تذكر فصولها بوضعية «السيبة» التي عاشها المغرب قبل دخول الحماية سنة 1912 من حرق للمحاصيل والماشية وردم للآبار، على إثر صراع دموي بين القسمات القبلية على استغلال أراض سلالية مخصصة للرعي والحرث منذ سنة 2004، حينما ترامت كل من قبائل حمرين وأين بيهي وأيت موسى على أراضي قبيلة جريات بدائرة أبي الجعد، قبل أن تتدخل السلطات بقرار لتحديد الاستغلال تحت رقم د.أ 194 بتاريخ 3 مارس سنة 2013، بناء على مذكرة مركزية لوزارة الداخلية، وبالاعتماد على تحديد يعود لسنة 1935، حيث كان النزاع القائم يتعلق بالترامي على أراضي الرعي بالحرث من طرف كل من قبائل أيت بيهي، وأيت موسى وحمرين رغم كونها مشاعة بين القبائل الخمس المكونة للجماعة السلالية الشكران، وقد تبين بمقتضى نفس التحديد أن هناك مساحة كان يعتقد أنها أرض مشاعة للرعي، تعود لقبيلة الجريات ضمن واجبهم المخصص للحرث. بعد قرار التحديد الإداري، الذي اعتقد أنه بمثابة حل جذري للمشكل، قامت قبيلة الجريات بتاريخ 8 نونبر سنة 2013، بعد إخبار قائد المنطقة كتابة، بعملية الإعداد لحرث جماعي للأرض التي تعود إليهم، فقامت قبيلتا أيت موسى وأيت بيهي باعتراض عملية الحرث ومهاجمة أهالي قبيلة الجريات بالرشق بالحجارة، ليصاب منهم عدة أشخاص ويتم تكسير الواقيات الزجاجية. وفي هذا الصدد، يدعي أهالي قبيلة الجريات أن السلطة، ممثلة في قائد المنطقة ورئيس دائرة أبي الجعد، وكذا عامل إقليمخريبكة، أدارت ظهرها للواقعة، رغم تعمد القبائل «المغيرة» إزالة الأنصاب التي تبين مساحة استغلال كل قبيلة، وضعتها اللجنة الإقليمية التي أوفدت إلى المنطقة، وهذا ما تبرزه رسالة من قبيلة الجريات بمثابة طلب قصد الحصول على نسخة من محضر التحديد، بعد اعتداء كل من قبيلتي أيت بيهي وأيت موسى على «تويزة» قبيلة الجريات المشار إليها، وعملهم على إزالة الأنصاب وتكسير الحدود التي وضعتها اللجنة المختلطة لوزارة الداخلية، وهي لوحدها جريمة يعاقب عليها جنائيا. أصل المشكل.. «مرح الغراب» يوضح تصميم التحديد الإداري الذي أنجزه مهندس معماري (تتوفر المساء على نسخة منه)، بأمر من المصالح المختصة بوزارة الداخلية، المساحة المخصصة للحرث من لدن قبيلة الجريات، وكذا ترامي المنطقة المسماة «مرح لغراب» على الشياع، وهي المساحة المخصصة للرعي بين القبائل الخمس المشكلة لسلالية الشكران، إلا أن قبيلة حمرين وعقب الأحداث الدموية في شهر نونبر من سنة 2014، قامت بالاستيلاء والتطاول على مكان «تعزيب» قبيلة الجريات ب»مرح الغراب»، الأرض المشاعة للرعي، مع العلم بأن هناك أعرافا تحدد لكل قبيلة نطاقها الخاص للرعي، حيث عمد أهالي قبيلة حمرين إلى استغلال زرائب قبيلة الجريات ومنعهم من «التعزيب» ب»مرح لغراب»، بل وامتد الأمر للاعتداء عليهم وعلى ماشيتهم بالتسميم والسرقة. تعزز وثيقة جوابية لإدارة المياه والغابات، مؤرخة في 28 ماي سنة 1982، أحقية قبيلة الجريات في استغلال «مرح الغراب» على سبيل الرعي، إذ ورد في الفقرة الأخيرة منها بأن «فرقة الجريات ترعى كعادتها بمكان يسمى مرح الغراب»، لكن بالرغم من ذلك، قامت قبيلة حمرين سنة 2005، ممثلة في أعيانها، بالترامي على «مرح الغراب» وتقسيمها فيما بينهم، قبل أن تخرج لجنة مختصة من مديرية الشؤون القروية بتاريخ 19 دجنبر سنة 2005، ووضعت حدودا فاصلة بين مستغلات القبيلتين، وتم عزل أرض الحرث عن أرض الرعي، بحضور كل من رئيس الدائرة وقائد الدرك الملكي وجميع نواب المشيخات الخمس المشكلة لسلالية شكران، إلا أنه ضدا على منطق السلطات التي تتدخل في كل مرة لرأب الصدع بين القبائل المتناحرة، تأبى قبائل أيت بيهي وأيت موسى وحمرين إلا أن تفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة