ترجع الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أسباب تراجع المغرب على سلم مؤشر إدراك الرشوة ب 44 رتبة هذه السنة، إلى انتشار الفساد والرشوة وغياب النزاهة والشفافية في عدد من القطاعات، ومنها بالخصوص نظام الصفقات العمومية سواء المحلية منها أو الوطنية، الذي يخضع تنظيمها لمرسوم رقم 2/06/388، الذي يتضمن ثغرات تجعل تمرير الصفقات العمومية مشوبا بعدد من الخروقات المتجلية في استغلال نفوذ السلطة والعلاقات الشخصية للاستفادة من هذه الصفقات. وبحسب دراسة للنظام الوطني للنزاهة الذي قدمته «ترانسبارنسي المغرب»، فإن 13 ألفا من الصفقات العمومية، التي تهم الاقتصاد الوطني يتم تفويتها سنويا، وهو ما يشكل ما بين 15 إلى 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، ليجعل هذا الرقم من الدولة أول فاعل اقتصادي، بحيث تخصص 60 بالمائة من النفقات العمومية منقسمة ما بين 30 بالمائة تتعلق بالأشغال و10 بالمائة من النفقات تتوزع على خدمات مختلفة. إلا أن غياب عنصر الشفافية وطغيان الرشوة في الصفقات العمومية على المستويين الوطني والمحلي بالمغرب، لا يرجع فقط إلى المرسوم الذي هو بمثابة القانون المنظم لسوق الصفقات العمومية، ولكنه يعود أيضا إلى نظام المحاسبة العمومية، الذي ينظمه المرسوم الملكي الصادر في 21 أبريل سنة 1967، كما يرى ذلك مسؤول مركز الدراسات الاستراتيجية والحكامة، محمد حركات، في تصريحه ل«المساء»، معلقا على تقرير النظام الوطني للنزاهة، ليزيد موضحا أن الميزانيات العمومية سواء منها الميزانية الوطنية للحكومة أو تلك التي تُعدها المجالس المحلية لتدبير الشأن المحلي، تعتبر ميزانيات استهلاك وأن نفقات الاستثمار يتم ترحيلها إلى السنوات الموالية، وفي ظل وجود العديد من الإكراهات خاصة على المستوى المحاسبي، حيث إن القانون المنظم له يعود إلى القرن التاسع عشر، فإن المجال يصبح مشرعا على عدم ترشيد النفقات وكذا تدبير عمليات الصفقات العمومية. وبحسب دراسة النظام الوطني للنزاهة التي قدمتها «ترانسبارنسي المغرب» مؤخرا، فإن غياب الشفافية في مجال تدبير الصفقات العمومية مرده إلى عوامل قانونية وأخرى موضوعية، وتوضح الدراسة بأن الإطار القانوني المنظم حاليا لنظام الصفقات لا يرقى إلى قانون بقدر ما هو مجرد مرسوم، وهو مرسوم رقم 2/06/388 الصادر في 5 فبراير سنة 2007 والمنشور بالجريدة الرسمية في أبريل من هذه السنة. ورغم الأهمية الاستراتيجية للصفقات العمومية، فإن مرسوم سنة 2007 هو الذي يطبق عليها، كما أنه هو القانون أيضا الذي ينظم الصفقات العمومية على مستوى الجماعات المحلية، وإن كان غير ملزم لعدد من المؤسسات والمقاولات العمومية في ظل غياب وجود قانون موحد ينظم عمليات الصفقات العمومية. ورغم أن هناك مراقبة قبلية وأخرى بعدية من طرف البرلمان، فإن ليس هناك مراقبة في عين المكان، يقول حركات، في مجال تدبير النفقات والصفقات العمومية وهو ما يفقد البرلمان أو على الأقل يقلل من سلطة مراقبة طريقة تدبير هذه الصفقات والأموال العمومية، إضافة إلى أن ضعف تكوين المسؤولين والموظفين وغياب الوضوح