالم البيولوجيا» كان يعرف كل شيء عن أماكن التنقيب، الشيء الذي يوحي أنه كان هناك من يمده بمعلومات دقيقة جدا عن طبيعة عملنا، وكان في الكثير من المرات يصرف النظر عن بعض الأماكن، وكلما اقتربنا من منطقة صخرية يأتي ليذيع وصيته بين العمال ويختفي من جديد». يفسر باحث في علوم الآثار تركيز «صيادي» هياكل الديناصورات القديمة على المناطق الصخرية لأن الحفريات التي يقوم بها متخصصون تستهدف مناطق امتزجت فيها الطبقات الجيولوجية أو خضعت لعمليات جرف عنيفة بالمياه وهي مناطق غالبا ما تحتوي على هذه الهياكل. المناجم كنز حقيقي للباحثين عن هياكل الديناصورات في المغرب، إنها أقصر طريقة للوصول إليها بعيدا عن أعين السلطات وبعيدا عن أعين المتلصصين أيضا، شريطة أن يكون هناك تعاون يشبه التواطؤ بين العمال وبين شبكات تشتغل بطريقة منظمة. يؤكد «التقني» أن صيغة هذا التعاون في الوقت الحالي تكاد تكون مستحيلة، خاصة وأن مهندسين أكفاء هم من يشرفون على عملية الحفر والتنقيب والاستخراج، وهناك تعليمات صارمة ينبغي الالتزام بها فيما يخص إيجاد المنحوتات الأثرية أو أي شيء يشبهها. تختار الشبكات المشتغلة في ميدان تهريب الديناصورات المناجم لشيء واحد لأنها تغنيها عن الخسائر المترتبة عن عمليات الحفر والبحث عن متخصصين وأركيولوجيين وعلماء الأرض، وما يصاحب ذلك من تكاليف مضاعفة قد تصل إلى 20 مليون سنتيم، أما المناجم فلا تكلف سوى مليون سنتيم في غالب الأحيان.
ديناصور مغربي بمليار سنتيم الدراسات أثبتت أن المغرب يتوفر على ديناصورات نادرة ماذا تريد؟ ماذا تختار؟ ما الذي تحبه في الحقب التاريخية المغربية؟ هنا كل شيء قابل للبيع، قطعة ثمينة تؤرخ لحقبة كاملة، عظام وأسنان ديناصورات تحمل بصمة مغربية ومرفوقة بكل ما تود أن تعرفه عنها: ثمنها في السوق، مكان العثور عليها، معلومات تقنية دقيقة. تاريخ المغرب بكل فصوله في المزاد العلني على الإنترنت ولا يتحرك أحد. تكفيك فقط نقرة واحدة على حاسوب عادي لتجد قطعا أثرية نادرة وهياكل ديناصورات لا يدري أحد كيف وصلت إلى محلات باريس، ولا يدري أحد أيضا كيف أخرجت من المغرب ومن سمح بإخراجها. بهذه السهولة، نعم بهذه السهولة. على مواقع إلكترونية مثلdinostore.com أو geofossiles يمكن أن تجد جميع أنواع القطع الأثرية مثل البيض والأسنان والعظام من كل فصائل الديناصورات التي عبرت بالمغرب. على صفحة dinostore، نلفي قائمة تحتوي على جميع أنواع «السلع» الممكن اقتناؤها: أسنان، مخالب، عظام، بيض، آثار أقدام وجميع أنواع الديناصورات. تدخل بسهولة بالغة، تختار القطعة التي أعجبتك ثم تضغط على الصورة مع كم هائل من المعلومات حول القطعة. في أحد هذه المواقع المشهورة، نجد على سبيل المثال أن سن هذا الديناصور المغربي يتميز بكونه ما يزال في حالة جيدة، ويعود تاريخه إلى العصر الطباشيري، بالإضافة إلى أن هذا السن هو جزء من الديناصورات المعروفة بآكلة اللحوم spinosaurus aegyptiacus يمكنك أن تشتري هذه المعروضات بكل سهولة أيضا، إذ يكفي فقط أن تدخل رمز بطاقتك البنكية وتزيد بعض الرسوم المتعلقة بالإيصال بالبساطة نفسها التي يمكن أن تشتري بها مسحوق تجميل أو زربية تركية أو أي بضاعة أخرى، شريطة أن تملأ استمارة تحمل اسمك وعنوانك وبعض المعطيات الشخصية. على هذه المواقع تضيع بين عشرات الهياكل العظمية، وفي كل مرة تتملكك الحيرة