ولد محمد القرشي بمدينة بوبيني بالضاحية الشمالية لباريس في أحضان عائلة مغربية سليلة نواحي بن جرير، وتحديدا «نزالت لعظم» في طريق مراكش. سهرت والدته، بعناية وحنان، على إلقامه بسخاء، وهو صبي، كل المواد المثخنة بالفيتامينات (من حليب هولاندا إلى دانون، مرورا بالزبدة الرومية ولاباني والكيكس!)، الشيء الذي تسبب في اكتنازه ونموه السريع. في السابعة عشرة من عمره، كان تبارك الله من الوزن الطويل والثقيل، الشيء الذي استحق عليه من طرف أصدقاء الحي والصف لقب «الروكان»، «القرش»، وهي تقريبا ترجمة لاسمه العربي، القرشي. عوض محمد هذه الوفرة البدنية، التي رأى فيها عاهة حرمته من الاقتراب من الفتيات أو معاشرتهن، بذكاء دقيق وظفه سلاحا في الدراسة، إذ حصل بعد الباكلوريا على «بروفيه في التسيير والتحكم في المياه»،BTS Gemeau . وانتهى في الأخير، بعد إلحاح من والدته، إلى الاقتناع بفكرة أنه حان الوقت لولوج سوق العمل. هكذا، أعد ملفا يشمل نسخة من سيرته الذاتية، نسخا من دبلوم الباكلوريا والبروفيه، رسالة تحفيز خطية بفرنسية لا غبار عليها، وصورا فوتوغرافية. وتضمنت رسالة التحفيز عبارات من نوع: «بحسي المهني الفائق ومرونتي في الانخراط في تعزيز مشروع مؤسستكم، سأكون بالتأكيد عنصرا فاعلا وقيمة مضافة... وفي انتظار جوابكم الذي أتمنى... تقبلوا سيدي المحترم..». ولما ألقت والدته نظرة على صورته الملحقة بالرسالة لاحظت عليه: «مال ودنيك مقلاشات بحال العتروس؟». بعث محمد القرشي، إذن، بالطلبات إلى أكثر من شركة ومؤسسة عمومية، خصوصية وعمومية، تعنى بمجال المياه وطرق تسييرها والتحكم فيها. وبعد أسبوع، رجعت الردود متشابهة في نبرتها وفي مضمونها: «بعد دراسة دقيقة لملفكم، يؤسفنا إحاطتكم علما بأنه لم يحظ بقبول المديرية العامة بقسم التوظيفات... وعليه، نتمنى لكم حظا أوفر في مساعيكم... وتقبلوا سيدي محمد القرشي.. إلخ إلخ. ولما فاتح أحد أصدقائه في الموضوع، أفتى عليه هذا الأخير بتغيير اسمه ليصبح زيزو براني، وهو اسم بلا حمولة عربية ولا نشاز في النطق. السيرة الذاتية أكثر من بطاقة هوية، إنها مرآة ومفتاح.. تتركز فيها حياة شخص، مساره، تجاربه وإنجازاته. لكنها تبقى غير كافية وفي الكثير من الحالات لفتح «سمسم» الوظيفة، بل على العكس، يكون لها مفعول إحباطي لنفسية العديد من المرشحين الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية وتحديدا مغاربية، إفريقية، لا لسبب إلا لحملهم أسماء من نوع محمد، أحمد، العربي، فاطنة، فاطو، مامادو، أحمدو، فاطمة، مليكة.. إلخ. وقد رأى العديد من الجمعيات والهيئات غير الحكومية الفرنسية في رفض المؤسسات للترشيحات، من قبيل ترشيح محمد القرشي، بناء على الاسم والأصول الإثنية، تمييزا عنصريا تطاله العدالة. وقد رفع بعض من هذه الجمعيات، مثل Sos racisme وle Mrap، دعاوى ضد بعض الشركات التي تمارس هذا الميز المقنع. وبالرغم من القوانين الزجرية في مادة التشغيل المتضمنة في قانون 16 نوفمبر 2001، فإن العديد من الشركات لا يعيره أي اعتبار. والدليل هو الاستفتاء الرسمي الذي يشير إلى أن 70 في المائة من الشركات تعمل بحسب المعايير الإثنية في التشغيل. لكن نشاط الجمعيات المدنية والحقوقية دفع بالحكومة الحالية إلى الانكباب على الموضوع وبالشركات إلى إعادة النظر في مقاييس التوظيف، وبخاصة الاستغناء عن المعايير الإثنية من لون البشرة إلى الاسم مرورا بالأصل واللكنة... وفي الثالث من نوفمبر الماضي، أعطى يزيد صابغ، منتدب «التعددية والمساواة في الحظوظ»، إشارة الانطلاق لتجربة «السيرة الذاتية السرية»، وذلك في سبع ولايات ولمدة ستة أشهر. بمقتضى هذه العملية، يبعث المرشح بسيرته «حافية» من الاسم والأصل وكل معلومة تشير إلى أصول المرشح. وقد أبدت قرابة 50 شركة استعدادها للمشاركة في التجربة مثل شركة النقل لباريس ونواحيها، آكور، شركة آكسا للتأمين... حين سمع محمد القرشي بالخبر، أعاد سحب نسخ من سيرته الذاتية خالية من أية معلومة شخصية ليبعث بترشيحه مجددا إلى نفس الشركات السابقة، لعل وعسى. ولما روى لوالده المتقاعد، الذي يتنقل بين بوبيني ونزالت لعظم، الوضع المأزقي في مسألة الشغل، أجابه هذا الأخير: «عندك شهادة ديال الماء، إيوا آجي يا وليدي تحفر لبيار في نزالت لعظم»!