«الإنترنت بحر واللي ميعرفش يعوم ميتلاحش فيه» بهذه العبارة وصف لنا أحد «أرناكورات» واد زم تمثله للإبحار على صفحات الويب، إذ يعدون أنفسهم «أسياد الإنترنت»، خبروا تقنيات الإبحار داخل عوالمه وجني الأموال منه، تارة بإتيان بعض المهن المرتبطة بالإنترنت وفي أحايين كثيرة بتحصيل الأموال الكثيرة عبر الابتزاز والنصب الرقمي، الذي يشكل الخليجيون أهم ضحاياه نظرا لهوسهم الجنسي وشغفهم بالمغربيات. لقد استحال هذا الفعل الجرمي ظاهرة بالمدينة، حتى بات كل ملاحق على ذمة الابتزاز الرقمي متحدرا منها. هي «مدينة الشهداء» أو باريس الصغرى، كما نعتها المعمرون…كانت لها أدوار طلائعية في المقاومة والتحرير، لكنها أضحت اليوم عاصمة للاحتيال الجنسي عبر الإنترنت. بدأت وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية تتداول أخبار وقصاصات حول ظاهرة «الأرناك»، منذ ثلاث سنوات تقريبا، حيث كان يطلع علينا من حين لآخر خبر مفاده اعتقال شاب متهم بتصوير ضحاياه في أوضاع خليعة، قبل أن يعمد إلى ابتزازهم بالملايين. لكن في الآونة الأخيرة تناسلت تلك الأخبار بكثرة. مبرزة أن «الأرناك» بات ظاهرة يقض مضجع الباحثين عن الإثارة والجنس عبر شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وكذا الجهات الأمنية التي ما فتئت تتقاطر عليها الشكايات من كل حدب وصوب من جهة أخرى، لأن من جملة الضحايا كان هناك دبلوماسيون أجانب، وشخصيات لها مراكزها الاجتماعية. من قبيل إطار رياضي وطني مشهور قاده حظه العاثر بين براثن الشباب المتعاطين لنشاط «الأرناك»، حيث يروي لنا شهود عيان، عن زيارته قبل شهور لمفوضية الأمن بمدينة واد زم، بغية تسجيل شكاية ضد شاب قام بتصويره عاريا في أوضاع إباحية، بعد أن ابتزه في مبالغ مالية مهمة. رغم ذلك، ظلت الظاهرة ملفوفة بكثير من التساؤلات، خاصة وأن كل خيوط التحريات الأمنية كانت تقود إلى مدينة صغيرة وهي واد زم، بحكم أن شباب «الأرناك» كانوا يسحبون مبالغ الابتزاز من وكالاتها المخصصة لإرسال واستقبال الحوالات المالية، وقادت التحقيقات في كل واقعة إلى اعتقال أحد الشباب بالمدينة. وظل هذا الواقع يتكرر بوتيرة منتظمة حتى تفاجأ الرأي العام الوطني بسقوط ضحية استثنائية، وهو نائب برلماني مغربي. تم تصويره –بدوره- عاريا يمارس العادة السرية على سريره، قبل أن يعمد «الأرناكور» إلى ابتزازه بمبلغ ثلاثة ملايين سنتيم تلقاها، بعد أن أرسل له الضحية في وقت سابق مبلغ ثلاثة آلاف درهم عقب واقعة الابتزاز الأولى. لكن، في نهاية دجنبر من السنة الفارطة، تمكنت عناصر الشرطة القضائية من الوصول إلى هوية الشاب المتهم، بعد أن تقدم ضده النائب البرلماني بشكاية بمدينة تمارة، وأظهرت التحريات أن المتهم سحب المبلغ المذكور عن طريق وكالة لتحويل الأموال بمدينة وادي زم. فأن يكون من جملة الضحايا، أناس نافذون اجتماعيا سواء من داخل المغرب أو من خارجه، فذاك أمر مستساغ. لكن أن تمتد يد هؤلاء الشباب العابثين إلى نائب برلماني ممثل للأمة، فذاك أمر غير مقبول، حيث أن تسجيل الشريط الإباحي الخاص به، يعد أكبر دليل على اختراق حاسوبه الشخصي وكل المعطيات المخزنة بداخله. كما تجدر الإشارة إلى أن جميع الشكايات التي سجلت بصدد الموضوع، كانت تقود تحرياتها إلى مدينة واد زم الفوسفاطية، تلك المدينة الصغيرة التي طالما اشتهرت بتصدير «الحراكة» الذين كانوا مرشحين للهجرة السرية إلى الديار الأوربية. وعلى ضوء الأبعاد المستجدة التي اتخذتها الظاهرة، قررت «المساء» شد الرحال صوب تلك المدينة وسبر أغوار وطلاسم الظاهرة، بعد أن صارت واد زم أشهر من نار على علم، فحتى بعض الشكايات التي سجلت في مدن أخرى بالمملكة مثل فاس أو مراكش أو طنجة كان «أبطالها» شباب يتحدرون من واد زم. فمن هم هؤلاء الشباب المتعاطين للظاهرة؟ وكيف استطاعوا احتراف «الأرناك» الذي أصبح مثل بقرة حلوب يذر الملايين دونما أدنى جهد؟ وما هي مختلف التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للظاهرة؟ أسئلة ضمن أخرى يحاول الملف التالي ملامستها. عندما يقود البحث عن اللذة والجنس إلى براثن النصب والابتزاز واد زم.. المدينة الفوسفاطية التي تحولت إلى عاصمة الآرناك بالمملكة كانت الساعة تشارف الثانية بعد الزوال، حينما توقفت بنا الحافلة في المحطة الطرقية لواد زم، والتي لم تكن سوى ساحة محاطة ببعض المقاهي التي تعود ملكيتها لمهاجرين سابقين بالديار الأوربية، إلا أنها تقع في قلب المدينة التاريخية وتعرف جلبة المارة وحركة للمواصلات جيئة وذهابا في جميع الاتجاهات، اتصلنا بوسيطنا المفترض وهو مراسل صحفي محلي، لنجده جالسا بإحدى المقاهي في انتظارنا. هي مدينة صغيرة، بالكاد تمر منها حافلة تربطها بباقي مناطق المغرب، إلا أن شبابا يتحدرون منها لم يأسرهم ضيقها، في البحث والإيقاع بالضحايا الباحثين وراء اللذة والجنس من أقصى بقاع الدنيا، وجلب نقودهم إلى حاضرتهم المنسية في غياهب الإهمال… تعمدت الجلوس مع وسيطي في الفناء الخارجي لإحدى المقاهي، ليتسنى لي ملاحظة حركة مركز المدينة عن كثب، وما إن استقلينا مقاعدنا حتى بادر وسيط «المساء» دونما أسئلة : «هاذ العفاريت مشاو بعيد ومرونينها..»، مضيفا «هاذ «الأرناكور» الأخير الذي قبض عليه راه لقاوه ساحب جوج حوالات جايين»من إسرائيل»، lمعلقا بأن «المخزن» ينزع مؤخرا للتشديد مع هؤلاء الشباب المتعاطين ل«الأرناك». ففي السابق لم تكن مدد الأحكام تتجاوز شهرين أو ثلاثة، أما اليوم فآخر حكم تم النطق به وصل سنة ونصف سجنا في حق أحد الشباب. استفسرته عن إمكانية لقاء أحد هؤلاء الشباب، فأجاب: «إنهم في كل مكان، يكفي ملاحظة شكل لباسهم وتسريحة الشعر وكذا سياراتهم التي يتجولون بها..»، وما إن أكمل حديثه حتى طلب إلينا التطلع إلى صاحب سيارة «باصاط» كان بصدد ركنها، كان شابا أنيقا في العشرينيات من عمره، تفاجأت لمنظره الذي لا يوحي بالأفعال المنسوبة لهؤلاء الشباب من خداع وابتزاز لرواد الإنترنت، وبعد مدة قصيرة دلنا وسيطنا كذلك على إحدى السيارات الأخرى التي كانت في مدار الدوار قبالة ساحة المحطة: «هاذ المرسيديس تعود بدورها لأحد «الأرناكورات»، اقتناها لوالده وساعده ماليا في إضافة طابق لمنزلهم…». لقد كانت الدقائق الأولى من اللقاء مع هذا المراسل الصحفي المحلي، كافية لأخذ صورة أولية عن حجم ظاهرة «الأرناك» واستفحالها بالمدينة. وكذا الأريحية المادية التي يعيشونها من خلال المداخيل اليومية لعمليات الابتزاز الجنسي… بعد دقائق قليلة، انضم إلى طاولتنا رجل ستيني، وهو ناشط مدني متقاعد من المكتب الشريف للفوسفاط، لم يتردد بدوره في توصيف الظاهرة قائلا: «المدينة مهمشة، لا مرافق، لا مؤسسات تربوية، شباب المدينة لا يجدون أمامهم إلا «الأرناك»، لكن المصيبة ستكون بعد انصرام هذه «الموضة» وحينها سيصطدمون مع واقعهم الذي طالما حاولوا الفرار منه..»، قاصدا واقع الحرمان المادي والثقافي الذي تتخبط فيه المدينة منذ الاستقلال، الذي قاد رأسا إلى هذا التردي الأخلاقي والاجتماعي لدى الشباب، حتى بات غالبية شباب المدينة يمارسون «الأرناك»، في محاولة لتجاوز واقع الحرمان والعطالة… عقب هذه الصورة التي جمعناها حول شخصية «الأرناكور» الذين ينادوهم محليا ب»دراري»، تطلعنا لملاقاتهم بقصد فهم أعمق لدوافعهم، والوضعيات الاجتماعية التي يعيشونها، فبادر رفيقي إلى الاتصال هاتفيا بأحدهم، هذا الأخير الذي رفض رفضا حاسما ملاقاة «المساء» بدعوى اعتبارات أمنية، حيث أن جل شباب «الأرناك» يعدون في وضعية متابعة، لا ينقصهم سوى تسجيل إحدى الشكايات من لدن أحد الضحايا، ليلقى عليهم القبض بتهم «الابتزاز وتصوير مشاهد إباحية..». رغم رفضهم المبدئي، أصررنا من جانبنا على لقائهم، فتوسلت وسيطي، أن يدلني على أماكن تجمعهم من قبيل المقاهي أو نوادي الإنترنت (سيبير) التي يرتادونها، حينها، أنجز مكالمة قصيرة، وطلب مني مرافقته لمشوار قصير، حيث أننا لم نترجل كثيرا حتى التقينا شابا في الشارع الرئيسي للمدينة، وما إن صافحناه حتى بدأت»كرة الثلج» تتجمع وها نحن وجها لوجه مع «أبطال الأرناك»، وكانت أول جملة فاه بها أحدهم بعد التحية هي: «هاذ الشي اللي كنديرو راه والو بالمقارنة مع داك اللي دا 22 مليار..»، وكان أول ما شدني في خطابه هو ثقته الزائدة بالنفس، وكذا الأخبار التي بدأت المجموعة في تداولها، من حين لآخر، الاعتقالات التي همت زملاءهم على ربوع المملكة، حيث كان كل وافد على المجموعة يأتي بخبر اعتقال أو جديد متابعة قضائية، من قبيل «فلان راه عطا للقاضي في الابتدائية 6 مليون، وخدى عام..» ليعقب عليه آخر : «الدراري راهوم عاقو، ماكانش عليه يعطي لفلوس هنا..