في شمال المملكة مئات الهكتارات من الأراضي التي تسيل لعاب الكثيرين، وفي أقاليم مثل الحسيمةوشفشاون بعشرات الجماعات المنتمية إليها تتحرك أياد خفية لتضع يدها على ما تيسر من أراضي الدولة وحتى تلك التي يتصرف فيها خواص، ما يفتح الباب أمام عمليات الترامي وتزوير الملكيات باستعمال جميع الوسائل الممكنة، وبطبيعة الحال لا بد من وجود تواطؤات حتى تكتمل العملية وتحقق أهدافها، عدول مستعدون لتحرير رسوم ملكية مزورة، وشهود زور تحت الطلب مقابل أسعار متعارف عليها، ومنتسبون إلى مؤسسات عديدة مهمتهم تسهيل عمل هذه الشبكات والتغطية على جرائمها.. ولا بأس أيضا من «إكراميات» لتجنيد بضعة أقلام للتصدي لأي محاولة للتشويش، حتى لو اقتضى الأمر أن تُحمل إلى أصحابها في العاصمة مقابل بضعة أسطر تفي بالغرض.. كم يبلغ عدد قضايا المنازعات حول ملكية الأراضي أمام المحاكم في مدن الشمال سواء التي يُنظر فيها أو تلك التي حسمت وقال القضاء كلمته فيها؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، لكن الأكيد أنها بالكثرة التي تعطي الانطباع بأن أغلب الرصيد العقاري للمنطقة يعرف صراعات لإثبات أحقية استغلاله والتصرف فيه.. قضايا بين الأفراد، بل أيضا بينهم وبين الدولة.. وبين هذا الكم الهائل من القضايا توجد تلك التي لا تخلو من غرابة بسبب الحجج التي يدلي بها كل طرف في مواجهة الخصم.. هذه واحدة.. في جماعة تَمُروت التابعة لقيادة باب برد بإقليمشفشاون واحدة من هذه القضايا التي تنتظر الأسبوع المقبل صدور آخر حكم في مسار التقاضي، هي قضية يصفها أصحابها بأنها مثال واضح للظلم والتزوير ولجميع أشكال التواطؤات.. القضية بدأت سنة 1999 حين توصل بعض أفراد عائلتي خرشيش وأخشيو باستدعاءات تخص دعوى قضائية في مواجهتهم تتهمهم بالترامي على أرض منذ سنة 1996، الشكاية وضعها شخص يقول إنه المالك للأرض التي توارثوها أبا عن جد منذ أزيد من 70 سنة، لتبدأ فصول المحاكمة التي وصلت اليوم إلى مرحلة النقض.. يقول عزيز أخشيو, واحد من المعنيين بالملف» إن الملف بدأ حين رفع شخص يدعى (م.ع) دعوى بالترامي على قطعتين أرضيتين متجاورتين بدوار محلي، علما أنه لا يملك شيئا ولا أحد في المنطقة يعرفه أو يشهد أنه يقطن بها، ومع ذلك تمكن من استصدار رسم استمرار ملكية مزور في مضمونه، يشهد فيه عدلان –زورا- أنهما يعرفان طالب الشهادة وبقية الورثة المعرفة التامة شرعا (…) ملكا صحيحا خالصا من جملة أملاكهم القطعة الأرضية الفلاحية الواقعة بمنزل اذوقاين والميندوز بمزارع مدشر محلي، فرقة بني نبات، قبيلة بني خالد قيادة ودائرة باب برد (..) مساحتها بذكر طالب الشهادة 1300 متر طولا و900 متر عرضا تقديرا قيمتها ثلاثون ألف درهم..»، ويضيف أخشيو: «بعد ذلك تقدمنا بشكاية في مواجهة هذا الشخص والعدلين بارتكاب جناية الزور في مضمون الرسم، وقدمنا للمحكمة كل الأدلة التي تثبت حيازتنا للأرض بمقتضى رسم التصرف المضمن بدفتر الأملاك، وهو رسم تم إنجازه بواسطة عدلين يشهدان، بأن هذه الأرض بيد أصحابها وأنها بحوزتنا وتصرفنا وراثة لكن للأسف الشديد حكمت المحكمة لصالح الشخص الغريب عن دوارنا واليوم صار أزيد من 2000 نسمة هم سكان دوار محلي ودوار داروتان مهددين بالتشرد بسبب شهادة مزورة رفضت المحكمة البت في زوريتها ومتابعة المتورطين فيها». الأمر نفسه يؤكده إدريس أخيشو، أحد أعمام عزيز، بالقول: «للأسف الشديد قدمنا للمحكمة في جميع مراحل التقاضي ما يثبت أن الرسم الذي استخرجه غريمنا مزور، وطلبنا أن تعين خبراء ليحسموا في مدى صحة ما تضمنته الوثيقة المزورة لكنها أمرت بالبحث في مدى صحتها شكلا مع العلم أن سلامة الرسم شكلا لا تضفي مصداقية ومشروعية على مضمونه، وهكذا حكمت ضدنا بسبب إشهاد مخالف للحقيقة والواقع يهدف منه العدلان إثبات وقائع يعلمان أنها غير