في إحدى الأراضي العارية التي توجد بالقرب من مدار حي المستقبل في منطقة سيدي معروف بالدارالبيضاء فضلت بعض النسوة الجلوس والاستمتاع بأشعة الشمس في هذا الجو الربيعي الذي تعرفه العاصمة الاقتصادية هذه الأيام. جلوس أولئك النسوة في هذه الأرض العارية، التي كساها العشب وبعض الزهور، يعد بالنسبة إليهن بمثابة عزاء لهن عن قلة الفضاءات الآمنة بتلك المنطقة وغيرها في مدينة الدارالبيضاء التي غزاها العمران بشكل مرعب وقاس، لدرجة أن العديد من العائلات تجلب أولادها إلى مثل هذه الأرض لقضاء بعض الوقت والاستمتاع في مدينة لا تضع ضمن أولوياتها المساحات الخضراء وفضاءات الترفيه بصفة عامة. وما يقع لأولئك النسوة هو فقط نموذج لما تعيشه كل يوم العديد من ربات البيوت اللواتي تضيق بهن شققهن ويفضلن تجاذب الحديث في الحدائق والمنتزهات، لكن قلة هذه الفضاءات تدفعهن في مناسبات كثيرة إلى الجلوس في مثل هذه الأراضي التي لا تعرف أي تغطية أمنية. فحتى البرنامج الذي تحدث عنه مخطط عمل الأولويات لا يمكنه أن يسد الخصاص الكبير الذي تعرفه المدينة بخصوص المساحات الخضراء، خاصة في بعض المناطق السكنية التي أحدثت في العقود الثلاثة الأخيرة، ففي قراءة لهذا البرنامج يلاحظ أنه تم التركيز فقط على إعداد وتهيئة المداخل الرئيسية للدار البيضاء وإعادة تأهيل حديقة الجامعة العربية ونصب الأغراس في المحاور الكبرى للمواصلات وتهيئة حديقة حيوانات عين السبع، فهذه المحاور لا يمكنها بأي حال، حسب مصادر متعددة، تغطية حاجيات المدينة بخصوص فضاءات الخضراء، مما سيضطر الكثير من سكان هذه المدينة إلى الارتماء في أحضان المساحات العارية. وإذا كانت بعض الأسر المعوزة ترتمي في أحضان بعض الأراضي العارية في هذا الفصل، فإن هناك عينة من المواطنين وخاصة الذين يتوفرون على وسائل نقل خاصة تشد الرحيل أسبوعيا إلى غابة بوسكورة، التي ما تزال تقاوم وتضخ بعض الأوكسجين في جهة الدارالبيضاء، فأسر كثيرة تلتجئ إلى هذا الفضاء لتزجية الوقت، وهناك تحذير كبير من المس بهذا المجال الذي يعد متنفسا للعديد من السكان في مدينة تتوسع بشكل مريب وتعج بالتناقضات دون استحضار البعد الإيكولوجي. ويؤكد مراقبون للشأن المحلي أنه لا بد أن تكون هناك إرادة حقيقية للاهتمام بالمساحات الخضراء وإحداث فضاءات جديدة في مناطق متعددة، وذلك بهدف إحداث توازن في مدينة تسعى إلى منافسة المدن العالمية، فالمنافسة لن تكون بالضرورة ببناء المراكز التجارية الكبرى وناطحات السحاب، بل بتوفير إطار عيش يحترم كرامة الإنسان ويوفر له ظروف عيش كريمة وفضاءات لتزجية الوقت والاستمتاع بجمال الطبيعة وسحرها.