يبقى حتى الاستئناف في خريبكة وتم يفاريها..». ترجلنا بضع خطوات في الوقت الذي كان أحد «الأرناكورات» يحكي مغامراته الليلية مع أحد العناصر الأمنية الذي تنازع معه حول مكان لركن السيارة، لنجد أنفسنا في إحدى المقاهي المحترمة بالمدينة، وبعد أن ركن الجميع سياراتهم ودراجاتهم. أخذنا مقاعدنا والحيطة بادية على وجوههم، فلم ينبسوا بكلمة وتركوا المجال ل»خطيبهم» المفوه الذي استغل لقاءنا، فبادر إلى انتقاد الملاحقات القضائية، بدعوى أنها لا تتأسس على أمور واقعية وأدلة ملموسة، بما في ذلك محاضر الضابطة القضائية وشكاية الضحية X، مبادرا إلى التهكم من رجال الأمن الذين «لا يفهمون في مواضيع المخالفات والجرائم الرقمية..ولا يتوفرون على شرطة مختصة» قبل أن يشبههم ب «الحمار اللي عطاوه وردة يشمها كلاها..». بوجه مكشوف، شرع الشاب «الأرناكور» في مداخلته، شارحا لنا الفروقات الكائنة بين كل من «الهاكر» الأبيض والأسود، وأن شركة ميكروسفت تعقد لهم مؤتمرا سنويا بأمريكا و…، قبل مباغثته بسؤال مباشر : «هل تعتبرون أنفسكم هاكر..؟» فتهرب من الجواب مناورا في حديثه: بأن هناك عوامل عديدة تدفع بالشباب «الدراري» إلى «الأرناك» يظل أهمها الفراغ، وواقع البطالة التي فرض عليهم قائلا: « أنظر إلى هذه المدينة الصغيرة، هل يظهر لك أي مصنع أو شركة لوضع سيرة ذاتية؟»، مواصلا : «الدراري غي أكباش فداء..»، ويقصد من وراء عبارته الأخيرة بأن من ضمن الضحايا شواذ جنسيون لا يملون في البحث عن ضحايا مفترضين بالمغرب، وأن القضاء ب»أحكامه الجائرة» يشجعهم في مساعيهم تلك، وهنا تدخل «أرناكور» آخر صائحا : «لماذا لا يتم متابعة الضحايا كذلك على أوضاعهم الإباحية تلك..أم أننا نظل الحائط القصير..»، مواصلا : «إن من بينهم دعاة ورجال دين، ما أن تواجهه بالفيديو المسجل، حتى ينبري في موعظتك للتوبة وبأنه حج البيت ثلاث مرات..» والمثير-بحسب الشباب «لارناكور»- أن الضحايا لا يسجلون شكاياتهم بالمصالح الأمنية لبلدانهم وإنما يضعونها لدى سفارات المغرب ببلدانهم، التي تحيلها بدورها إلى وزارة الخارجية، ومن تم على النيابة العامة التي تحرك الدعوى العمومية، ويعلق أحد الشباب على ذلك بكون «الدول الخليجية تجرم تصوير تلك المشاهد الإباحية، وأن نظام الحسبة المعمول به هناك لن يستثنيهم من العقاب..» ومن جملة الطرائف التي قصها علينا هؤلاء الشباب بأن العديد من الضحايا عرضوا عليهم-على أساس هوياتهم المزورة- إرسال فيزا بقصد الالتحاق بهم بدولهم، ومنهم من عرض عليهم زواج متعة عبر الكام، كما رووا لنا قصص النصب والابتزاز التي انقلبت إلى صداقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن الضحايا من وفد للمغرب بقصد ملاقاة الشاب الذي أوقع به، كما هو حال أحدهم الذي اعتذر منصرفا. لأنه مسافر لمدينة مراكش بقصد ملاقاة أحد ضحاياه السابقين من إحدى الدول الخليجية. فبعد حادثة الشاب الكويتي الذي انتحر، عقب ابتزازه من لدن أحد شباب واد زم. أصبح «الأرناكور» يحيطون ضحاياهم ب»رعاية نفسية» أثناء أطوار عملية النصب، فبعد مفاجأة الضحية بالعبارة المأثورة «معك محمد من المغرب» وإرسال الشريط الإباحي له، يتعمد «الأرناكور» الدخول معهم في دردشة مازحة ويرسلون لهم بعض الصور الكاريكاتورية المضحكة حتى لا يبقى الضحية تحت وقع الصدمة. وبعد اطلاعنا على أحد الحوارات التي دارت بين «أرناكور» وأحد ضحاياه، تبين أن الواقعة-الابتزاز- تأخذ طابع استجداء وتوسل في أحايين كثيرة عوضا عن لغة الابتزاز التي تساهم في التدمير السريع لنفسية الضحية. «الإنترنت بحر واللي ميعرفش يعوم ميتلاحش فيه» بهذه العبارة وصف لنا أحد «أرناكورات» واد زم تمثله للإبحار على صفحات الويب، إذ يعدون أنفسهم «أسياد الإنترنت»، خبروا تقنيات الإبحار داخل عوالمه وجني الأموال منه، تارة بإتيان بعض المهن المرتبطة بالإنترنت وفي أحايين كثيرة بتحصيل الأموال الكثيرة عبر الابتزاز والنصب الرقمي، الذي يشكل الخليجيون أهم ضحاياه نظرا لهوسهم الجنسي وشغفهم بالمغربيات. لقد استحال هذا الفعل الجرمي ظاهرة بالمدينة، حتى بات كل ملاحق على ذمة الابتزاز الرقمي متحدرا منها. هي «مدينة الشهداء» أو باريس الصغرى، كما نعتها المعمرون…كانت لها أدوار طلائعية في المقاومة والتحرير، لكنها أضحت اليوم عاصمة للاحتيال الجنسي عبر الإنترنت. لماذا تطورت الظاهرة بهذا الشكل المفزع؟ وما هي مختلف أبعادها الاجتماعية والثقافية؟ تلك أسئلة نحاول ملامستها في التحقيق التالي. البداية… إن احتراف شباب وشابات واد زم لظاهرة «الأرناك» لم يأت من فراغ، إذ يرجع تاريخ ظهورها لبداية الألفية حوالي سنة 2002، في هذا الصدد، يعلق رشيد الريفي مراسل خريبكة 24: «بعد تراجع الشغف بالهجرة السرية «لحريك» أصبح الشباب يتعاطون للإنترنت، ببيع الرموز الخاصة بمواقع اللعب..