صحيحة، علما أننا المالكون والمتصرفون والحائزون لهذه الأرض وبها منازلنا واستقرت بها عائلاتنا مدة تزيد عن 50 سنة من تاريخ 1996 الذي يقول المدعي إننا ترامينا فيه عليها، وهذا ما تضمنته خبرة قضائية أثبتت أن لنا بها منازل وأشجار تدل بما لا يدع مجالا للشك أن جريمة الزور في محرر عدلي ثابتة في حق المدعي والعدلين». «أكثر من ذلك، يقول عزيز، «فالعدلان اللذان أشرفا على تزوير مضمون الرسم سنة 2002 صدر في حقهما حكم بالسجن عشر سنوات سنة 2001 في قضية مماثلة وهذا ما يجعلنا أمام نازلة تجتمع فيها جميع الأركان لوصفها بالجريمة التي ينجح مرتكبوها في الإفلات من العقاب، بل الأدهى أننا قدمنا ضمن وثائق الملف مجموعة من الالتزامات لأشخاص تم ذكرهم في الرسم المزور يشهدون على أنفسهم بأن لا علاقة لهم بالأرض وبأنهم أقحموا في الرسم دون علمهم، كما قدمنا شواهد إدارية صادرة عن مؤسسات رسمية لكن دون طائل». قضية عائلتي خرشيش وأخشيو، يقول عنها طارق حداد، المحامي بهيئة فاس الذي ينوب عن المتضررين، إن «الملف فيه وقائع تثبت الزور، والواقع العملي يثبت أن سكان الدوار يسكنون في هذه الأرض منذ ما يفوق 70 سنة، ووجدوا أنفسهم في مواجهة شخص يدعي أنهم تراموا على الأرض سنة 1996 مستغلا وثيقة مزورة أنجزها عدلان، وهي وقائع غير صحيحة، والمحكمة عند إصدارها حكمها لم تناقش مضمون الوثيقة بل ناقشت كونها وثيقة صادرة عن محكمة شفشاون، وهل وقعها قاض وموقعة من طرف العدل.. وهذه أمور بديهية، وعوض أن تبحث في التلاعبات التي يتضمنها المضمون اقتصرت على ظاهر الوثيقة، وحكمت بكونها وثيقة سليمة». ليضيف: «الأكيد أن الملف يخفي كثيرا من المشاكل، وللأسف فالأمر يتكرر في محاكم شفشاونوتطوان، ولو أن الدولة تريد أن تحسم في كثير من النزاعات فما عليها سوى أن تقوم بإجراء بسيط وتستدعي المقدم أو الشيخ ليثبتوا كثيرا من الحقائق أو ينفوها ومنها مثلا في هذا الملف أن صاحب الدعوى لم يسبق له أن وضع قدمه في الأرض موضوع النزاع أو تصرف فيها». «المشكل العميق في مثل هذه القضايا- يختم المحامي بهيئة فاس- «هو أن مثل هذه النزاعات تنشأ بين الأفراد حول أراضي هي في الأصل أراض تابعة لأملاك الدولة، وفي هذه المناطق يلجأ السكان إلى الترامي على الغابة لتوسيع مساحات أراضيهم وضمها لاحقا، ويكفي الرجوع إلى ما حدث في سنوات الستينيات والسبعينيات لفهم الأمر». من يملك الأرض؟ الفكرة التي أثارها المحامي طارق حداد، تدفع إلى طرح كثير من التساؤلات حول من يملك آلاف الهكتارات في هذه المناطق والتي يتنازع حولها الأفراد، ويدلي كل طرف برسومه وحججه أمام القضاء في أغلب الحالات، أو تنشأ بسببها صراعات دموية في حالات أخرى قد تصل حد إزهاق الأرواح؟ قبل الجواب عن هذا السؤال سيكون من الأفضل أن نعود بالمشكل إلى جذوره التاريخية، لنطرح مسألة تعدد الرسوم العدلية وانتشارها واستعمالها من طرف البعض للترامي على الملك الخاص والملك الغابوي، وفي هذا الصدد يقول علي الريسوني مؤرخ مدينة شفشاون، «إن الوثائق العدلية كانت تتعرض دوما للتزوير والتحريف خاصة وأن المقاييس الدقيقة العصرية لتحديد مساحات الأراضي لم تكمن متوفرة آنذاك، وقديما كان الناس يقيسون بالأقدام. والهكتار لم يكن موجودا وكان يسمى الفدان، وغياب المقاييس العصرية كان يُصعّب من الأمر ويخلق نزاعات حول حدود الأراضي»، ليضيف: «كان يقال مثلا من الشجرة الفلانية إلى الشجرة الفلانية، علما أن هذه التحديدات كان من السهل إزالتها». فضلا عن هذا يقول الريسوني «العدول كانوا يعتمدون هذه التسميات لتبيان حدود القطع الأرضية وكانت هذه عملية غير دقيقة لأن الأغراس والأشجار معرضة دائما للتلف، سواء بشكل عمدي أو عرضي. بالإضافة إلى الانتشار الواسع لعمليات التزوير والرشاوى، وهذا أمر كان معروفا في المنطقة خاصة أن الأحكام