مع اقتراب شهر رمضان، يعود الحديث عن وفرة المواد الاستهلاكية الأساسية، وحرص الحكومة على ضمان تزويد الأسواق بما يحتاجه المستهلكون، مثلما تنبعث لجان المراقبة من مكاتبها وتقوم بجولات في مختلف أسواق المملكة لضبط المخالفين وتحرير المخالفات. وككل سنة تبرز حقيقة الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار كثير من المواد التي تستهلك أكثر في هذا الشهر، رغم تطمينات الحكومة عبر اللجنة الوزارية المكلفة بالأسعار وتزويد الأسواق، وهي الوضعية التي يستفيد منها الوسطاء والمضاربون ما يشكل عبئا إضافيا على كاهل المواطنين البسطاء. قبل أسبوع أكد محمد الوفا، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أن الحكومة اتخذت جميع التدابير الرامية إلى توفر مختلف المواد الاستهلاكية بالأسواق خلال شهر رمضان، مشددا على هامش اجتماع للجنة الوزارية المكلفة بالأسعار وتزويد الأسواق، أن الحكومة ستكون حريصة على مقاومة المضاربات ومقاومة السيادة اللامشروعة على الأسواق خلال هذا الشهر». الوفا، الذي استعمل خطابا سعى من خلال إلى طمأنة المواطنين، أشار إلى أن الإدارة ستكون حازمة بشأن أي إخلال قد تشهده الأسواق، وستعمل على ضمان جودة المواد وسلامتها الصحية على غرار باقي فترات السنة. ليشدد على أن الاستهلاك خلال شهر رمضان سيمر في ظروف حسنة بفضل التحول الذي عرفه الاقتصاد المغربي والتطور المضطرد الذي تشهده الفلاحة ووفرة الخضر والفواكه بالأسواق، وسياسة تخزين المواد الفلاحية في ظل موسم فلاحي جيد على مستوى الحبوب والقطاني والحليب الذي يشهد قطاعه إنتاجا جيدا بمختلف مناطق المملكة. خطاب مكرور.. ما قاله الوزير الوفا بخصوص حرص الإدارات المعنية على مراقبة الأسواق خلال شهر رمضان، نظرا لتزايد الطلب على المواد الاستهلاكية في هذه الفترة من السنة. وحديثه أيضا عن أن هذه المراقبة تشمل مستويات الأسعار والجودة وضمان تزويد الأسواق بمختلف مناطق البلاد بالمواد الاستهلاكية، فضلا عن اتخاذ عقوبات زجرية قاسية ضد التجاوزات المحتملة من قبيل إغلاق المحال التجارية والإحالة على القضاء. هو في نظر كثير من المتتبعين مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي لأن واقع الأشياء يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن شهر رمضان يعرف زيادات كبيرة في عدد من المواد الأساسية، وأن المصالح الإدارية المعنية بالمراقبة تظل عاجزة عن التدخل بحكم أن القانون يمنعها من ذلك ويحد من مجال تدخلها أصلا. يقول بوعزة خراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، إن «أسطوانة الحكومة تقادمت، وصارت مشروخة، وحديثها كل سنة عن وفرة المواد وحرصها على مراقبة الأسواق هو حديث مكرور، لأن الأمر لا يجب أن يقتصر فقط على شهر رمضان، بل من المفروض أن تتم المراقبة على مدار شهور السنة، ويجب أن يستعيد المواطن ثقته في آليات الدولة ومؤسساتها، وكثير من المواطنين يجهلون أدوار هذه اللجان، خاصة أن الخطاب الذي تروج له الحكومة والجهات المسؤولة هو خطاب تنويمي، سرعان ما يزول مفعوله، والغاية منه فقط تطمين المستهلك الذي يصطدم بواقع السوق وغلاء المواد الاستهلاكية حين يلج إلى السوق». من جهته يرى محمد بنقدور، رئيس فيدرالية جمعيات المستهلكين أن «الحكومة منذ صدور قانون المنافسة لم يعد لها أي دور في تحديد