واستغلال «مرح الغراب» بالرعي والحرث، كما تبرز ذلك شكاية موجهة إلى وزير الداخلية مؤرخة سنة 2006. تمر ثلاث سنوات أخرى، ويأبى الصراع إلا أن يتأجج مرة أخرى سنة 2009، بعد إقدام قبيلة حمرين –مرة أخرى- على التطاول على «مرح الغراب» بحرث مساحات كبيرة منها متاخمة لخيام ومساكن قبيلة الجريات، ليتضرر معه النشاط الرعوي لقبيلة الجريات التي باتت محصورة بين مجالها المتطاول عليه ومجال غابوي تابع لإدارة المياه والغابات، بعد حرق إسطبلاتها وبيادر التبن التي تعود لها بتاريخ 27 أكتوبر سنة 2009. الأعيان يؤججون الصراع.. طالما شكل أعيان القرية بالبادية المغربية أحد الدعامات الأساسية لاستتباب الاستقرار وحفظ التوازنات القبلية، إلا أنه بتتبع خيوط الصراع بسلالية الشكران بأبي الجعد، نجد أنهم فاعلون مباشرون في تأجيج الأوضاع وحدة الصراع، رغم تدخل السلطات في أكثر من مناسبة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، فقبيلة الجريات تتهم في أكثر من مراسلة وشكاية، عددا من الأعيان ومنهم أعوان سلطة، يتحدرون جميعا من قبيلة حمرين، وهم شيخ القبيلة محمد خبوش ومقدمو دواوير المشيخة، إلى جانب مستشارين جماعيين وهما لعسيري الهاشمي وجدوي بوشتى، بإثارة الأوضاع، بإقدامهم من جانب أحادي، على مسح وقياس أراضي الجموع الموجودة على حدود المشيختين، لتشمل عمليات المسح والقياس التي قاموا بها حتى الخيام التي يسكن بها أفراد من قبيلة الجريات. فمنذ سنة 2005، والمستشار الجماعي بجماعة شكران المشار إليه آنفا، وهو الهاشمي لعسيري يعمد إلى مبادرات فردية لتقطيع الأراضي الرعوية وتفويتها-بمقابل نقدي- لأفراد من قبيلة حمرين قصد استغلالها، ضدا على الحقوق الثابتة لقبيلة الجريات ب«مرح الغراب»، وفي هذا الصدد، أدلى أحمد عبيدة، وهو عضو بمشيخة الجريات بأن نفس المستشار المعني، هو من يقوم شخصيا بنقل أفراد قبيلته إلى الأرض المتنازع حولها ويؤلبهم للدفاع والاستماتة عن «أرض جدودهم»، ضاربا بعرض الحائط كل الجهود التي بذلتها السلطات الوصية، وكذا مختلف المقررات الإدارية التي اتخذت لنزع فتيل النزاع الذي عمر لأزيد من عقد من الزمن. «هوما كثار عليكوم وهوما جاو قبل منكم».. بهذه العبارة أجاب النائب البرلماني لحسن حداد عن الدائرة الانتخابية خريبكة النواب السلاليين لقبيلة الجريات الذين قصدوه بمقر وزارة السياحة بالرباط، على أمل تدخله لرأب الصدع بين القبائل المتصارعة، إلا أن جوابه يعكس المنطق الانتخابوي الذي ارتآه النائب البرلماني، علما بأن باقي المكونات القبيلية للصراع وهي حمرين وأيت بيهي وأيت موسى تتوفر على قواعد ديمغرافية مهمة من شأنها دعمه انتخابيا، ليتضح جليا بأن إشكالات الأراضي السلالية ومختلف النزاعات الناشئة عنها تخترقها رهانات انتخابوية عصية نوعا ما عن الفهم، أمام تهديد هذا النوع من الاستغلال الجماعي للأراضي الفلاحية لمجمل التوازنات القبلية، وعرقلة كل المخططات التنموية المجالية. اعتداءات دموية يروي أحد نواب قبيلة الجريات ل«المساء» بكثير من الحسرة، وقائع الاعتداء الدامي لقبيلتي أيت موسى وأيت بيهي على أرضهم ومستغلاتهم. ففي صبيحة يوم 8 نونبر سنة 2014، قامت مجموعة مؤلفة من حوالي 20 شخصا بمنع أحد أفراد قبيلة الجريات من الحرث، ورغم حضور السلطة، ممثلة في رئيس الدائرة عصر نفس اليوم، فإن جماعة المعتدين من القبائل المتحرشة لم تبرح المكان، وانتظرت رحيل رجل السلطة الذي عاين الواقعة، لتشرع في رشق مساكن أفراد قبيلة الجريات بالحجارة، والقيام بفصل المحراث إلى جزأين ورميه في بئرين، ناهيك عن ردم البئر الذي كان مخصصا لسقي ماشية «الجريات» وحرق زريبة للماشية. أسبوع بعد ذلك، ستعاود القبيلتان نفسهما «الإغارة» على ممتلكات وأرض قبيلة الجريات بعد شروع هذه الأخيرة في عملية الحرث، متسببتين في حرق حظيرة للأغنام التي عاينها رجال الدرك بعد استماعهم إلى المتضررين، إلا أن الواقعتين لم تسفرا عن أية حالة اعتقال وترك –على إثرهما- الجناة يتجولون بكل حرية، حتى تفاقمت الأوضاع مجددا يوم الأربعاء 19 نونبر، حين شرعت قبيلة الجريات مجددا في عملية الحرث، لتفاجأ بتجمع سريع لأفراد قبيلتي أيت بيهي وأيت موسى ومنعها من إتمام عملية الحرث، واستغل الحشد الغاضب تلكؤ السلطات في الالتحاق بمكان الواقعة، ليبدأ الهجوم مجددا بالرشق بالحجارة وبشكل متواصل، حتى مقدم رجال الدرك وبعض عناصر القوات المساعدة، الذين عاينوا الواقعة وانسحبوا بدورهم أمام وابل الحجارة التي أمطرتهم بها القبائل «السائبة»، فعمدت هذه الأخيرة إلى حرق وتخريب ثلاثة منازل وثلاث حظائر للماشية وحرق جرار وثلاث دراجات نارية ونفوق حصان وعدد من رؤوس الماشية وجميع المخزون الفلاحي من تبن وبرسيم وأعلاف، كما تبرز الصور التي أدلى بها نائب قبيلة الجريات… نتج عن هذا الهجوم الدموي سرقة عدد من رؤوس من الماشية، وإصابة تسعة أفراد من قبيلة الجريات بجروح متفاوتة الخطورة جراء الرشق بالحجارة بواسطة «المقالع» نقلوا على إثرها إلى المستشفى المحلي بأبي الجعد، ومن تم إلى المستشفى الإقليميبخريبكة كما تطورت حالة أحدهم، مما استلزم نقله على وجه السرعة إلى أحد مستشفيات الدارالبيضاء. شجعت هذه الأحداث المأساوية قبيلة حمرين على الاستيلاء على مكان تعزيب قبيلة الجريات ب»مرح الغراب»، التي لم تتردد في رفع شكاياتها إلى كل من القائد ورئيس الدائرة اللذين قدما وعودا بإخلاء المكان، لكن بالمقابل كان للسيد العامل رأي آخر بتسخيره لحشد من القوات العمومية لمنع مسيرة احتجاجية لقبيلة الجريات كانت في اتجاهها-قبل أسابيع- إلى الرباط يوم الاثنين 2 مارس، ومحاصرتها بجماعة تاشرافت التابعة لأبي الجعد، إلا أن وقع احتجاج القبيلة المتضررة «الجريات» لازال مستمرا إلى اليوم، بالرغم من قيام السلطات بنزع اللافتات المرفوعة وتهديد أهاليها وتجاهل كل حوار معها. مبادرة الصلح التي ولدت ميتة أمام تهديد هذا الصراع القبلي لبنية التوازنات القبلية بالمنطقة، وتأثيره على تنظيم موسم الولي الصالح أبي الجعد كأهم تظاهرة سياحية وثقافية سنوية بالمنطقة، انبرت قبل أربعة أشهر الوحدات القبلية بأبي الجعد المشكلة للدائرة، وهي ثمان قبائل، إلى مبادرة تصالحية لجمع فرقاء الصراع حول طاولة الحوار، خوفا من تطور المشكل خاصة بعد الحوادث الدامية لشهر نونبر سنة 2014، أطلقوا عليها «قافلة الصلح»، وضمت أزيد من عشرين فردا من أعيان قبائل أبي الجعد، إضافة إلى ممثل عن قبيلة البراكسة بواد زم، حيث تبرز تلك المبادرة قدرة الوحدات القبلية على الاندماج بعد الانشطار والصراع، وقامت «قافلة الصلح» هاته بإنجاز لقاء جماعي ضم كل أطراف النزاع بوساطة رئيس الجماعة القروية الرواشد، تكلل باتفاق مضمن بمحضر لوضع حد لنزاع عمر سنين طويلة، مفاده مصاحبة القبائل المتناحرة لنزع فتيل النزاع ومصالحتها وانتداب ثلاثة أعيان عن كل قبيلة معنية بحالة النزاع، لأجل قصد مجلس الوصاية الذي تعود له صلاحية البت في المشاكل الناشئة عن أراضي الجموع. وعن مآل هذه المبادرة، يعلق أحد أعضاء «قافلة الصلح»: «لقد بذلنا جهدا كبيرا في التقريب بين وجهات النظر المتباينة بين القبائل المتصارعة، إلا أننا عند توسلنا لمباركة السلطة للمبادرة، فوجئنا بعدم التزام رئيس الدائرة بمواعيد اللقاءات التي كانت مقررة، وكذا بالرفض القاطع لعامل إقليمخريبكة استقبالنا، وعليه فإننا نحمل السلطات مسؤولية إفشال المبادرة وكل المآلات التي يمكن أن ينزلق إليها الصراع…».