قبل أن ينقلب الأمر إلى ابتزاز الخليجيين بواسطة فيديوهات فاضحة..»، لقد كانت البداية الأولى مع مواقع اللعب، وهو الأمر الذي أكده أحد «الأرناكورات» الذين قابلناهم، نشأ معه تحصيل مبالغ مالية –متواضعة-. إذ كان يجمع «الأرناكور» عددا معينا من الرموز، التي تحصل عليها بواسطة النصب على مرتادي مواقع الدردشة والباحثين عن الإثارة الجنسية، الذين كان في السابق يشكل الأوربيون نسبة مهمة منهم، حين كان يقوم «الأرناكور» بعرض مقاطع ساخنة للباحث عن الإثارة وتوسله لمده بالمقابل، برموز اللعب التي يتم تحويلها لاحقا، على مواقع اللعب بمبالغ مالية بقيمة 1.5 أورو للرمز، بعد أن اقتناه صاحبه الأصلي ب 3 أوروهات. وكان»الأرناكور» –سابقا- يكد ويجتهد لجمع أكبر عدد من الرموز، قبل أن يعمد إلى تحويلها نقدا وتسلمها عبر إحدى وكالات تحويل الأموال. بالرغم من أن التعبيرات الأولى لظاهرة «الأرناك» كانت تتم على مواقع اللعب، إلا أن مداخيل ابتزاز «الأرناك» الحالي للخليجيين يذر أضعاف ما كان تذره رموز اللعب، فمقارنة ما معدله 5000 درهم شهريا، التي كان «الأرناكور» يتحصل عليها سابقا، بات المبلغ جد متواضع أمام المداخيل الهامة للابتزاز الحالي والتي تناهز الملايين من السنتيمات أسبوعيا. مداخيل بالملايين «الفلوس عندهوم بحال الشتا ومكيتواوش..» هكذا علق أحد أصحاب وكالات كراء السيارات بواد زم، الذي اعتاد «الأرناكورات» كراء سياراته، مبرزا مدى الأريحية المادية التي يتواجد عليها محترفو الظاهرة. يتلقون بصفة يومية مبالغ مهمة من جميع بقاع العالم يظل أقلها 2000 درهم للتحويلة، التي قد تصل –أحيانا-إلى 5 أو 10 ملايين سنتيم عبر وكالات وستورن يونيون أو موني غرام للإرساليات المالية السريعة. التي تنتشر مثل الفطر بجميع أحياء وشوارع وأزقة واد زم، وتسهل توصل القراصنة بمبالغ الابتزاز. جل قضايا الابتزاز التي توبع من أجلها «الأرناكورات» أبرزت أن المبتزين تلقوا ملايين السنتيمات، وهو الأمر الذي عايناه عن قرب بمدينة واد زم، إذ وقفنا على حالة شاب ذي 16 سنة، قام والده بتعنيفه بعد اكتشاف أن ابنه «أرناكور» وقام بطرده خارج المنزل، فما كان من الشاب إلا أن اقتنى فيلا ب 83 مليون سنتيم بمنطقة وادي الذهب. ليفاجأ الأب بحجم الأموال التي يتوفر عليها ابنه، قبل أن يعمد إلى مصالحته… كذلك تعكس الحالة الاجتماعية المترفة التي يعيشها «الأرناكورات» الذين التقيناهم ذلك، فكلهم يركبون سيارات فارهة من نوع «باصاط» آو «زيبرا» أو دراجات نارية كبيرة، فيما بعضهم آثر استثمار جزء من مداخيله في مشاريع مثل المطاعم أو المقاهي وحتى شراء العقارات. «أرناك» بصيغة المؤنث لم يعد أمر الاحتيال الرقمي عن طريق الفيديوهات الفاضحة مقتصرا على فئة الذكور من الشباب، إذ أضحت الفتيات بدورهن مساهمات في إنتاج الظاهرة، ويتجلى ذلك عبر مستويين: أولا، أن الفتيات بدورهن بتن يستدرجن الضحايا من الخليجيين واستثارتهم بمناظر جنسية، قبل أن تعمدن بدورهن إلى ابتزازهم مقابل المال، ثانيا، ويتجلى في استعاضة الشباب الذكور عن الفيديوهات الساخنة-المفبركة- التي كانوا يغرون عبرها الضحايا حتى يقعوا في وضعيات جنسية خليعة، بفتيات حسناوات تم استقدامهن لهذا الغرض. عن هذا يؤكد ل»المساء» عبد العزيز لعسلي، وهو ناشط مدني بالمدينة، أن الفتيات بدورهن أصبحن يتعاطين للظاهرة، فيكفي جولة سريعة حول الثانويات لترى مصاحبة طالبات السلك الثانوي ل»ليزارناكور» الذين يكرمونهم بآلاف الدراهم ناهيك عن اللباس ووسائل التجميل من مساحيق ومواد تجميلية، إضافة إلى صنف آخر من الفتيات يتم جلبهن من منطقة الأطلس المتوسط يشتغلن بدورهن مع شباب «الأرناك» مقابل ثمن يتراوح ما بين 1000 و 2000 درهم لليلة الواحدة، التي يقضونها في إغراء الضحايا الخليجيين. ينضاف إلى كون العنصر الأنثوي لا يقتصر على الإثارة فقط، إذ تتدخل فتيات في مرحلة معينة، ألا وهي مرحلة تحصيل الأموال من وكالات التحويل السريع، وقد تكون من عائلة الشاب المحتال، كما هو حال تلميذ بالمرحلة الثانوية قضت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بمدينة واد زم في حقه بأربعة أشهر سجنا نافذا بتهمة الابتزاز والتهديد بنشر صور ماجنة، فيما ارتأت أن تقضي قي حق والدته بما قضته على ذمة التحقيق تحت صك اتهام يتعلق بالمشاركة. وكانت النيابة العامة