في بعض القوانين المنظمة لسوق الصفقات العمومية، ومن ذلك المرسوم رقم 2/06/388، يجعل عمليات تمرير الصفقات العمومية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، تشوبها الزبونية والمحسوبية وطغيان العلاقة الشخصية، حيث يستفيد منها المقربون والموالون لهذا المسؤول أو لهذه الجهة المعينة مقابل، بطبيعة الحال، علاوات أو امتيازات، مما يكرس انتشار ظاهرة الرشوة، يقول الباحث الجامعي قبل أن يخلص إلى أن الشفافية تتطلب من المؤسسات والمقاولات العمومية، بمختلف مستوياتها، أن تصدر تقارير سنوية تبرز فيها، كل مؤسسة على حدة، حصيلة ومجموع الصفقات التي قامت بتمريرها خلال تلك السنة والكيفية التي تم الظفر بها بالصفقة من لدن الفاعلين الذين قدموا ترشيحاتهم من أجل ذلك، حتى يتسنى لمكونات المجتمع المدني وللرأي العام الاطلاع على طرق تدبير المال العام، وهو ما يسهل آنذاك محاسبة المخلين بالقانون. وبرأي الدراسة، التي قدمها النظام الوطني للنزاهة، فإنه رغم كون القواعد القانونية المنظمة لتسيير الصفقات العمومية تحدد بشكل واضح أعضاء لجان الصفقات العمومية، كما هو الأمر بالنسبة للفصل 34 مثلا من المرسوم 2/06/388، فإنه لا يتم احترام تلك المقتضيات القانونية، لتحل محل ذلك العلاقات الشخصية التي تمكن، في كثير من الحالات، أشخاصا بعينهم من الظفر بالصفقة العمومية، مشيرة إلى أن تدبير سوق الصفقات العمومية إليكترونيا يبقى اختيارا غير ملزم وبالتالي، فإنه يظل غير عملي ولا يؤخذ به على مستوى الصفقات العمومية ببلادنا، بالإضافة إلى ذلك، تضيف الدراسة، فإن أبرز أصحاب المشاريع والصفقات المعقودة مع الدولة كانوا مسؤولين سابقين في الدولة، واستفادوا من عمليات الخوصصة وهو ما مكنهم من التمتع بسلطة اتخاذ القرار. ورغم أن القانون الجنائي يعاقب على مخالفة القوانين في تدبير الموارد المالية العمومية، ومن ذلك نظام الصفقات العمومية، فإن تفعيل هذه القوانين ذات الصلة، تورد الدراسة، في الحالات المخلة بالقانون، تبقى غير ذات أهمية كبرى، وهو ما أكدته السنوات الأخيرة عندما أثيرت عدة قضايا كملف “السياش” وملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذا القرض الفلاحي بالإضافة إلى ملفات عدد من المجالس المحلية، حيث لم تؤد تلك المتابعات القضائية إلا إلى نتائج ضعيفة، وهو ما أرجعته الدراسة إلى ضعف استقلالية القضاء المغربي، هذا إن تمت المتابعة القضائية، بينما في عدة حالات لا يتم وضع الملفات، التي يثبت بها فساد، بين يدي القضاء كما هو الشأن مثلا بالنسبة للحالات المثارة مؤخرا من طرف تقرير المجلس الأعلى للحسابات والتي تهم عمدة الرباط سابقا، يضيف المصدر ذاته الذي خلص إلى أن نظام المراقبة الداخلية جد ضعيف على مستوى الإدارات العمومية، وهو الضعف الذي مرده بالأساس إلى غياب قواعد قانونية في التدبير ومراقبة مختلف هياكل الإدارة، بالإضافة إلى محدودية مراقبة المؤسسة البرلمانية للصفقات العمومية، حيث توجد لوبيات تبقى خاضعة للجهاز التنفيذي، في الوقت الذي لا يحدد فيه القانون أية آليات للمراقبة المدنية على الصفقات العمومية.