لا يمكن أن يتجادل اثنان في أن الخاسر الأكبر في انتخاب رئاسة مجلس المستشارين، هو حزب الاستقلال، وبالأخص عباس الفاسي، أمينه العام، وقائد الائتلاف الحكومي، لكونه لم يتمكن من إقناع أحزاب الأغلبية بدعم المعطي بن قدور، عضو اللجنة التنفيذية لحزب التجمع الوطني للأحرار، للظفر برئاسة المجلس، وهو للعلم حزب مشارك في الحكومة، بل إن بن قدور مرشحها الأوحد! واستغرب المراقبون سلوك الفاسي لكونه لم يدع إلى أي اجتماع طارئ للأغلبية الحكومية، قبل التصديق في المجلس الحكومي، المنعقد مؤخرا، على مشروع قانون المالية، مما اعتبر خطأ سياسيا من قبل مستشاري الوزير الأول، وكذا من قبل الشخصيات الوازنة في حكومته والمعروفة بحنكتها في مجال تدبير الأزمة، مهما كانت طبيعتها ودرجة حدتها للخروج من النفق، ويقصد بتلك الشخصيات كل من محمد اليازغي، وزير الدولة، وعضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، وعبد الواحد الراضي، وزير العدل، وأمين عام نفس الحزب، والعمل على تسوية تبعات التصدع الذي حصل في الأغلبية الحكومية، جراء فقدان منصب رئيس مجلس المستشارين. واستند نفس المراقبون في التأكيد على سوء تقدير العواقب من قبل الفاسي، على كون حزب التجمع الوطني للأحرار يعيش غليانا، تأججت حماه بين قيادة الحزب، في كيل الاتهامات لبعضهم البعض، فيما يتخبط حزب الحركة الشعبية في مشاكله التي صنعها برلمانيوه، من نواب ومستشارين، مما يجعل التصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2010 صعبا مع العلم أن الحزبين معا لهما ارتباط استراتيجيمع حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما تردده قيادة الأحرار، بجميع أصنافها، و أيضا قيادة الحركة الشعبية. واعتبر استقلاليون، فضلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم، أن ما جرى يوم انتخاب رئيس مجلس المستشارين، يعد عبثا سياسيا، سيضعف حزبهم، الذي بدا يظهر بمظهر الضعيف أمام الأحزاب الأخرى، خاصة الأصالة والمعاصرة حديث النشأة، معتبرين أن الفاسي أخطأ أثناء تشكيل الحكومة، حينما لم يضع أغلبيته في إطار مريح، واستدمج عناصر من جمعية الحركة من أجل كل الديمقراطيين، التي مهدت لحزب الأصالة والمعاصرة، للخروج على شكل إدماج حزبي غريب التشكيلة، فحصل ما حصل، حينما سحب هذا الأخير دعمه للحكومة، وتمكن من استقطاب برلمانييه للمساهمة في إخفاق مرشح الأغلبية، وهذا لم يسبق أن حدث في المشهد السياسي المغربي، بخلاف ما جرى في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي، الذي تشبث بطريقته في تدبير الحكومة، باتفاق طبعا مع الملك الراحل الحسن الثاني، إلى أن أنهت نفس الحكومة ولايتها كاملة. ووضع استقلاليون أيديهم على قلوبهم خوفا من تعديل حكومي، ينهي مهمة الفاسي، كوزير أول، كما يتخوف الاستقلاليون، أمام تصدع الأغلبية الحكومية، عقب انتخاب بيد الله رئيسا لمجلس المستشارين، من الضغط في اتجاه إخراج حزب الاتحاد الاشتراكي من الحكومة، تمهيدا لإعلان رسمي عن وفاة الكتلة الديمقراطية إلى الأبد. إلى ذلك، لاحظ مراقبون أن الدفاع المستميت، الذي نهجه وزير العلاقات مع البرلمان، سعد العلمي، لم يكن مقنعا، بالقول إنه في دول ديمقراطية عديدة، تكون الغرفة الثانية معارضة لتوجهات الحكومة، علما أن العلمي لم يفصح عن الكيفية التي تجعل الغرفة الثانية، مصطفة في صفوف المعارضة، لكون أحزاب المعارضة تفوز في تلك الغرفة، وبالتالي لا يكون الرئيس من الأقلية العددية، ولكن من الأغلبية العددية، وهذا لم يتوفر في مجلس المستشارين، لهذا كله يصر المناضلون الذين يصوتون في الانتخابات لفائدة مرشحي الحزب على ضرورة إجراء مناقشة صريحة، حول ما جرى، وحول مصير الحكومة، ومستقبل الحزب، وترك التبريرات التي لا تقنع حتى أصحابها. واعتبر نفس المراقبين أن «التخريجة السياسية»، التي جعلت الأغلبية أقلية، والأقلية أغلبية، لم تلعب من قبل «المعلمين الكبار» الذين يحسنون ممارسة السياسة، لكون تعريفها العادي هو «إتقان فن الممكن»، بل جاءت غير منطقية، وغير معقولة، لأن الأمر لا يتعلق بشخص محمد الشيخ بيد الله.