وتطرح السؤال: كيف لهذه القطع الثمينة أن تعبر الحدود المغربية. بالنسبة لعلماء الآثار، فإن فترة السبعينيات والثمانينيات ووصولا إلى أواخر التسعينيات عرفت نزيفا حقيقيا، إذ استطاعت عشرات الشبكات الأجنبية بالخصوص أن تستولي على كم هائل من الهياكل العظمية ومستحاثات الحيوانات قديمة، وكان من السهل جدا أن تعبر هذه القطع عبر المطارات والموانئ. لم تكن السلطات المغربية، حسب علماء الأركيولوجيا، تعرف بعد أن مثل هذه الهياكل يمكن أن تدر الملايير على أصحابها. كيف لا، وموقع geofossiles يعرض نماذج لديناصورات مغربية بأثمنة خيالية تصل إلى مليار سنتيم كما هو الشأن مع هيكل ديناصور من فصيلة spinosaurus aegypticusيصل ثمنه الحقيقي إلى 900.000 يورو. في الموقع تجد كل شيء عن أصله ومعلومات كثيرة، كما هو مبين في الصورة. يقول الموقع إن هيكل الديناصور مصدره المغرب، وهو من أغلى الهياكل الموجودة على الموقع، بل إن الموقع يشير إلى أن المحل الذي يسوق هذه المنتجات بباريس. يؤكد الأركيولوجيون أن مبلغ 900 مليون يعد مبلغا عاديا مقارنة مع طبيعة الديناصور وتحقيبه التاريخي، وقد أثبتت الدراسات أن المغرب يتوفر على ديناصورات نادرة، مع العلم أن الاستبارات ما تزال في بداياتها ولم تكشف بعد عن كل شيء، فالباحثون يتوقعون أن تكون منطقة جبال الأطلس غنية جدا بالهياكل العظمية لديناصورات نادرة. ما يخشاه علماء الآثار في الفترة الحالية هو أن تضع تلك»الشبكات» يدها على مجموعة من المواقع وتشرع في البحث في أقرب فرصة. حسب بيانات الأنتربول، فإن المغرب يعد وجهة مفضلة للباحثين عن الاتجار غير المشروع في الحفريات، ويشكل وجهة أيضا لعمل غير مشروع تقوم به شبكات دولية تهرب حفريات ولقى أثرية نفيسة. وصنفت الأنتربول المغرب مثل الأرجنتين ومنغوليا، من البلدان الأكثر تهريبا للحفريات، حيث يتم بيعها لدول أخرى من قبيل اليابان، سويسرا، ألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية. سبق لمنظمات دولية كثيرة أن حذرت المغرب من نشاط كثيف تقوم بها شبكات دولية، كما سبق للأنتربول أيضا أن أدرجت المغرب في تقارير تصنفه وجهة مفضلة للباحثين عن الآثار والحفريات في السوق السوداء. المختصون يقولون إن نشاطات هذه الشبكات تراجعت كثيرا خلال الخمس سنوات الماضية، غير أنها لم تختف تماما»حيث توصلنا بمعطيات موثوقة تفيد أن هذه الشبكات أصبحت تعيش ما يمكن تسميته بأزمة التسويق والبيع، والذين قالوا لك إن الثمن نزل بحوالي 25 في المائة، لم يخبروك بالحقيقة كاملة، لأن الثمن نزل بحوالي خمسين في المائة في السوق الوطنية». المختصون يقولون أيضا إن الأركيولوجيين وحدهم من يتوفرون على بعض المعلومات فيما يرتبط بهذه السوق»وقد أخبرنا البعض منهم أن أعضاء من شبكات مختلفة ترددوا على أصدقاء لنا طالبين منهم يد المساعدة لإيجاد مشتر، لقد تكرر ذلك كثيرا في الآونة الأخيرة، نعتقد أن السلطات الأمنية نجحت إن لم يكن في إيقاف هذا النشاط بشكل نهائي لكن حدت منه بشكل كبير. من جانب آخر، يؤكد المختصون أنه إن تراجعت السوق الفرنسية على وجه الخصوص ومعها السوق الأمريكية، فإن هناك سوقا كبيرة محورها بلدان الخليج العربي في مقدمتها قطر والسعودية والإمارات، تتهافت بشكل كبير على شراء هياكل الديناصورات، وقد لوحظ أن السوق عرفت بعض الانتعاش في السنة الأخيرة بعدما كثر الإقبال عليها.