الأثمان أو التحكم فيها، حتى وإن توفرت المواد الاستهلاكية وارتأى أحد التجار أن يحدد سعرا مرتفعا فلا أحد يمنعه، لأن المشرع أعطاه هذا الحق، وهذه مسألة أساسية، يقول، يجب الحسم فيها حتى لا تستمر الدولة في إنتاج مثل هذه الخطابات، لأن دورها ينحصر فقط في الحرص على إشهار الأسعار، وبالتالي لا يمكنها أن تتكلم عن ارتفاع أو انخفاض الأثمان. وبالمقابل على الحكومة أن تحرص على منع الاحتكار أو أن تمنع اتفاق المزودين على سعر واحد وهو مخالف للقانون كما حصل بالنسبة لمادة الحليب قبل سنة والكل تتبع الخلاف الذي شهدته الحكومة بين وزير الفلاحة ووزير الشؤون العامة والحكامة». زيادات ثابتة.. ارتفاع أثمان بعض المواد الاستهلاكية التي يقبل عليها المغاربة في شهر الصيام، خاصة الفواكه والخضر والسمك، قد يجد له البعض تفسيرات تبرره، منها أساسا الضغط الذي تشهده الأسواق خلال الأيام الأولى لرمضان، كما قد يجد له تبريرا في ما قاله الوزير الوفا خلال الاجتماع نفسه، من أن أثمان بعض المواد تتغير بسبب تكاليف النقل والتخزين، وضرب بذلك مثل معدل سعر الكيلوغرام من السردين في سوق الجملة هو 6 دراهم، لكنه يرتفع في الأسواق. يقول خراطي في تعقيبه على هذه المسألة، «المشكل معقد لأن السوق المغربي لديه تركيبة خاصة، إذ رغم أن السنة هي سنة جيدة استفادت من انتظام التساقطات ما أدى إلى وفرة في المنتجات الفلاحية، إلا أن هذا تقابله اختلالات كبيرة على مستوى التسويق، وهو مجال يتميز بالفوضى في ما يخص توزيع المواد الاستهلاكية وهناك احتكار مع تسجيل غياب لنظام واضح وشفاف لمسار مختلف المنتوجات الغذائية وغير الغذائية، ولا يعقل أن نتوفر على منصة وحيدة هي التي تتحكم في توزيع المواد وفيها يتم تحديد الأسعار رغم وجود منصة في مدينة أكادير للفواكه إلا أن 90 في المائة المواد يتم تسعيرها في الدارالبيضاء قبل أن توزع على الأسواق». «هذه الوضعية تفترض، حسب خراطي، توفير منصات تجارية في كل جهات المملكة، ومنها ينطلق توزيع المواد الاستهلاكية، ويتم تحديد الأسعار، مع التأكيد على أن تحديد الأسعار يتم بشكل حر ولا تتدخل فيه الدولة. ليضيف، «الزيادة تحدث بالفعل ويمكن تفسيرها بالزيادات المتتالية التي تعرفها أسعار المحروقات لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب يصل ثمن الغازوال إلى 10 دراهم للتر، وهذا سينعكس سلبا على مصاريف التوزيع، وهي مشكلة يمكن تجاوزها من خلال استغلال خطوط السكك الحديدية في نقل البضائع وتوزيعها على الجهات التي تصلها خدمات القطارات، وهذا من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الشاحنات والتقليل من الأعباء التي تمثلها المحروقات على الموزعين، والتي تمثل جزءا كبيرا من تركيبة الأسعار التي يتحمل المواطن ضغطها في المحصلة. من يستفيد من الفوضى؟ الإطلاع على المعطيات الخاصة بأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، خاصة في شهر رمضان، تعطينا فكرة واضحة عن تسجيل زيادات معتبرة في كثير منها، ولعل ارتباط الزيادة في الأسعار في كل رمضان يفترض البحث عن الأسباب. ونجد الكثير من التفسيرات التي تتقاطع في ما بينها، لكنها تتفق كلها حول مسؤولية الوسطاء والمضاربين، وهو ما نبه إليه أيضا وزير الحكامة والشؤون العامة حين شدد على أن الحكومة ستكون حريصة على «مقاومة المضاربات ومقاومة