قد توصلت بشكاية من دولة اليمن ورد فيها أن أحد مواطنيها تعرض للتهديد بنشر صور له متحصل عليها بطريقة « لارناك « قبل أن تعمد الأجهزة الأمنية بالمدينة على البحث في الموضوع من خلال الرجوع إلى سجل المبالغ الواردة على إحدى الوكالات، وشكل تطابق المبالغ المالية مع اسم إحدى السيدات التي سبق وأن سحبت المبالغ نفسها انطلاق مسار البحث التمهيدي للوصول إلى الجاني الحقيقي. وفور اعتقال أم التلميذ وإخضاعها للتحقيق اعترفت أن ابنها ظل يستعمل بطاقتها الشخصية لاستخراج الأموال المحولة، مما جعل الأم تدخل اللعبة بصفتها شريك في عملية النصب والابتزاز. أحياء بأكملها… هي ظاهرة هامشية بامتياز، نشأت على أطراف المدينة، قبل أن تصير عامة، يتعاطى لها معظم الشباب المتمدرس وحتى بعض البالغين من الموظفين. ظهرت بالأحياء غيرالمهيكلة مثل الحرشة، والزيدانية، وسكيكيمة، ولمطوع، ودالاس ولحسكة ودرب الدخان، إضافة إلى الحي الشهير وهو درب المسيرة. إذ يمكن القول إن محترفي «الأرناك» يتحدرون من أوساط فقيرة معدمة، كان دافعهم الأساسي هو البحث عن المال والاغتناء بأي وجه، ولو كان على حساب سمعة المدينة، بهذا الصدد يقول أحد» الأرناكورات» الذين التقتهم «المساء»: «بالكاد وصلنا لمرتبة العيش الكريم، أما مسألة الاغتناء من «الأرناك» فأظن أنها مازالت بعيدة…»، فبعدما كانت تلك الأحياء تعرف ظواهر الانحراف والجنوح، صارت اليوم مركزا لعمليات «الأرناك»، وأصبح جميع الشباب يمارسون «المهنة» الجديدة. التي لا تتطلب عناء كثيرا سوى «فعل ما يفعله الآخرون..»، بهذا الصدد أكد لنا أحمد سربوتي مسؤول فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: «لقد صارت منازل كل هذه الأحياء غير المهيكلة مرتبطة بالإنترنت، وما أن يحل المساء حتى تفرغ أزقة الأحياء من الشباب، وهناك عائلات كثيرة هي من زودت أبناءها بالحواسيب وشجعتهم على تلك الأعمال المشينة…» رغم إصرار أحد «الأرناكورات» الذين التقيناهم على أن الظاهرة يتعاطى لها جميع شباب وشابات المدينة، إلا أن استقصاءنا قادنا إلى أشهر المناطق وهي حي المسيرة، و درب المقاومة، ودار الضو، وهي بدورها أحياء غير مهيكلة تقع على أطراف المدينة، قد تنعدم العديد من الخدمات الأساسية إلا الربط بالإنترنت، الذي استحال ضرورة لا مندوحة عنها، للجنوح عبر شبكته. تبادل الخبرات والمعطيات بسبب احتراف أبناء واد زم لمهن الإنترنت التي تعاطوا لها منذ وقت مبكر، بجني الأموال على مواقع الأنترنيت نشأت بالمدينة سوق رقمية تطورت حتى باتت بالشكل الذي عليه اليوم، وكما كان في السابق يتم تداول المعطيات الخاصة بهذه الأنشطة المشروعة بين الشباب، فقد أصبحت ظاهرة «الأرناك» جزء من هذه السوق الرقمية، حيث بات الشباب «الأرناكور» يتبادلون فيما بينهم معطيات الضحايا وكذا البرامج الحاسوبية التي يحتاجونها في عمليات النصب والتمويه، إذ تقتضي «مهنة» «الأرناكور» إلماما بها، وكذا معرفة بنفسية الضحايا المرشح الإيقاع بهم. فقد يحصل أن يقول أحدهم «أنا طحت في واحد البير ديال لفلوس..» وبعد استنفاذه يقوم بتفويت المعطيات الخاصة به إلى باقي الأصدقاء في «الحرفة» الذين يمعنون في ابتزازه، حتى يفلس الضحية وتتحطم نفسيته، مما يدفع به إلى وضع شكاية في الموضوع لدى السفارة المغربية ببلده الأصلي، وقد يصل مسلسل الابتزاز أحيانا إلى ما لا تحمد عقباه مثل واقعة انتحار الشاب الكويتي الذي راح ضحية نصب وابتزاز لشاب من مدينة واد زم. وتعود تفاصيل هذا الحادث الذي هز مدينة واد زم إلى أواخر سنة 2013، حيث كان الشاب المغربي ينتحل صفة شابة من المغرب ويوقع بضحاياه حينما يظهر لهم عبر كاميرا مخادعة مقاطع فيديو لفتاة شبه عارية. واستطاع الشاب المغربي الإيقاع بهذا المواطن الكويتي بعد خداعه، طالبا إياه بإظهار فحولته، واستجاب هذا الشاب لطلبه وظهر عاريا بعدما تجرد من ملابسه. حينها لم يكن يعلم الضحية أنه يتواصل فقط مع شاب مغربي، لتنطلق معها قصة التهديد والابتزاز حيث أرسل الضحية في بادئ الأمر قيمة 10000 درهم حتى لا ينفضح أمام أهله وعائلته. لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد حيث طالب «الأرناكور» الضحية بإرسال مبالغ مالية مقابل عدم نشر الفيديو. لكن سيحدث ما لم يكن في الحسبان حيث لجأ الشاب المحتال، إلى التصعيد ناشرا الفيديو بعدما رفض الضحية إرسال مبالغ مالية إضافية. ومباشرة بعدما وزع الجاني فيديو الضحية على أصدقاء الضحية وعائلته التي تتواجد في لائحته على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، أقدم الشاب الكويتي على الانتحار، تاركا وراءه رسالة تحكي كل التفاصيل. عائلة الجاني توجهت إلى السفارة المغربية مباشرة بعد انتحار ابنها لتخبرها بالموضوع وتقوم بشكاية ضد الجاني، وبالفعل توصلت وزارة الخارجية المغربية بالشكاية وسلمتها لوزارة العدل. لما تضيق المدينة الصغيرة بشبابها «الآرناكور» بالرغم من أن الشباب «الأرناكور» بواد زم، يشتغل كل واحد على حدة. إلا أنهم يتكتلون في نظام شلل اجتماعية متضامنة فيما بينهم، ويتجلى ذلك في المناسبة التي يعتقل أو يلاحق أحدهم، حينما ينبرون لجمع مبالغ مالية بغية الدفاع عنه، أو في حال حادث سير، بواسطة دراجاتهم أو سياراتهم السريعة… إنهم جيل «الأرناك» الذين عوضوا فئة الشباب المهاجرين في السابق، الذين شكلوا فيما مضى مركز ثقافة الشباب وحلمهم في رحلة البحث عن الذات. يعيشون مجتمعين في إحدى الشقق يمارسون «الأرناك» بصحبة الفتيات خلال الليالي الصاخبة. إذ يشكل اللهو الوجه الآخر ل»الأرناكور» الذي ينفق فيه أموال الخليجيين…بهذا الصدد يعلق لعسلي وهو أحد الفاعلين المدنيين بواد زم : «الدراري راهوم تبلاو، وهناك حتى المخدرات الصلبة..، وحينما تنقضي فرصة اقتناص الخليجيين و»الأرناك»، سيمارسون السلب والنهب لا محالة..»، يشاطره الرأي أحد الإعلاميين الذي يقول بدوره بأن الظاهرة تكتنفها سلبيات عديدة يظل أهمها انحراف الشباب والشابات ومغادرتهم لقاعات الدرس مبكرا، تحت إغراء حياة اللهو والترف التي يعكسها الشاب «الأرناكور». عادة ما يفضل شباب «الأرناك» قضاء عطل طويلة بمدن سياحية مثل طنجةومراكشوفاس والدار البيضاء، ذلك لأن مدينة واد زم صغيرة جدا، يخترقها شارع وحيد، وسريعا ما يتم اكتشاف أمرهم داخل المجتمع المحلي، ويصيرون كذلك موضوع ابتزاز ومساءلة من لدن رجال الأمن، ومما يدل على ذلك هو أن العشرات من الشكايات التي سجلت تبين من خلالها أن الأموال تسحب من مدن عديدة إلا أن «الأرناكور» دائما يتحدر من مدينة واد زم.. ينضاف لهذا الهروب المجالي، هروب استثماري، فبعدما يجمع أحد الشباب ثروة لا بأس بها، يقوم بإنشاء مشروع اقتصادي مشروع والتوقف عن نشاط الأرناك»، ليذهب عنه متاهة سؤال من أين لك هذا؟» المجلس البلدي يتبع سياسة النعامة حيال استفحال نشاط «الآرناك» باستثناء الفاعلين الإعلاميين والمدنيين، الذين ما فتئوا يدقون ناقوس الخطر بشأن تنامي الظاهرة بالمدينة، وقفنا على تجاهل تام للسلطات والمجالس المنتخبة، فالظاهرة تجلب الأموال وبالعملة الصعبة، إضافة إلى مساهمتها في انتعاش الاقتصاد المحلي لوفرة مداخيلها وغياب بنيات إنتاجية للمدينة، حتى الأمن والقضاء بدورهما ينتهجان سياسة «كول ووكل..» حيث أكد لنا الشباب «الأرناكور» بأنهم بدورهم عرضة للتعنيف والابتزاز في حال اعتقالهم، وتصدر في حقهم عقوبات سالبة للحرية رغم أدائهم لبعض الرشاوى المهمة..، وفي سياق متصل يشير أحمد السربوتي عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن المجلس البلدي يتبع سياسة النعامة بخصوص الظاهرة واستفحالها، نظرا للغياب التام لمرافق القرب السوسيو تربوية، والافتقار إلى حركية ثقافية من شأنها بعث الحياة في أوصال المدينة. أحياء برمتها تتعاطى «الأرناك»، لم تتدخل المصالح البلدية لهيكلتها وإدماجها في مخططات تنموية حقيقية، فطيلة الولايتين السابقتين للمجلس، يضيف السربوتي لم يتم إنجاز أي مشروع حقيقي يعتني بالشباب، ناهيك عن التجاهل التام للظاهرة التي باتت مثل الدجاجة التي تبيض ذهبا، وتعفي مخططات التنمية المحلية من رصد الأغلفة المالية المقررة للنهوض بالمدينة التي كانت تشع بحركية المجتمع المدني سابقا.. أحمد السربوتي* : غياب المرافق السوسيو تربوية بالمدنية ساهم في استفحال الظاهرة في مداخلة لمسؤول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بواد زم، أكد على أن هناك شبه شلل في الحركية الثقافية بالمدينة ونشاط المجتمع المدني، طيلة ولايتين من عمر المجلس البلدي، ساهم في انتشار الظاهرة بالشكل الذي أصبحت عليه اليوم..