لم تكن تستأنف ولم تكن دقيقة ومراقبة، وهذا حال البادية المغربية بصفة عامة، ثم كان هناك انعدام البطاقة الوطنية وكان يتم استغلال التشابه الكبير بين الأسماء للعديد من الأشخاص سواء الشخصية أو العائلية.. بل قد تجد تطابقا في النسب والاسم معا وهذا يفتح الباب أمام حالات الترامي على الأملاك ويسمح بوجود تواطؤات من بعض الأطراف». ما يثيره مؤرخ مدينة شفشاون يعضده عبد الله نورو، رئيس فدرالية جمعيات غمارة بالقول: «شكلت الفترة الخليفية التي عرفها المغرب في عهد الحماية تحديا كبيرا، في النهوض بالمجال العقاري بالمغرب وبالخصوص بمناطق الشمال، فالمستعمر الإسباني سعى في فترة الاستعمار إلى خلق قانون يوافق مصالحه ومخططاته، ليعاني المغرب من موروث استعمار ظل مدة يتخبط فيه لحل مشكل التحفيظ للأراضي الخليفية بمناطق الشمال» . وإلى يومنا هذا، يضيف نورو، «لايزال البعض في مناطق الشمال يستعمل تلك الوثائق لإثبات ملكية بعض العقارات، والإشكال قانوني أكثر مما هو عدلي. فرغم توالي الظهائر التي أصدرت في محاولة لحل إشكالية الرسوم الخليفية بدءا بظهير 1914 وصولا إلى ظهير 1988 بقي مشكل الرسوم الخليفية قائما وإلى يومنا هذا لازال بعض العدول يستغلون الثغرات القانونية لمصالح بعض الجهات لتحقيق مصالح شخصية». استغلال الثغرات القانونية التي تتيحها الرسوم العدلية فتح- حسب عبد الصمد الشاوني، الكاتب العام لجمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان بتطوان، الباب أمام عمليات الترامي الواسعة على ملك الدولة وخاصة الملك الغابوي، يقول في هذا الإطار: «الأمور تتم ببساطة شديدة، حيث يلجأ الراغبون في الترامي على الملك الغابوي إلى «خدمات» العدول والشهود لاستصدار وثائق حيازة للأراضي خاصة تلك التي يصعب على موظفي المياه والغابات مراقبتها وحتى حين تنكشف عملية الترامي يتم أداء مخالفات بسيطة، أو في حالات أخرى يتم تقديم رشاوى للتغاضي عن الأمر، وهذه أمور معمول بها في هذه المناطق، هناك أشخاص مختصون في مثل هذه العمليات ويستفيدون من تواطؤ عدد من الجهات وللأسف صارت الأمور عادية بفعل التراكمات المسجلة منذ عقود». لكن هل تصل القضية إلى حد وجود شبكات متخصصة في تزوير الوثائق الرسمية، وشهادات الملكية، أم تبقى الأمور في حدود عمليات منفردة يقوم بها أفراد تحركهم رغبات شخصية في تملك الأراضي؟ يقول عبد الله نورو: « تشابه الملكيات المزورة المدلى بها من حيث الصيغة والشكل، في عدة قضايا تخص النزاعات حول تملك الأراضي يثير الشكوك حول تواجد شبكة متخصصة في تزوير هذا النوع من الوثائق. لكن ما هو مؤكد أن هناك عدولا متورطين في فبركة عقود عدلية مزورة لتملك الأراضي، مكنت المستفيدين منها من السيطرة على العديد من الأراضي سواء المملوكة للخواص أو التابعة منها للأملاك المخزنية. الأكثر من ذلك هناك عدة مصادر بمنطقة غمارة تؤكد ضلوع عدل في تزوير ملكيات للأراضي عن طريق استغلال طوابع عقود زواج قديمة وتحويلها لملكيات مزورة تتيح لصاحبها الترافع أو السيطرة على أراضي معينة». أمام هذه الفوضى سيكون من الضروري طرح التساؤل عن الحجية القانونية لهذه الرسوم العدلية؟ وقيمتها أمام القضاء في حال النزاعات العقارية بين الأفراد أو الجماعات؟ قانونيا تعتبر الرسوم التي يحررها العدول من بين المحررات الرسمية التي يجب أن يتم بموجبها، تحت طائلة البطلان، تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها. ولذلك فإن الرسوم العدلية تكتسب حجيتها القانونية في إثبات الحقوق العقارية طبقا لمقتضيات الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود والفصل ال4 من مدونة الحقوق العينية. وتعتبر هذه العقود حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها. كما أنها كذلك حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين والمتضمنة فيها. إلا أن هذه القوة الثبوتية والحجية القانونية التي تتمتع بها هذه الرسوم العدلية باعتبارها عقودا رسمية، في حالة ما إذا حررت بطريقة سليمة ووفق الشكل المطلوب قانونا، تبقى نسبية بحيث إنها لا تثبت جميع البيانات والوقائع التي تتضمنها وخاصة تلك التي يقتصر دور العدول فيها على تدوينها فقط، دون أن تكون لهم القدرة والاستطاعة في التحقق من مدى صدق التصريحات والشهادات التي تم الإدلاء بها من قبل الأطراف. على هذا الأساس يمكن إثبات ما يخالف ما تتضمنه العقود العدلية بجميع وسائل الإثبات العادية، سواء بواسطة الشهادة أو القرائن في الإكراه أو الاحتيال أو التدليس أو الصورية أو الخطأ المادي الذي يمكن أن يعتري هذه العقود دون الحاجة إلى سلوك دعوى الزور. ولأن الأمر يتعلق باستغلال هده العقود للترامي على مساحات هائلة من الملك الغابوي، سواء الذي شملته عمليات التحفيظ أو غيره –يقول مصدر من المندوبية السامية للغابات- فقد «شهدت عمليات تأسيس الرسوم العدلية الخاصة بتوثيق المعاملات العقارية مجموعة من الاختلالات، سواء من حيث التقيد بجميع الأركان والشروط والمستندات المتعلقة بالوثيقة المحررة أو من حيث الدقة في تعيين العقار وضبط صفاته ومساحته وقيمته وموقعه وحدوده مع توضيح هذه الحدود بما يميزها من الأشياء الطبيعية أو بكل وسيلة أخرى. وقد نتج عن هذه الوضعية تزايد النزاعات العقارية المتعلقة بها، مما أفقدها قوتها الثبوتية». ومن أجل سد الثغرات التي تم رصدها –يقول المصدر ذاته، « تم وضع مدونة جديدة (خطة العدالة) بموجب القانون رقم 16.03 الصادر في تنفيذها الظهير الشريف المؤرخ في 14 فبراير 2006. وفي ما يتعلق بالعلاقة بين الملك الغابوي والرسوم العدلية، فينبغي أولا الإشادة بالمقتضيات الجديدة التي جاءت بها هذه المدونة والتي حرصت على حماية أملاك الدولة والأملاك الحبسية والعمومية والجماعية من أن تكون موضوع تطاول من طرف الأغيار. ذلك أنه بموجب المادة 18 من المرسوم التطبيقي رقم2.08.378 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، فإنه يتعين على العدل قبل تحرير الوثيقة العدلية، إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ، التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية، من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيره. وقبل استصدار هاته الشهادة من طرف السلطة المحلية، فإنه يتم طلب رأي المصالح الإدارية التابعة للمياه والغابات من حيث علاقة العقار المعني بالطلب بالنسبة للملك الغابوي». أكثر من ذلك تشدد إدارة المياه والغابات على أنه « خلال عمليات التحديد الغابوي للأملاك الغابوية التي تتم تحت إشراف لجنة قانونية، فإنه يتم التعامل بكل جدية مع جميع الطلبات والملاحظات التي يتم تقديمها من طرف السكان بحيث تتم دراسة جميع الحجج ووثائق الملكية التي يدلى بها. كما أنه تتم الاستعانة عند الضرورة بعدول من أجل التأكد من ثبوتية ورسمية بعض العقود المقدمة. وتبعا لهذه الدراسة وللطبيعة المادية للأراضي موضوع الطلبات، فإن يتم الأخذ بعين الاعتبار الحجج الدامغة والتي لا شبهة فيها. وحين تتعذر الاستجابة لبعض الطلبات، تعمل اللجنة على تدوينها في محضر التحديد على أن يقوم المتعرضون بتقديم مطالب تحفيظ تأكيدية للتعرضات لدى المحافظة العقارية المختصة والتي بدورها تحيل ملفات النزاعات المتعلقة بها على القضاء للبت فيها». هذا ما تنص عليه المدونة، لكن ماذا عن واقع الأشياء؟ يقول عبد الله نورو: «إن استخلاص هذا النوع العقود المزورة واستغلالها للسيطرة على أراضي المياه والغابات لا يمكن أن يتم دون وساطة أو إشراف موظفين تابعين للمندوبية السامية للمياه والغابات برعاية من منتخبين بالمنطقة. بل هناك حالات لمنتخبين أصبحوا من ملاك الأراضي بالمنطقة وذلك عن طريق اجتثاث الغابة والسيطرة على الأراضي التابعة للملك الغابوي. كل هذا يحصل دون فتح تحقيقات في الموضوع تساهم في الحد من حالة العبث التي أصبحت معتادة في العديد من المناطق بشمال المغرب». ليضيف: «هناك العشرات من القضايا المماثلة ويكفي أن نستحضر ما حصل مؤخرا بجماعة السطيحات الساحلية التابعة لإقليمشفشاون حيث نشبت مواجهات بين سكان المنطقة وموظفين بالوكالة العقارية، كانوا بصدد مباشرة مسطرة التحفيظ. لكن اعتراض السكان كشف المستور بحيث انكشف أمر لوبي عقاري متخصص في السيطرة على الأراضي بالمنطقة، في هذه العملية تحجج اللوبي المشار إليه بوثيقة عدلية تثبت ملكيته لما يقارب 1400 هكتار في الأصل تعود لورثة شخص يدعى بن علي وهذا أمر معروف عند أبناء المنطقة». إغراء لا يقاوم.. يقول ناشط حقوقي متابع لملف الترامي على الأراضي بالمنطقة إن قضية عائلتي أخشيو وخرشيش بتراب «تمروت»- وهي واحدة من قرى الشمال المعروف عن سكانها ممارسة زراعة القنب الهندي كغيرها من قرى ومداشر الريف- توضح بجلاء بأن الصراع يتمحور في المحصلة حول تملك مساحات أرضية صالحة لزراعة النبتة المحظورة، بدليل أن المعطيات المتوفرة لدينا تفيد بأن الشخص الذي يدعي امتلاكه للأرض موضوع النزاع، هو في الأصل واحد من كبار مزارعي الكيف، وهذا أمر لا أحد يجهله حتى مسؤولو السلطات المحلية والدرك الملكي وهو مثل غيره من سكان هذه المناطق لا يعرفون نشاطا مهنيا غير هذه الزراعة المحظورة. ولهذا فمن المنطقي أن تغريه قطعة أرضية مساحتها عشرات الهكتارات (حسب الرسم المدلى به تبلغ مساحتها 1300 مترا طولا و900 متر يعني أزيد من 117 هكتارا) يمكن استغلالها في زراعة الكيف بضمان جودة عالية، ولهذا فمن الطبيعي أن تسيل اللعاب وتقام من أجلها دعوى قضائية حتى لو تطلب الأمر تسخير عدول مستعدين للشهادة زورا، أو توزيع الرشاوى على الموظفين والمسؤولين في جميع القطاعات لتسهيل المهمة، وهذه حقيقة اصطدم بها المتضررون حيث واجههم أكثر من محام في تطوان والشاون بسؤال: «هل أنتم مستعدون لأداء مبالغ لمن سينظرون في القضية» ولهذا اضطروا أن يلجؤوا إلى محام في فاس هربا من الابتزاز». بدوره يشدد عبد الله نورو، رئيس فيدرالية جمعيات غمارة، على أن لعمليات الترامي على الملك الخاص والملك الغابوي ارتباطا وثيقا بتوسيع مساحات زراعة الكيف، بحيث يكون في الغالب توسيع المساحات المزروعة من الكيف على حساب الغابة. هذه العملية كانت قد انتشرت ببلاد الكيف التاريخية (صنهاجة وغمارة) في سنوات خلت». وهو ما يثيره أيضا علي الريسوني «إذ يشدد على أن الجزء الأكبر من النزاعات على الأراضي اليوم صار مرتبطا بتزايد نشاط زراعة القنب الهندي، حيث يبحث المزارعون وكبار التجار عن مساحات إضافية صالحة للزراعة، ونظرا لقلتها في مناطق الشمال يتم اللجوء إلى الترامي على ممتلكات الآخرين وتزوير شواهد ملكيتها». فضلا عن نشاط زراعة الكيف، هناك نشاط آخر لا يسلط عليه الضوء كثيرا ويتعلق بقطع الغابة وتهريب الخشب، خاصة الذي توفره شجرة الأرز والمعروف بجودته العالية، وقبل أيام فقط تم حجز أزيد من 60 منشارا كهربائيا في غابة تسمى «غابة كورت» وهي تابعة لجماعة دكالة بقيادة فيفي، بعد أن تخلى عنها أصحابها إثر زيارة غير متوقعة لمسؤول من الإدارة الجهوية للمياه والغابات بتطوان رفقة ناشط حقوقي، وهي الواقعة التي كشفت عن وجود تقارير مزورة قدمها المسؤول عن المياه والغابات بالمنطقة رفقة مسؤول السلطة المحلية تنفي وجود أي عملية قطع للغابة، وهي القضية التي أفضت- بعد حلول لجنة من المياه والغابات- إلى تحرير 125 محضرا وفتح تحقيق في حقيقة التقارير المغلوطة التي كانت ترسل إلى المندوبية وإلى عمالة شفشاون. «الصدفة وحدها –يقول الناشط الحقوقي المتتبع للقضية منذ بدايتها، تكشف