السيادة اللامشروعة على الأسواق» خلال هذا الشهر، مشيرا إلى أن «الإدارة المغربية ستكون حازمة بشأن أي إخلال قد تشهده الأسواق»، وهو ما يعني ضمنيا اعترافا بسلطة هؤلاء وتسيدهم على الأسواق. يشير بوعزة خراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، في هذه النقطة إلى أن «مسؤولية كبيرة يتحملها السماسرة والمضاربون الذين يمارسون الاحتكار، وهؤلاء يستفيدون من الفوضى التي تعرفها الأسواق، وأسواق الجملة التي يمتلك فيها الوكلاء سلطات كبيرة، رغم أن دورهم لم يعد ذا جدوى، وتحولوا إلى وسطاء يتسببون في رفع أسعار المواد الفلاحية». الفكرة ذاتها يدعمها محمد بنقدور، رئيس فيدرالية جمعيات المستهلكين، إذ يؤكد على أن الملف طرح غير ما مرة وقلنا «إن على الحكومة أن تتدخل بشكل صارم للقضاء على الوسطاء والمضاربين، وهؤلاء يساهمون بشكل مباشر في ارتفاع أثمان الخضر والفواكه بشكل خاص بأزيد من النصف، وعلى الدولة أن تقنن أسواق الجملة، سواء للخضر أو الاسماك أو اللحوم، وأن تضع حدا لسيطرة هؤلاء، ولا شيء يمنع من العمل بتجارب دول مثل فرنسا التي تمنع على أي كان أن يلج هذه الاسواق باستثناء الفلاحين والمشترين الذين يبيعون بالتقسيط، ودور الدولة أن تضع مساطر صارمة في هذا الباب وهذا بالتأكيد سينعكس على الأثمان التي ستنخفض بواقع النصف في جميع المواد الفلاحية. وهذا هو رهان الدولة اليوم ومجال تدخلها لضمان عدم تضرر المستهلكين». بنقدور، يضيف، «منذ أزيد من 5 سنوات ونحن نطرح مسألة ضرورة منع الوسطاء والمضاربين، ولكن في غياب قانون منظم فلا شيء سيتغير في الواقع، ولهذا على الحكومة أن تمارس دورها التشريعي من خلال إصدار قانون ينظم من يلج إلى أسواق الجملة، ويفرض تقديم فواتير لكل العمليات التجارية التي تتم داخلها، وهذا من شأنه أن يضمن مداخيل مهمة للدولة، وهو ما لا يتم حاليا لأن الوسطاء والمضاربين لا يؤدون شيئا للدولة». فعالية اللجان؟ من أجل تنفيذ استراتيجيتها الحكومية في تموين الأسواق وأسعار المواد الأساسية وعمليات المراقبة خلال شهر رمضان، قال الوزير محمد الوفا إن اللجنة الوزارية المشتركة ستنعقد مرتين في الأسبوع بهدف الوقوف على وضعية السوق، مضيفا أن مراقبة الأسواق تتواصل على قدم وساق وستتكثف كالعادة خلال شهر رمضان المقبل، نظرا لتزايد الطلب على المواد الاستهلاكية في هذه الفترة من السنة. وفي هذا الصد يرى بنقدور أنه من الضروري أن نحدد أي نوع من المراقبة نقصد، لأن الحديث عن مراقبة الأثمان لم يعد موجودا ونكتفي الآن بمراقبة إشهار الأثمان، وأساسا لا يمكن منع أي بائع أن يبيع بالسعر الذي يرغب فيه، ويكفيه أن يشهر السعر أمام الزبناء». رئيس فدرالية جمعيات حماية المستهلك يضيف: «في رأيي أن الدولة تضيع وقتها فقط في هذه الحملات لأن لا فائدة منها، والعملية الأساسية التي يجب القيام بها على مدار أشهر السنة هي ضبط الرخص المسلمة للتجار والباعة، وهنا سيكون من اللازم تسليم رخص بالعدد الذي يمكننا مراقبته، فلا معنى مثلا أن تعطى رخص بالمئات لباعة الحلويات والشباكية في رمضان ونحن نعجز عن مراقبتهم بسبب الخصاص في الموظفين، ولهذا سيكون من اللازم قرن الترخيص بمسألة احترام المعايير الصحية وهذا سينهي الفوضى التي تحدث في رمضان، حيث يمكن أن تجد محلا مخصصا في الأصل لحرف مثل الميكانيك أو طلاء السيارات تتحول إلى