كما نبه المتدخل نفسه إلى كون المقاربة الزجرية لا يمكنها أن تحل مشكل «الأرناك»، حيث أن الثلاثة أو الأربعة شهور التي يقضيها الشباب خلف القضبان في حال سجلت ضدهم شكاية ما، لا تعدو أن تكون بمثابة عطلة يقضيها «الأرناكور» خلف القضبان في ظروف جد جيدة، إضافة إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش عليها شباب المدينة، التي تشجعهم بدورها على تلك النشاطات غير المشروعة… من ناحية أخرى، أشار المتدخل ذاته إلى أن الهرم السكاني للمدينة هو هرم شاب، لا توازيه أية سياسة تشغيل أو ما شابه. اللهم مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط التي كانت-في السابق- تشغل الشباب العاطل، لكن مع إلغاء البند السادس من قانون المناجم الذي كان يقضي بتعويض العامل المتقاعد بالبنوك، واتجاه المكتب إلى تشغيل عمال مؤهلين وليسو عضليين، أصبح ولوج عالم الشغل مستحيلا لدى شباب واد زم التي تفتقر لأدنى البنيات الإنتاجية التي من شأنها أن تمتص عطالة الشباب. إلى جانب كل العوامل السالفة الذكر، فقد ساهمت موجات الجفاف التي ضربت المنطقة بين سنوات 1984-1985 و 1993-1992 في هجرة قروية مكثفة صوب المدينة ساهمت في تطور تعداد سكانها، وبروز أحياء عشوائية غير مهيكلة فاقت في نسبتها الأحياء المهيكلة، بدورها لا تتوفر على أية مرافق تربوية كفيلة بتأطير الشباب المحلي. كما يذكر في السياق ذاته، بأن المدينة تعرف إلى جانب ظاهرة «الأرناك»، افتعال الحوادث الوهمية بغية النصب على شركات التأمين، وهي ظاهرة موازية ل»الأرناك» بالمدينة تبرز مدى غياب المؤسسات المدنية مثل الجمعيات والأحزاب واضطلاعها بأدوراها التنويرية والتأطيرية التي من شأنها أن تضخ قيم المواطنة والإيثار. * مسؤول فرع جمعية المغربية لحقوق الإنسان بواد زم الأرناكور يطالبون بقضاء عادل ومساطر منصفة في بادئ الأمر رفض بعض الشباب المحترف ل»الأرناك» لقاءنا قبل إلحاح الوسطاء، ليقبلوا اللقاء بوجه مكشوف منصبين أحدهم للمرافعة عنهم، حيث ضربنا موعدا مع أحدهم بوسط المدينة، هذا الأخير الذي هاتف أربعة آخرين حضروا بسرعة البرق، وبعد أن ركنوا سياراتهم، آوينا إلى مقهى محترم بوسط المدينة قبل أن يشرع أحدهم في تقديم مختلف التسويغات لأفعالهم.. كل ما يقض مضجع هؤلاء الشباب، هو تشديد العقوبات أخيرا على المعتقلين منهم، حيث كانت الأحكام في السابق تتراوح بين 3 و6 أشهر قبل أن تقفز إلى سنة ونصف، ناهيك عن متابعتهم إلى جانب أفراد من عوائلهم بتهم تشكيل عصابة والابتزاز والنصب، يصرخ أحدهم في وجهنا : «أقاربنا لا يجيدون المعلوميات ولم يتعرفوا على أي ضحية، لماذا يتابعوننا بتشكيل عصابة، غي أنا وحدي فيا 100…»، ويتابع الشاب نفسه بأن المغرب لا يتوفر على شرطة إلكترونية مختصة، التي تبحث في مثل هذه الحالات عن الأدلة الملموسة لإرفاقها بملف الشكاية، إذ لا تكفي الشكاية لوحدها لتحريك الدعوى والمحاكمة دونما دليل ملموس، ويواصل بأن مختلف المعتقلين على ذمة «الأرناك» حوكموا بمساطر «غير مفهومة» وذلك بسبب غياب الضحايا وتنصيب القاضي نفسه «محاميا» عن الضحايا الذي عادة ما يواجه «الأرناكور» قائلا : «أنت تشوه صورة البلاد..»، ويتدخل –بحسبه- للانتقام بأقصى العقوبة من الشباب، متناسيا بأن هؤلاء الضحايا بدورهم كانوا بصدد البحث عن المتعة الجنسية ومنهم من يتصيد الشواذ عبر شبكة الإنترنت قبل أن ينقلبوا إلى ضحايا للاحتيال.. نطالب بقانون منصف ومسطرة واضحة، هكذا علق أحدهم الذي أكد بأن ظاهرة «الأرناك» بواد زم مثل «الحشيش بشمال المغرب..» الكل يتعاطاها داخل المدينة. إذ قدم نسبة تقديرية ل 60 في المائة يحترفون الظاهرة من أصل 83 ألف نسمة، لقد صارت ممارسة جماهيرية يتعاطاها كل باحث عن الاغتناء السريع وغير المشروع… هكذا يروج الأرناك اقتصاد المدينة الصغيرة بعد تراجع عائدات المهاجرين، واستقرار جلهم بواد زم، أضحت ظاهرة «الأرناك» مصدرا ماديا بديلا للمدينة، حيث يؤكد كل الفاعلين الذين التقيناهم أن الشباب الأرناكور أضحوا «مروجين المدينة..» فالعديد من القطاعات انتعشت معهم، بدءا بتجارة السيارات والدراجات واللباس، والمطاعم التي باتت تعمل حتى حدود الساعة الثالثة صباحا خدمة لهم، وكذا قطاع العقار. ناهيك عن العشرات من المؤسسات البنكية ووكالات صرف الحوالات التي تنتشر بكثرة بالمدينة برغم عدم توفرها على موارد اقتصادية مهيكلة. في سياق متصل، أكد أحد «الأرناكورات» أن التهميش والبطالة التي يعيشها الشباب تظل أحد العوامل المباشرة للظاهرة قائلا: «أنا أريد أن أبحث عن عمل شريف لكن أين أضع سيرتي الذاتية؟» ف»الأرناك» رغم عدم شرعية نشاطاته أمسى أهم مورد للمدينة، إذ يكفي أن تجلس بإحدى المقاهي بالمدينة، حتى تقفز إليك مناظر الإثراء على الشباب