حجم الفظاعات التي ترتكب في حق الغابات بهذه المناطق، في حين أن نداءات متكررة للسكان والمهتمين لا تلقى أي اهتمام رغم الشكايات التي توضع على مكاتب مختلف الإدارات المعنية، لكنها للأسف سرعان ما تجد طريقها إلى أقرب سلة مهملات، بل المؤسف أيضا أن هذه الشبكات استطاعت أن تنشئ علاقات مع العديد من الصحافيين -سواء من المراسلين بالمنطقة أو آخرين يعملون بالمقرات المركزية- من أجل التغطية على أنشطتهم المحظورة ودبج مقالات تتهم فيها الجمعيات الحقوقية بممارسة الابتزاز في حق المزارعين، من أجل تحويل الانتباه والاستمرار في تدمير ونهب خيرات الغابة». من جهته يؤكد عبد الصمد الشاوني، الكاتب العام لجمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، «على أن الغابة في هذه المناطق تعاني أيضا من عمليات استنزافها للحصول على الخشب المعروف بجودته العالية، ومقابل ذلك يتم غرس أشجار الزيتون والأشجار المثمرة حتى يعطوا الانطباع بأنها ملكية خاصة من الأصل، وفي مرحلة لاحقة يتم استخراج شواهد عدلية مزورة لإثبات حيازتها. وهناك الكثير من النزاعات التي ترتبط بالموارد المائية التي تتوفر في بعض المناطق الغابوية، والكل يعرف أن الفرشة المائية في إقليمشفشاون هي فرشة غنية جدا، ولهذا يتم اللجوء إلى أنشطة محظورة تدر أرباحا عالية تسيل لعاب الكثيرين، وتمنح آخرين فرصة الاغتناء ولو اقتضى الأمر الدوس على قيمهم وخرق القانون وأيضا هضم حقوق البسطاء». المياه والغابات: هذه صيغ استغلال الملك الغابوي والتحديد يحمي الغابة في جوابها عن الصيغ القانونية التي يمكن بها لفرد أو مجموعة «استغلال» مساحة أرضية تابعة للملك الغابوي، تقول مندوبية المياه والغابات إن مقتضيات القوانين المتعلقة بإدارة وتدبير الملك الغابوي تنص على أن الملك الغابوي غير قابل للتفويت لكونه يحتوي على ثروات طبيعية تعتبر تراثا وطنيا لفائدة الأجيال الحاضرة والقادمة. إلا أن المشرع سن، حصرا، ثلاث حالات بالنسبة لوعاء الملك الغابوي والتشكيلات الغابوية، تتمثل في الاحتلال المؤقت بواسطة قرار للمندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر لمدة لا تتجاوز تسع سنوات بالنسبة لبعض المشاريع ذات صبغة مؤقتة، تشتمل على تجهيزات خفيفة تتماشى مع الصبغة التي يكتسيها الملك الغابوي بدون تأثير على الملك العام، ومطابقة لتوجيهات التصاميم المعمارية إن وجدت، مع التقيد بإرجاع حالة البقعة المعنية إلى ما كانت عليه عند انقضاء مدة الاحتلال المذكور، ثم المقايضة العقارية بموجب مرسوم لرئيس الحكومة ينشر في الجريدة الرسمية، في إطار ضم الأراضي الغابوية من أجل توسيع مساحة الملك الغابوي، فضلا عن الفصل عن النظام الغابوي بموجب مرسوم لرئيس الحكومة ينشر في الجريدة الرسمية، بالنسبة للأراضي التي تعبأ لإنجاز بعض المنجزات ذات منفعة عامة (بناء الطرق والسدود والمؤسسات العمومية…) لفائدة قطاع وزاري فقط. وعليه، تقول المندوبية، فإنه بقوة التشريع الغابوي الجاري به العمل، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصير قطعة تابعة للملك الغابوي في ملكية فرد أو مجموعة إلا في إطار المقايضة العقارية. وحسب المندوبية، أيضا، فتحديد الملك الغابوي عملية تهدف إلى وضع وإرساء حدود قارة وواضحة بين الملك الغابوي للدولة وأملاك الخواص، مما يمكن من تكريس وضمان ممارسة حقوق الانتفاع المعترف بها للسكان المحليين داخل الفضاءات الغابوية، وكذا التصدي لحالات الترامي على الملك الغابوي ومحو القرينة الغابوية بالحرث والاحتلال، مما يهدد ديمومة النظم البيئية ويتسبب في اختلالات تضر بالتوازنات وتخل بالموارد الطبيعية وتسبب تدهور المياه والتربة والانجراف. وعمليات التحديد لا تقوم بها الادارة، بل تنجز من طرف لجنة إدارية مختصة مكونة من قائد المنطقة بصفته