محلات لبيع المأكولات، وهذا يعرض صحة المستهلكين لخطر حقيقي، وهنا تبرز مسؤولية الجماعات المحلية التي تسلم الرخص، وللأسف يتم استغلال مثل هذه الرخص في حملات انتخابية». الفكرة ذاتها يشاطرها خراطي، يقول في هذا الإطار «لا يمكن بأي حال من الأحوال تغيير الأوضاع في مدة زمنية محدودة، مثل شهر رمضان، ولهذا فالمراقبة يفترض أن تتم على مدار السنة، والخطاب الذي تروجه الحكومة هو أشبه بالضحك على الذقون، لأن الحديث عن تكثيف حملات المراقبة هو اعتراف ضمني أن اللجان لا تقوم بدورها في باقي شهور السنة، وحتى موضوع المراقبة فيه نقاش لأن زيارات اللجان المختصة تهم فقط المحلات المرخصة، ما يعني أن آلاف التجار العشوائيين والباعة المتجولين هم في منأى عن أي مراقبة، ونحن نعلم أن أكثر من 60 في المائة من المواد الاستهلاكية التي يقبل عليها المغاربة تباع على الأرصفة وفي الأزقة مع ما يعني هذا من أخطار تهدد صحتهم وسلامتهم». ويختم بنقدور بالتساؤل حول من لديه سلطة تنفيذ العقوبات في حال ضبط مخالفات لدى بعض الباعة؟ «الأمر موكول، يقول، لرئيس الجماعة وفي الغالب لا يتم تطبيق القانون أيضا بسبب الحسابات الانتخابية. وكلنا يعلم أن اللجان التي تقوم بدورات تبقى أدوارها محدودة».
تهافت المواطنين وتغير عادات الاستهلاك سبب آخر لرفع الأثمان يرى محمد بنقدور، رئيس فدرالية جمعيات حماية المستهلك، ضرورة التأكيد على وجود صنفين من المواد الاستهلاكية، أولها الخضر والفواكه وهي تخضع للعرض والطلب وللتقلبات الجوية وهل يتم عرضها في موسمها أم خارجه؟ وهي مواد تبقى رهينة أيضا بالفلاحين الذين يزودون الأسواق. وهناك مواد أخرى منها مثلا الزيت والحليب والسكر، وهي مواد متوفرة ومنذ 3 سنوات تقريبا لم نشهد خصاصا في هذه المواد، ويضيف: «لا يمكن إغفال ما يحدث في الأيام الأولى لرمضان، إذ تشهد الأسواق حركية زائدة من قبل المستهلكين وتعرف بعض المواد زيادة كبيرة في الاستهلاك، وهي مسألة نفسية لدى المستهلكين وقد نسميها ثقافة استهلاكية لدى المغاربة، لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها مع توالي أيام رمضان، فضلا عن أنه لا يجب إغفال تغير العادات الاستهلاكية للمواطنين، ويرتفع استهلاك الأسر بمقدار الثلث رغم أن عدد الوجبات يقل عن المعدل العادي بوجبة على الأقل». بنقدور يشدد على الدور الأساسي الذي يمكن أن تلعبه جمعيات حماية المستهلك بدعم من الدولة وبتأطير من المجالس العلمية والخطباء الذين يمكنهم تخصيص دروس وخطب للتحسيس بأضرار التبذير في هذا الشهر. من جهته يرى خراطي أن المستهلك مسؤول عن الزيادات التي تعرفها الأسعار في بعض المواسم، بسبب ثقافته الاستهلاكية ولجوئه إلى اقتناء حاجياته في وقت واحد وبكميات كبيرة، وكأن لديه انطباعا بحدوث خصاص في بعض المواد، وهذا يفتح الباب أمام البعض لاستغلال الوضعية للرفع من الأثمان، ويدفع بعض الموردين إلى الغش في المنتوجات المعروضة». «المستهلك مسؤول أيضا، يضيف رئيس جمعية حماية وتوجيه المستهلك، على تشجيع القطاع غير المهيكل، ودور الحكومة يتمثل في توعية المستهلكين وتحسيسهم بالأخطار التي يمثلها هذا الصنف من التجار الذين لا يخضعون لأي ضوابط، خاصة في ما يتعلق بالجودة والسلامة الصحية، ودفعهم إلى اقتناء حاجياتهم من المحلات المرخصة، وهذا سيساهم لا محالة في انقراض الباعة المتجولين».