الذين يرتدون أفخر الثياب، ويركبون سيارات فاخرة، والملاحظة نفسها أكدها الإعلامي رشيد الريفي، الذي فسر تنامي ظاهرة «الأرناك» بكونها عوضت موارد كانت للمدينة إلا أنها زالت، من قبيل التعاونية الوطنية للفلاحة، وكذا عائدات المهاجرين التي نضبت في العقد الأخير، فأصبح «الأرناك « بمثابة المتنفس الوحيد للشباب، الذي يساعدهم في التحول الجذري من حياة الفقر والحاجة إلى واقع العيش الرغيد..». الهجرة الافتراضية التي حلت محل «لحريك» سابقا طالما اشتهرت واد زم بالهجرة صوب الديار الإيطالية والإسبانية في العقود السابقة، حينما كان حلم الهجرة يراود كل صغير وكبير داخل المدينة وباقي المناطق المجاورة عندما كانت الهجرة تذر مداخيل مهمة للمدينة عبر تحويلات المهاجرين. لكن مع تراجع الالتحاق بالإلدورادو الأوربي نظرا للأزمة الاقتصادية الخانقة وعودة المهاجرين، أضحت ظاهرة «الأرناك» بديلا، حيث يصفها أحد الفاعلين الحقوقيين بالمدينة بأنها بمثابة «هجرة افتراضية» يلجأ إليها الشباب بعدما انسد أمامهم أفق العيش الكريم، ومغادرتهم لمقاعد الدراسة مبكرا. يقضون أمام حواسيبهم الساعات الطوال، بحثا عن ضحايا مرشحين من بلدان مختلفة تظل أهمها دول الخليج مثل الكويت والإمارات والعربية السعودية، من موقع لآخر ومن دردشة لأخرى، أو هكذا يمضي «الأرناكور» يومه باحثا عن المغامرة للإيقاع بالباحثين عن الإثارة الجنسية. لقد كان المهاجرون سابقا، يؤثرون في شباب المدينة حين عودتهم بمناسبة العطل، ويخلقون نماذج للاقتداء واليوم أصبحت ظاهرة «الأرناك» بديلا قائما، يسعى من خلاله محترفو «الأرناك» إلى إثبات الذات والبحث عن مداخل الاغتناء السريع، مما سمح لهم -بدورهم- بأن يشكلوا نماذج «ناجحة» تستهوي باقي الشباب.. جميع المرافق الإنتاجية للمدينة تم إغلاقها تشكل مداخيل «الأرناك» موردا بديلا لمنشآت اقتصادية كانت قائمة فيما مضى، فقبل سنوات، كانت هناك بنيات إنتاجية بمدينة واد زم من قبيل شركة التبغ، ومعمل إيكوز للخيط، وشركة لاسيكون وفرتيما. والمتنفس المعيشي الوحيد للمدينة المتمثل في معمل ايكوز تمت تصفيته بتواطؤ البيروقراطية النقابية. مما ترتب عنه من تسريح للعمال وتشريد للعائلات وتفكيك للأسر. ولم تجن المدينة من ثروة الفوسفاط سوى الاستغلال مقابل أمراض السيليكوز وما يصاحبها من أمراض قاتلة ونهاية مأساوية للعمال مباشرة بعد التقاعد بسبب سوء ظروف العمل والتعرض للإشعاعات في «غيران» المناجم . وحتى منجم الحديد بأيت عمار تم إغلاقه بعد الاستقلال بحجة نضوبه، ولكن الحقيقة هي تجنب ما عرفته المنطقة من وعي عمالي قد يؤدي إلى عدوى النضال والمطالبة بالحقوق ليشمل المناطق المجاورة، فالمدينة تقع بإقليم خريبكة بالمنطقة الاقتصادية الوسطى، جهة الشاوية ورديغة ويعود تاريخ تأسيسها إلى بداية القرن العشرين، إذ شكلت قاعدة أساسية للمستعمر الفرنسي بالمنطقة، وغداة اكتشاف الفوسفاط بالمنطقة كانت فرنسا تعد وادي زم لتكون منطقة الاستقرار الأساسية لها، لتوفر المياه بها بشكل كبير. وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى النهر الذي كان يخترقها شرقا، وتبعد عن مدينة خريبكة بحوالي 35 كيلومتر شرقا، والمدينة تنتمي إلى المنطقة الاقتصادية الوسطى، حيث خولت لها صفة بلدية بعد أن كانت مركزا مستقلا بمقتضى مرسوم 21 نونبر1975، وتتكون مدينة وادي زم من بلدية وادي زم الدائرة و10 جماعات قروية وهي قبائل أيت عمار وبني سمير والبراكسة وقصبة الطرش ولكناديز والمعادنة وأولاد عيسى وأولاد بوغادي وأولاد فنان وأولاد فتاتة بمجموع052 83 نسمة، واليوم بات النشاط الاقتصادي للمدينة جد محدود، قتصر على الفلاحة وقطاع الخدمات بشكل عام والعاملين بالمكتب الشريف للفوسفاط. كان يشكل المهاجرون من أبناء وادي زم كغيرهم من مهاجري الإقليم والمنطقة بشكل عام نسبة مرتفعة، كما تجدر الإشارة إلى معمل الصناعة القطنية « ايكوز « الذي تم إغلاقه سنة 1997 كان يشغل 480 من الأطر والمستخدمين ومعمل آخر تم إغلاقه للأجور كان يشغل -بدوره-33 من المستخدمين، والشركة المغربية للأسمدة « فرتيما « للأسمدة وصنع خليط الأسمدة من خلال المادة الأساسية الفوسفاط، ومعمل تادلة غاز لتعبئة الغاز المستورد من معمل لاسمير بالمحمدية، بالإضافة إلى مطاحن وادي زم وقطاعات ووحدات صناعية متنوعة، كل تلك الوحدات الإنتاجية بالمدينة صارت في خبر كان، ليجد الشباب أنفسهم وجها لوجه مع قدر البطالة والتهميش…