التسابق على الجوائز الأدبية لا يقل خطورة، أحيانا، عن التباري في حلبات الملاكمة، هكذا فكرت وأنا أتأمل السجال الذي أثير مؤخرا حول جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر، بين عضوين في لجنة التحكيم هما الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد والناقد الأدبي حسن مخافي… وما خفي كان أعظم! رئيس لجنة التحكيم، أحمد عصيد، لم يلك كلامه واتهم زميله بتسريب مداولات اللجنة قبل البت في مصير الجائزة، مما جعل أحد الشعراء المتنافسين -وهو محمد بنطلحة- يقرر سحب ترشحه بعد أن عرف أن ديوانه يمكن أن يتعرض لهزيمة "نكراء" في هذه المنافسة "الشرسة"، خصوصا أن الأمر يتعلق باسم معروف في الساحة الأدبية، متعود على "الانسحابات"، ومن الصعب عليه أن يتقبل "ضربة" من هذا العيار. لكن مخافي رد بأنه لم يسرّب شيئا، مع إضافة "غريبة" تفيد بأن عصيد لم يرشح أي ديوان مكتوب بالأمازيغية كي يفوز بالجائزة، كأنه مجبر على القيام بذلك أيا كانت قيمة الأعمال المكتوبة، وهي بلا شك محاولة للإيقاع بينه وبين الناشطين الأمازيغيين، بالعربية الفصحى "بغا يشريها ليه"… على كل حال، في النهاية، خسر الجميع: المتنافسون ولجنة التحكيم ووزارة الثقافة والشعر الذي أدخل في حسابات لا تعنيه. وليست هذه المرة الاولى التي تنتهي فيها الأعراس الأدبية عندنا ب"خزيت": عام 2004، رفض القاص احمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب، التي أعطيت له مناصفة مع كاتب آخر، وأصدر صاحب "ققنس" بيانا ناريا يكشف فيه أسباب رفض التتويج، رسم فيه صورة قاتمة للوضع الثقافي والسياسي في البلاد. موقف مؤلف "الغابر الظاهر" وضع وزارة الثقافة في حرج، وقد كانت الحقيبة وقتها بين أيدي "الاتحاد الاشتراكي"، مما دفع رئيس اتحاد كتاب المغرب، الشاعر حسن نجمي المنتمي إلى نفس الحزب، إلى الرد بعنف على بوزفور والاحتجاج على احتجاجه، مما جعله يتلقى وابلا من المقالات الحانقة والغاضبة، كالت له سيلا من الاتهامات، من بينها انه "كاري حنكو". جوائز قوم عند قوم مصائب! قبل ذلك بسنوات، عام 1990، أحدث اتحاد كتاب المغرب جائزة للأدباء الشباب في صنف القصة والشعر والرواية. كانت المنظمة آنئذ في قمة ازدهارها، بعد ارتفاع أسهم اليسار الذي يهيمن على هياكلها، بسبب اقترابه من السلطة، مما جعله يجمع بين الرصيد الرمزي والدعم السخي. أتذكر أن جائزة الشعر في دورتها الأولى سلمت إلى الشاعر حسن مرصو عن ديوان تحت عنوان: "قصائد للمعشوقة وللوطن" مناصفة مع شاعر آخر هو احمد بركات، الذي سيموت بعد التتويج بقليل، تاركا وراءه أحد أجمل دواوين الشعر المغربي الحديث: "أبدا لن أساعد الزلزال". أما مرصو فقد اختفى في متاهات الحياة ولم نعد نقرأ له شيئا بعد قصائده عن المعشوقة الوطن، مثلما اختفى جل من فازوا بهذه الجائزة، مما جعل الكثيرين يعتبرون -على سبيل التندر- أن جائزة اتحاد الكتاب للأدباء الشباب "مونتيف" أكثر منه شيئا آخر. ولعل من مفارقات عالم الجوائز الأدبية أن المبدعين يرددون دائما أنها غير مهمة، لكنهم لا يترددون في الجري وراءها، بحثا عن المجد والشهرة… والنقود، خصوصا دولارات الخليج. كثير من الكتاب يتعاملون مع الجوائز بمنطق "عيني فيه وتفو عليه"، باستثناء فئة نادرة "تخرج لها نيشان"، ولا تخفي نهمها لقيمتها المالية قبل الرمزية، كما كان الشأن مع الكاتب المصري يوسف ادريس، الذي كان يهوى الجوائز ويعتبر أنها أنشئت لهدف واحد: تتويج أعماله. وعندما "أخطأته" جائزة نوبل للآداب عام 1987 وذهبت إلى نجيب محفوظ، أغتاظ كثيرا، وظل يردد بكثير من التواضع أن الكاتب الوحيد في العالم العربي الذي يستحق نوبل للآداب اسمه… يوسف ادريس، مؤكدا أن الأكاديمية السويدية ارتكبت "جريمة شنعاء" حين فضلت عليه صاحب "بداية ونهاية"، خصوصا أنه أصغر سنا من محفوظ وبإمكانه التمتع بأموال الجائزة. ورغم أن "السخافة لا تقتل"، فقد توفي مؤلف "الحرام" بعد عامين على "حادثة نوبل"، وهو في قمة عطائه، فيما أطال الله عمر محفوظ حتى كاد أن ينهي عامه المائة. ولله في خلقه شؤون.