أضحى مؤكدا وجود تنظيم سري يحمل اسم «الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة» ولو أنه من الصعب، انطلاقا من المعطيات المتوفرة راهنا، الحديثُ بشكل دقيق عن قياداته وهيكلته وخريطة انتشاره، مما يفسح المجال أمام عديد من الافتراضات التي تحتم طرح بعض التساؤلات من قبيل: هل نحن في مواجهة تنظيم ولد ميتا أم في مواجهة تنظيم انهار بسبب اعتقال أغلب قياداته؟ وماذا يعني تعدد الأسماء الملصقة بهذا التنظيم، حيث يسمى «الجماعة الإسلامية المجاهدة» تارة و«الجماعة المغربية المسلحة» تارة أخرى، كما يسمى «الحركة الإسلامية المسلحة» أو «الجماعة المغربية المقاتلة»؟ هل هذا التعدد يفيد عدم القدرة على إدراك حقيقة هذا التنظيم أم يفيد قدرة قياداته على التمويه؟ وما هي علاقة هذا التنظيم باعتداءات 16 مايو 2003 التي استهدفت مدينة الدارالبيضاء واعتداءات 11 مارس 2004 التي استهدفت العاصمة الإسبانية مدريد؟ وهل يجسد هذا التنظيم الإطار التنظيمي لتيار السلفية الجهادية المغربية أم هو تجميع لمختلف حساسيات الإسلام «القتالي»؟ وهل بعد مرور عشر سنوات من تأسيسه قد اندمج، فعلا، في تنظيم قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي أم لازال يحرص على الحفاظ على استقلاليته التنظيمية؟ في محاولة منا لصياغة مقدمات إجابة عن التساؤلات المطروحة، تروم المساهمة في تكوين صورة ولو أولية عن تنظيم لازال محاطا بكثير من الغموض، سنركز في هذه الورقة على بعض سياقات تأسيس هذا التنظيم والتي نختزلها في طبيعة الحضور المغربي في أفغانستان أولا، وفي الاستراتيجية التي اعتمدها أسامة بن لادن في ظل نظام طالبان ثانيا. يمكن التمييز بين ثلاث مراحل للحضور المغربي بأفغانستان: - تتحدد المرحة الأولى في سنوات الحرب ضد الاتحاد السوفياتي بين 1979 و1989. لقد تميزت هذه المرحلة بتدفق آلاف المتطوعين العرب الذين وصل عددهم مع نهاية الحرب إلى حوالي 20 ألف متطوع عربي، كان أغلبهم من الخليجيين والمصريين والجزائريين، في حين كان الحضور المغربي جد باهت. ولم يبدأ المغاربة في الذهاب إلى أفغانستان إلا مع قرب نهاية الحرب سنة 1989، ليس كمقاتلين بالضرورة ولكن كعاملين في هيئات الإغاثة وبغطاء شبه رسمي من السلطات المغربية. وقد حل المغاربة الأوائل بأفغانستان سنة 1989 أمثال «عبد الله تبارك» و«أحمد الرفيقي» المعروف ب«أبي حذيفة». - تتحدد المرحلة الثانية بسنوات الحرب الأهلية بين المجاهدين الأفغان في ما بينهم بين سنتي 1989 و1996. وقد تميزت هذه المرحلة بمعاداة أغلب فصائل المجاهدين الأفغان للمجاهدين العرب، حيث اعتبروهم بمثابة عائق يحول دون بناء الوحدة الوطنية الأفغانية، كما تميزت بالضغط الذي مارسته الحكومة الباكستانية على المجاهدين العرب لمغادرة نقطة انطلاقهم الأولى «بيشاور». أمام هذا الوضع، اضطر جزء من المجاهدين العرب إلى الانتقال إلى اليمن، حيث أعادوا تنظيم أنفسهم ابتداء من سنة 1992 في إطار ما يعرف بتيار «الأفغان العرب»، في حين فضل جزء منهم الاستفادة من حماية الزعيم الأفغاني «قلب الدين حكمتيار». إن