رئيسا معضدا بأعوانه من الشيوخ، ومن مهندس للمياه والغابات ممثلا عن السلطة المكلفة بالمياه والغابات. إلا أن هذه اللجنة يمكن لها أن تستعين عند الضرورة بالمنتخبين وبجميع الفاعلين، بمن فيهم المجتمع المدني، قصد إنجاز المهام المنوطة بها في أحسن الظروف وطبقا للقانون. وتجرى هذه العمليات بعلم وبحضور السكان المحليين، الذين يمكنهم إثارة الملاحظات التي يرونها ضرورية أمام اللجنة المختصة بالتحديد النهائي، التي تختص بدراستها وبالبت فيها، ذلك أنها تعمد إلى إدخال تعديلات على حدود العقار من أجل تلبية المطالب المشروعة والمشفوعة بالوثائق والأدلة الدامغة الكافية لإثبات صحة ملكية العقارات المتنازع عليها طبقا لما يقتضيه القانون. أما التعرضات التي لم تتم الاستجابة اليها، فيتم تقييدها في محضر التحديد وتحال على أنظار المحاكم المختصة من أجل النظر فيها، في حال ما إذا تم تثبيتها بتقديم مطالب للتحفيظ في شأنها لدى المحافظة العقارية المعنية. نوفل البوعمري*: هناك حالات لتملك الأراضي عن طريق التحايل خاصة تلك التي تظل خارج نطاق المراقبة - غالبا ما تنشأ نزاعات بين أفراد أو قبائل حول مساحات أرضية تصل إلى القضاء، والمثير أن كل طرف يدلي بوثائق «تثبت» أحقيته فيها، وهذا يصبح موضع تساؤل حول قيمة شواهد الحيازة والتملك التي يتم تقديمها؟ أغلب النزاعات التي تصل للقضاء، خاصة تلك التي تتعلق بشقيها الجنحي حينما يتعلق الأمر بشكايات الترامي التي- وإن كانت تعطي الحق للطرف الذي كان يستغل القطعة الأرضية، فإنها لا تكون دليلا نهائيا على البت في من له حق الحيازة الكاملة لها، مما يطرح إشكالات عديدة- ثم المدني التي يبقى القسم العقاري هو المختص بالبت فيها، لأن القضاء يكون مطالبا بالبت في الدعاوى انطلاقا من قيمة الحجج التي يتم تقديمها، والاحتجاج بها من أجل إثبات أحقية كل طرف في ادعائه. لذلك فالقيمة القانونية لهذه الوثائق هي محددة انطلاقا من القواعد الفقهية، والقواعد القانونية المنصوص عليها التي تكون حاسمة في ترجيح كفة الوثائق المدلى بها، ومع ذلك، فإن طبيعة النزاعات لا تقف عند هذا الحد، بل في الكثير من الأحيان تتحول وتتطور، خاصة عند عدم «اقتناع» الطرف الخاسر للدعوى بالحكم، فنكون أمام جرائم وإشكالات اجتماعية خطيرة تهدد أحيانا التماسك المجتمعي. – ما هي الحجية القانونية لبعض الرسوم التي يحررها عدول في الغالب ويدلي بها مواطنون، (بعضها يعود للفترة الخليفية في الشمال) والتي تخص ملكية بعض الأراضي؟ وكيف يتعامل القضاء مع هذه النوازل؟ تجب الإشارة بداية إلى أن إصدار هذه الرسوم مرتبط أساسا بفترة الحماية التي فرضت على المغرب سنة 1912، خاصة في الجهة الشمالية التي كانت معروفة بالمنطقة الخليفية، ونظرا لأهمية العقار في هذه المنطقة، فقد عمد المشرع إلى إصدار مجموعة من التشريعات حاول من خلالها تنظيم العقار في المنطقة الخليفية، فأصدر بداية الظهير الخليفي لفاتح يونيو 1914، وهو الظهير المتعلق بتنظيم السجلات العقارية في المنطقة الخليفية، كما قام بإصدار العديد من التشريعات التنظيمية للأملاك المخزنية والغابوية، ثم ظهير 4 أكتوبر 1930 المنظم للعقارات العادية أو غير المسجلة. وبناء على ذلك، فقد تم إنشاء العديد من الرسوم العقارية الخليفية في هذه الفترة لفائدة الخواص وكذا الدولة، وبعد حصول المغرب على الاستقلال، عمد إلى القيام بمجموعة من الإصلاحات التشريعية، التي تهم هذا الجانب بغية تنظيمه، وبالنظر إلى وضعية ما بعد الاستعمار، خاصة مع عدم وجود أطر مغربية كافية، قامت الدولة من خلال ما أسمته بالمرحلة الانتقالية بتسجيل هذه العقارات وفقا للظهير الخليفي بين سنتي 1965و1966 ثم بعدها صدر المرسوم الملكي بتاريخ 24 أكتوبر 1966، الذي مدد نظام التحفيظ العقاري المعمول به في المنطقة الوسطى إلى منطقة