سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التازي: تراجعت الروح الوطنية داخل حزب الاستقلال واستشرى استعمال المال والتهديد قال إن اختيار بوستة خلفا لعلال الفاسي راجع إلى ارتباط القيادة التاريخية للحزب بالعرش
عبد الحق التازي واحد من أول دفعة مهندسين استقبلهم مغرب ما بعد الاستقلال، ليجد نفسه يُهندس سياسات المغرب إلى جانب الحسن الثاني، بدءا من وضع أول تصميم خماسي للمغرب المستقل، إلى الانغماس في السياسة والوزارة، فكان شاهدا على مغرب ما بعد الاستقلال، بكل الآمال التي عقدها المغاربة عليه، والآلام التي تكبدوها من جراء الاصطدام بين القصر والحركة الوطنية.فوق «كرسي الاعتراف»، يكشف عبد الحق التازي العديد من التفاصيل الصغيرة التي كانت فاعلة في قرارات كبيرة، وظلت طي الكتمان، خصوصا وأنه جمع، بتناغم كبير، بين انتمائه إلى حزب الاستقلال وقربه من الحسن الثاني الذي ظل على اتصال دائم به في عدد من الملفات الدقيقة والحارقة، أيام كان التازي كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية. بتلقائية كبيرة، وبدون لغة خشب، يتحدث التازي عن الحسن الثاني الذي أعلن للاستقلاليين أنه ينتمي إلى حزبهم، وعن «صفقات» حزب الاستقلال مع القصر، مثل تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد العام لطلبة المغرب، وما راج عن قبول الحزب تزوير انتخابات 1977، وكيف هدد أوفقير باغتيال علال الفاسي الذي رفض استقلال موريتانيا عن المغرب، وحقيقة اختيار الحسن الثاني امحمد بوستة خلفا لعلال الفاسي، والعديد من الخبايا التي لا تتوقف عند تجربة التناوب بل تتجاوزها إلى ما يعيشه حزب الاستقلال حاليا وإلى من «صنع» حميد شباط. – عدنا في حلقة أمس إلى الحديث عن وفاة علال الفاسي والانتقال من الزعيم إلى الأمين العام، وقلتَ إنكم بحثتم عن الأقرب بين الرواد إلى فكر وتوجهات علال الفاسي ممن يستطيع أن يحافظ للحزب على نفس النهج الوطني؛ ألم تجدوا إلا امحمد بوستة؟ كان الإجماع، الذي أكده المؤتمر التاسع في شتنبر 1974 وجميع المؤتمرات الموالية في القانون الأساسي للحزب، أن زعيم حزب الاستقلال هو علال الفاسي الذي رحل كإنسان ولكن فكره وريادته ظلت حية فينا. لقد فتحنا مهمة الأمين العام للتشاور الذي ظل، في الواقع، يتراوح بين اسمين من الجيل الثاني لحمل المشعل: بوستة والدويري. أنا لا أدعي حضور المذاكرات التي قيل فيها إن جلالة الملك أوصى بأن يكون بوستة الأمينَ العامَّ، ولكن هذا الأمر راج بقوة. – القرار اتخذ، إذن، من خارج الحزب؟ لا ننسى ارتباط القيادة التاريخية لحزب الاستقلال بالعرش والميثاق الذي ظل يربطهما. هذه الروابط جعلت الأغلبية في صف بوستة. – طبعا، ليس عن طريق الانتخاب… لا أبدا، لم يكن هناك انتخاب للأمين العام، لقد اختير امحمد بوستة لتسيير الحزب. منصب الزعيم عند الاستقلاليين كان دائما محسوما لعلال الفاسي، وبعده اعتادوا أن يذهبوا إلى مؤتمراتهم وقد حسموا الأمر، فبمجرد الوصول إلى نقطة انتخاب الأمين العام في جدول الأعمال يُحمل الأخ بوستة على الأكتاف وتُردد الشعارات المؤيدة وأشهرها (النضال.. النضال.. بوستة ولاّ علال). – ألم تظهر أية بوادر للمنافسة منذ البداية؟ بلى، المنافسة كانت شرسة، ولذلك سعت القيادة، وفي المقدمة منها الرواد من طينة المجاهدين أبي بكر القادري والهاشمي الفيلالي، إلى توحيد الموقف مسبقا بهاجس تجنب المس بوحدة الحزب؛ فقد بقيت عقدة الانفصال حاضرة في الأذهان منذ 1959.. كان الناس براغماتيين، يميلون إلى الحل الذي يجمع ويبتعدون عن الاختيارات التي تفرق؛ فكنا نتفق قبل الذهاب إلى المؤتمر فتنعدم المنافسة. وهذا الحرص كان يتم أيضا -إلى حد ما- حتى بالنسبة إلى أعضاء اللجنة التنفيذية؛ وكان (الحرص إياه) في الواقع هو الحائل الحقيقي دون تطبيق الديمقراطية على إطلاقها. – ألم يكن هذا الوضع يثير أية ردود فعل ،خاصة لدى الأجيال الجديدة في الحزب؟ القادة كان يتملكهم، أيضا، هاجس تحصين الصفوف من كل اختراق أو استهداف، ولو أننا -في وسط الشباب- كنا ندعو دائما إلى ضخ دماء جديدة داخل مؤسسات الحزب، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالديمقراطية. الفكرة كانت رائجة، ولاسيما في أوساط الشبيبة الاستقلالية، ولكن استعمال قنوات الديمقراطية ظل بطيئا جدا. – بخلفية 40 سنة، كيف تنظرون إلى هذا الاختيار، هل كان صائبا ويحصن الحزب أم كانت فيه مبالغة أقفلت الأبواب في وجه كفاءات لتتبوأ مكانها مبكرا في قيادة الحزب وتدفع إلى الأمام بمسار تطوره؟ لما أرى ما آل إليه الحزب في المؤتمر السادس عشر الأخير، وقبله بمدة، أقول إن إخواننا ربما كانوا على حق في تحفظاتهم، وإن كنت شخصيا ضد هذا التوجه ودعوت دائما إلى الاحتكام إلى الصناديق وتعدد الترشيحات من بديهيات الديمقراطية. والحقيقة أن ذلك لم يمنع من الموازنة بين الحرص على التحصين بنوع من التحكم في آليات الاختيار وفتح الأبواب للكفاءات والطاقات الشابة وللعنصر النسوي.. الحزب لم يفرط بل كان سباقا إلى ذلك. – ألم يكن هاجس التحصين عنوانا للشعور بوجود مَواطن خلل قد يتم التسرب عبرها إلى مواقع المسؤولية بآليات الديمقراطية؟ مع ذلك، ستظل هذه الهواجس سببا في السلوك التحكمي؛ ألم يكن من الممكن عندئذ اعتماد الآليات والمعايير والشروط؟ لقد اعتمدنا في قوانيننا في ما بعد المعايير، وهي تقوم على اعتبار التدرج والكفاءة والنتائج والإخلاص، ولكن «السارق هو من يحرسك لا العكس»… لقد أصبحت تتحكم اعتبارات أخرى تسربت إلى الحزب كقطرة ماء صارت مع الوقت سيلا جارفا. – وما هي هذه الاعتبارات الجارفة؟ بدأت تتوارى، للأسف، الروح الوطنية من حزب كان مدرسة للوطنية، فأخذ يتراجع عن دوره في التوعية والتأطير، أصبحنا نتحول شيئا فشيئا إلى مجرد حزب انتخابوي لا تهمه سوى المقاعد بأي وجه كان، غابت مدارس وحلقات التكوين وتراجعت الهيئات الموازية في أداء مهام التأهيل التربوي الاجتماعي والسياسي، لقد قصرنا كثيرا في هذا الصدد حتى توغلت الانتفاعية والوصولية والطموح إلى المسؤولية خارج الاستحقاق باستعمال أساليب دنيئة كنا نحاربها بمناسبة الانتخابات العامة من قبيل استعمال المال والترغيب بالمناصب وحتى التهديد.