المغاربة الموجودين في أفغانستان لم يكونوا معنيين بشكل مباشر بالعداء الباكستاني أو عداء فصائل المجاهدين الأفغان للمجاهدين العرب باعتبار أن المغاربة، رغم قلة عددهم، كانوا منشغلين بتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية أكثر من انشغالهم بتقديم خدمات «عسكرية»، لذلك فقد استمروا في مواقعهم. وهذا لم يمنع عددا منهم من العودة إلى المغرب. ومن الأسماء المعروفة في هذه الفترة «علي العلام». - تبدأ المرحلة الثالثة سنة 1996 بقيام نظام الطالبان وعودة أسامة بن لادن إلى أفغانستان. وتتميز هذه المرحلة بتزايد نسبي لعدد المغاربة مقارنة بالمرحلتين السابقتين. وتختلف أسباب هذا التزايد النسبي، فإضافة إلى المغاربة الذين ظلوا مستقرين في أفغانستان طيلة الحرب الأهلية، التحق بهم بعض المغاربة الذين كانوا قد استقروا في إيران، خاصة في مدينتي (قم) و(مشهد)، والتحق بهم بعض المغاربة الذين كانوا مستقرين في باكستان، إضافة إلى المغاربة (الجدد) الوافدين إلى أفغانستان، سواء من أوربا أو من المغرب. فأغلب المغاربة الوافدين من أوربا قدموا لتلقي ما يكفي من التدريبات العسكرية استجابة لدعوة الجهاد في (الشيشان). أما المغاربة الوافدون من بلدهم الأصلي، فمعظمهم التحق تحت إغراء الدعاية الدينية لنظام طالبان بهدف الاستقرار والعيش في كنف الإمارة الإسلامية «الفاضلة» أو بحثا عن العمل، خاصة وأن عددا من هؤلاء كانت لهم قريبات مغربيات متزوجات بخليجيين مستقرين هناك. إن طبيعة الحضور المغربي بأفغانستان خلال المراحل الثلاث تتميز بخاصيتين: تتعلق الخاصية الأولى بمحدودية هذا الحضور على المستوى الكمي مقارنة بعدد العرب الوافدين من الأقطار الأخرى، وترتبط الخاصية الثانية بمحدودية هذا الحضور على المستوى النوعي. فلم تكن هناك أسماء وازنة في القيادة المركزية لتيار الأفغان العرب، فالقيادات هي إما خليجية أو مصرية. وكانت قيادة تنظيم (القاعدة) تعتبر المغاربة مجرد أدوات تنفيذ أو عمل ليس إلا. هذا الوضع حكم على المغاربة بالتيه التنظيمي في المرحلتين الأولى والثانية، وبالتبعية التنظيمية للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في السنوات الأولى للمرحلة الثالثة التي فرضتها الاستراتيجية الجديدة لأسامة بن لادن بعد قيام نظام طالبان. لقد تفاعل الحضور المغربي في أفغانستان، خاصة بعد 1996، مع رغبة أسامة بن لادن في تشكيل تنظيمات «قطرية» كان يعتبرها امتدادات لتنظيم القاعدة ليجسد محددا أساسيا أفضى إلى التفكير في تأسيس «الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة». عندما رجع أسامة بن لادن إلى أفغانستان منذ 1996، كانت هناك أشياء كثيرة تغيرت أفغانيا وعربيا، وكان قد تشكل اقتناع لديه بضرورة تحويل أفغانستان إلى نقطة انطلاق لتحرير كثير من الأنظمة العربية والإسلامية من «الطاغوت» الذي يحكمها. وتحقيق هذا الاقتناع كان في حاجة إلى دعامتين: تتمثل الدعامة الأولى في إبرام تحالف استراتيجي مع نظام طالبان، خاصة وأن «الملا محمد عمر» لم يكن ينظر بعين الرضى إلى وجود قيادة في بلده