الشمال، مع العمل بمسطرة خاصة لتحديد العقارات الموضوعة لها الرسوم الخليفية وغيرها من النصوص القانونية، وصولا إلى القانون العقاري مع تعديلاته المدخلة بالقوانين رقم 14.07 و39.08 و31.09. وقد طرح الإشكال اليوم من حيث القيمة القانونية لهذه الرسوم، خاصة أنها تثبت حيازة أصحابها لهذه القطع الأرضية لمدد طويلة جدا، مما يخول لهم حقا فيها، ويجعلهم من الناحية الواقعية هم المالكين لهذه القطع، خاصة مع توارثها، هذا الواقع أجاب عنه القضاء المغربي خاصة منه في المنطقة الشمالية، اعتبارا لكون هذا الإشكال مطروح في المنطقة التي كانت تعرف بالخليفية، حيث أسس اتجاها قضائيا يعتبر هذه الرسوم لا تثبت التملك، بل تعتبر مجرد رسوم وعقود تأسيسية لحق التملك، وهو اتجاه يحتاج لإعادة النظر فيه، على اعتبار أن جميع شروط الحيازة المنصوص عليها في المادتين 239 و240 من القانون العقاري تكون متوفرة من وضع اليد، التصرف فيها تصرف المالك… إلى غيرها من الشروط وهذا ما ينشئ عدة نزاعات مع إدارة الأملاك المخزنية وإدارة المياه والغابات. - هل يمكن أن نتحدث عن وجود شبكات منظمة تستغل الفراغ القانوني وحالة التسيب التي تميز استصدار الشهادات العدلية وتقديم الشهود للاستيلاء على الأراضي سواء المملوكة للخواص أو تلك التابعة للملك الغابوي؟ لا يمكن الحديث عن الفراغ القانوني في ظل القانون العقاري الجديد، خاصة مع آخر التعديلات المهمة المدخلة عليه، التي حاولت الإجابة على مجموعة من الإشكالات التي ظل يطرحها العقار، خاصة غير المحفظ منه، أو الذي لا يتوفر أصحابه على رسوم ووثائق تثبت امتلاكه لهذه القطع الأرضية، رغم أنهم عمليا هم من يستغلونها ويحوزونها. لكن هناك جانب آخر من هذا الملف، هو المتعلق باستغلال هذه الوضعية من أجل السيطرة وتملك قطع أرضية عن طريق التحايل، من خلال غياب مالكين حقيقيين لمجموعة من القطع الأرضية، التي تظل خارج نطاق المراقبة، سواء من طرف الإدارة أو المياه الغابات، مما يسهل عملية السطو عليها عن طريق رسوم عدلية يتم إبرامها لا تصل حجيتها لقيمة «رسم الملكية»، لكن من خلالها تتم محاولة خلق واقعة قانونية هي في الأصل غير موجودة، واختلاق وضعية تملك تستند على رسوم ووثائق يكون الشهود هم الطرف الحاسم فيها. - أي صلة بين هذه العمليات وبين زراعة القنب الهندي المنتشرة بكثرة في المناطق الشمالية، خاصة مع حاجة المزارعين في كل مرة إلى مساحات جديدة تتوفر فيها الشروط المطلوبة؟ لا يمكن ربط هذه العملية بانتشار زراعة القنب الهندي في مجموعة من مناطق الشمال، كما أن هذه الزراعة بدأت تتوسع لتشمل مناطق خارج الجهة الشمالية، فانتشار القنب الهندي وزراعته راجع بالأساس إلى عدة عوامل، منها صمت الدولة في فترات ما خاصة مع بداية التسعينيات على هذه الظاهرة، وكذا للظروف الاجتماعية لسكان المنطقة، خاصة في جانبها المتعلق بالتنمية الحقيقية التي توفر العيش الكريم للسكان. ولا يجب أن ننسى وضعية التهميش الكبيرة التي طالت هذه الجهة لسنوات طويلة، واٍن كانت الدولة اليوم تعمل على محاولة استدراك الأمر من خلال القيام بمجموعة من المبادرات. وعودة للسؤال حول الصلة بينهما، فالجواب يكمن في معالجة المشكل من عمقه، وفي جميع أبعاده الاجتماعية، السياسية والثقافية. فازدياد أعداد السكان بالعالم القروي، ووجود يد عاملة نشيطة لا تتوفر على مورد رزق، وأمام ضيق الحاجة، يتم في بعض الأحيان الترامي على الملك الغابوي من أجل القيام بالنشاط الفلاحي سواء المشروع منه، أو غير المشروع. وهذه العملية لا تشمل فقط زراعة القنب الهندي، بل العديد من الملفات الرائجة أمام المحاكم، التي تتعلق بالترامي على الملك الغابوي وترتبط بالنشاط الفلاحي المشروع، نظرا لخوف الساكنة التي تلجأ عادة لزراعة القنب الهندي في أراضيها. * محام بهيئة تطوان