أركيولوجيون: هناك عشرات المنقبين يشتغلون خارج القانون من الصعب جدا أن تقنع الأركيولوجيين بالحديث عن مجال حساس يتعلق بتهريب الآثار والحفريات الثمينة لأسباب كثيرة، منها أنهم لا يتوفرون على أدلة دامغة تنتمي إلى المستوى الأول من الاستدلال، ثم إن علماء الآثار يشكلون دائما الحلقة الأضعف في كل السلسلة المتعلقة بالتنقيب عن الآثار رغم أن دورهم يبقى حيويا، ولولاهم لظلت الكثير من ألغاز تاريخ المغرب محاطة بالكثير من الغموض، زد على ذلك أن التعاقد الذي يجمعهم مع المؤسسة الثقاقية بالمغرب يقوم على حماية المعلومات الحساسة، ثم إنهم يعلمون أن شبكات تهريب الآثار تصل إلى درجة المافيا، لأن رقم معاملاتها يتجاوز بكثير ما قد يعتقده الناس العاديون. يؤكد الأركيولوجيون أن التنقيب عن هياكل الديناصورات بالمغرب، قد يكتسي صبغة المجال الخصب، لكن السلطات الاستعمارية انتبهت إلى الأمر منذ زمن، ولا أحد يتوفر على معلومات دقيقة يمكن أن تسعف في تحديد ما إذا كانت السلطات الاستعمارية «هربت» هياكل ديناصورات إلى خارج المغرب. يبقى الأمر واردا في نظر الأركيولوجيين، بل وتزداد قوة الفرضية بحجم القطع المعروضة بمتاحف فرنسية كثيرة. ازداد الاهتمام بهذا المجال في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث استطاع بعض الأركيولوجيين مع باحثين في علوم الحياة والأرض أن يضعوا أيديهم على هياكل تكاد تكون مكتملة، وقد مضت بعد ذلك أكثر من عشر سنوات تشكل ما يمكن تسميته بالفراغ الأركيولوجي فيما يتعلق بالبحث عن هذه الهياكل. الاهتمام نفسه سيرتقي إلى مرتبة البحث الأكاديمي بتوصية من جامعات دولية رجحت فرضيات قوية بوجود أنواع نادرة من الديناصورات. على هذا الأساس، يؤكد علماء الآثار أن الدراسات والاستبارات والحفريات أثبتت فعلا أن المغرب شكل في حقبة بعينها «فضاء» عاشت فيه ديناصورات كثيرة مع احتمال مناطق شاسعة تحوي عشرات الهياكل. لا يتوانى الأركيولوجيون عن الاعتراف بأن هناك العشرات من الذين يحفرون وينقبون خارج القانون، وغالبا ما يعثرون على بعض الهياكل، ويمكن الحديث في هذا الصدد عن نوعين من المنقبين: الأول يشتغل بطريقة هاوية، ولا يمتلك معرفة بطريقة الحفر، ولا يستطيع أن يحدد بشكل أكثر دقة المجالات التي عاشت فيها الديناصورات، الشيء الذي قد يفسر كثرة القطع المعروضة للبيع في بعض المحلات- الأسنان والأرجل-، ويسود الاعتقاد أن مثل هذه الحفريات تسير نحو الانقراض بالنظر إلى هزالة القيمة المالية لها في السوق. الثاني يشتغل بطريقة احترافية جدا، ويرصد ميزانيات ضخمة ويشغل علماء آثار «إذا اقتضت الضرورة ذلك، وفوق ذلك، يستعين بخبرات وبمتخصصين لتحديد القيمة التاريخية لهياكل الديناصورات. هذه هي- يقول علماء الآثار- أخطر شبكة قد تخرب رصيدا غنيا من الهياكل التي ما تزال تحت الأرض، وقد يحرم المغرب من وضع قطع ثمينة ونادرة في المتحف الوطني لعلوم الحياة والأرض الذي من المزمع إنشاؤه. يقترح الأركيولوجيون تقوية الإطار القانوني وتحديد جرائم تهريب الآثار والتنصيص على العقوبات بشأن أنواع السرقات. إن توقيف عمل تلك الشبكات ينطوي على الكثير من الصعوبة، لكن إيجاد وعاء قانوني قد يحد كثيرا من هذا النشاط، بالإضافة إلى أن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تشجع الحفريات، والحفريات بحاجة إلى ميزانيات كبيرة وإلى مجهود واع أيضا.