«ثروتي هي حب الشعب لي» هذا كل ما استطاع حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، أن يتفوه به حين طالبه رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران بأن يصرح بممتلكاته. بنكيران قال بالحرف: «عليه أن يجيب من أين أتى بالمليارات التي يمتلك؟ ولماذا أخذها؟ وماذا صنع بها؟». لكن شباط المعني بهاته التساؤلات فضل ركوب «الهبال» عوض الإجابة عنها. ماذا كان سيضير شباط لو أجاب بنكيران عن تساؤلاته تلك، وكشف له حقيقة تلك النقلة الهائلة في ثروته، هو الذي كان مجرد عامل بسيط قبل أن يصير إلى ما صار إليه الآن؟ أنا هنا لا أحاسب شباط ولا غيره من المسؤولين السياسيين ممن راكموا أرصدة بنكية وصاروا يمتلكون عقارات بعد أن كانوا مجرد صفر على الهامش، ولن أسأل أحدا من أين لك هذا، لأن هاته مهمة أجهزة الدولة بالتحديد. لكن ما لا أقبله ولا يقبله أي أحد أن يضحك شباط أو غيره على ذقوننا، وأن يدخلونا في صراعاتهم البيزنطية التي لا تنتهي. إذ ما معنى أن يقول شباط إن «ثروتي هي حب الشعب لي»؟ وأي أبله يمكن أن يصدق مثل هذا الكلام؟. شخصيا، لا أعتقد أن مواطنا عاقلا يمكن أن تنطلي عليه هاته الترهات. لا أحد اليوم في هذا البلد السعيد يؤمن بأن همّ المسؤولين السياسيين، بدءا بالمستشارين الجماعيين وانتهاء بالوزراء، هو مصلحة هذا الشعب البسيط المغلوب على أمره. طبعا هناك استثناءات تبقى نادرة، لكن النادر لا حكم له، كما يقولون. كان على شباط أن يقبل التحدي ويتسلح ولو بقليل من الشجاعة، ويكشف للرأي العام المغربي حقيقة ما يمتلكه من ثروة بدل الاختباء وراء الكلمات الفضفاضة والخشبية التي «قهرونا بها». لكن لا هو ولا غيره يستطيعون أن يواجهوا الشعب بحقيقة ما يمتلكونه لأن أغلبهم «كرشهم فيها العجينة»، كما يقولون. لا أحد منهم يستطيع أن يعري «كرشه» كما يفعل المسؤولون السياسيون في الدول الديموقراطية التي تحترم شعوبها، وليس كما فعل إدريس الراضي في مجلس المستشارين. أغلب السياسيين الذين كدسوا ثروات في هذه البلاد يعلمون قبل غيرهم أن ثرواتهم تلك ما كان لهم أن يراكموها لولا استغلالهم مناصبهم السياسية، وإلا كيف نفسر هذه الحروب الضروس التي يخوضونها عند كل انتخابات جماعية أو برلمانية كي يكونوا وكلاء لوائح أحزابهم؟ كيف نفسر ملايين الدراهم التي تُغدق في الحملات الانتخابية؟… هل هذا كله من أجل عيون الشعب المغربي وحبا فيه كما يقول شباط؟ هذا السعار الذي يصيب السياسيين عند كل استحقاق انتخابي لا أحد في المغرب يجهل سببه، لأن الكل صار يعلم بأن العمل السياسي أصبح هو الآخر طريقا ملكيا للاغتناء السريع ولمراكمة الأرصدة البنكية وامتلاك العقارات. لو كنا حقا في دولة المحاسبة لما كان بنكيران مضطرا ليطلب من شباط أو غيره بأن يصرحوا بممتلكاتهم لأنهم آنذاك سيكونون مجبرين على التصريح بها قبل أن يتقلدوا أي منصب. لكن بما أن سؤال «من أين لك هذا؟» يشبه عندنا فزاعة مشلولة، فلا أحد يهتم بالكشف عن ممتلكاته، وحتى إن فعل فهو لا يُظهر سوى ما يريد، فيما الجزء الخفي والحقيقي من الثروة يكون مسجلا باسم أبنائه وزوجته وما ملكت يمينه. وإلى أن يتم تفعيل «من أين لك هذا؟» تفعيلا حقيقيا يحق لشباط أن «يتبرود» علينا، ويقول إن ثروته هي حب الشعب له! فمادام لم يستحِ فليقل ما يشاء.