تتمتع بإشعاع كبير، ولو لم تكن أفغانية. لذلك عمل أسامة بن لادن على ترتيب أوراقه وحسم هذا التنافس بتقديم بيعته إلى الملا محمد عمر سنة 1998. تتجسد الدعامة الثانية في تكوين تنظيم يضم العناصر ذات الأصول العربية على أساس جديد يتسم بقوة التماسك والانسجام على مستوى التوجهات والمسلكيات، لذلك أعيدت هيكلة تنظيم القاعدة. فالقاعدة التي كانت تضم تيار الأفغان العرب لم يتوفر لها الحد الأدنى من الانسجام قبل 1996. فالأفغان العرب كانوا أصلا ذوي توجهات مختلفة ولم يجمعهم إلا شيء واحد وهو المشاركة في الحرب ضد «الاتحاد السوفياتي». في حين أن أسامة بن لادن، بعد 1996، بدأ يركز على العرب ذوي التوجهات «الوهابية» أو السلفية. وهذا التركيز، إضافة إلى توفيره عنصر الانسجام، كان يسهل مأمورية أسامة بن لادن في علاقته مع نظام الطالبان الذي كان نظاما أصوليا بامتياز. وهذا التشابه هو الذي دفع الملا عمر إلى إلزام العرب الموجودين في أفغانستان بالخضوع لسلطة أسامة بن لادن. وقد تميزت سنة 1998 بالبيعة المزدوجة التي قدمها هؤلاء العرب في نفس الوقت إلى أسامة بن لادن والملا محمد عمر. إن البحث عن الانسجام والتماسك سيدفع إلى إعادة النظر في مفهوم المسلم الحقيقي. فالمسلم الحقيقي هو، أولا، سلفي (=وهابي) وهو، ثانيا، شخص يمارس «الجهاد» عقيدة، والجهاد هنا ليس هو جهاد النفس أو جهاد الشيطان، إنه جهاد العدو، وبتعبير آخر إنه «القتال». ومن هنا، نفهم سيل الانتقادات الموجهة إلى «الجماعات الإسلامية» المؤمنة بالتغيير السلمي وبالمشاركة السياسية، وكذلك تلك التي لا تمارس «القتال» إلا اضطرارا. تقتضي الاستراتيجية الجديدة لأسامة بن لادن التوفر على تنظيمات «قطرية»، فأسامة بن لادن لم يعد زعيما لأفغان العرب بل أصبح يرغب في أن يصير زعيما للسلفية الجهادية. وهذا يفيد بأن أتباعه لن يظلوا مقتصرين على هؤلاء الموجودين في أفغانستان، بل ستتسع دائرتهم لتشمل كل السلفيين الموجودين في البلدان العربية والإسلامية وفي أوربا ولو لم يفدوا إلى أفغانستان. إن الاستراتيجية الجديدة كانت تحتم إحداث مسافة بين «الأفغان العرب» و«السلفية الجهادية». عندما أعلن أسامة بن لادن الجهاد ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية في فتواه سنة 1998، كان التيار السلفي الجهادي قد تقوى في عديد من المواقع. كما بدأت تتشكل تنظيمات قطرية في بعض البلدان العربية. والملاحظ أن هذه التنظيمات مسايرة لمنطق الاستراتيجية الجديدة، ابتعدت عن حمل صفة الجهاد لتعوضها ب«القتال» ك«الجماعة الليبية المقاتلة» أو «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر أو «الجماعة الإسلامية التونسية المقاتلة». إن الاهتمام بإيجاد مواقع تنظيمية قطرية سيكون وراء الإيعاز لقيادات الجماعة الليبية المقاتلة باستقطاب السلفيين المغاربة، خاصة في أوربا، تمهيدا لتجميع عدد كاف يساعد على تشكيل تنظيم قطري «مغربي»، وهو ما سيتم الشروع فيه مع أواخر التسعينيات من القرن العشرين وسينتهي بتشكيل «الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة».