ظلت مآثر طنجة، إلى غاية كتابة هذه السطور، عنوانا بارزا لتاريخ مدينة طبقت شهرتها الآفاق ودليلا على عراقة تراث قوم عاشوا ها هنا فسادوا ثم بادوا. مآثر طنجة ومعالمها التاريخية تصارع الزمن وطيش الناس وغباء المسؤولين، الذين أهملوا تاريخ مدينة ظلت لمدة طويلة متربعة على عرش الحضارة والتراث العريق، يكفي أن طنجة هي المدينة المغربية والإفريقية الوحيدة التى تتوفر على «ميدان الطورو» أو ساحة الثيران الموجودة في منطقة «بلاصا طورو»، هذا الميدان الذي ظل شاهدا على أكثر وأشد حقب المدينة ازدهارا وثراء، تحول اليوم إلى سجن يتم فيه تجميع «الحراكة» وإلى مكان يتبول ويتغوط على أسواره الحمقى والمشردون. إنها آثار لم تعد تساوي في نظر المسؤولين سوى مبان خربة وأطلال بالية تفتح شهية المنعشين العقاريين لتحويلها إلى مبان إسمنتية وعمارات شاهقة. ساحة الثيران ليست الوحيدة في مدينة طنجة التي تعرضت للإهمال وطمس المعالم فهناك مغارة هرقل، التى ارتبطت بأسطورة عريقة إذ تحكي الأسطورة أن هرقل لما هزم الإله أطلس في معركة ضارية سحرته طنجة بجمالها فاتخذ الكهف المذكور مسكننا له وسميّ باسمه، أي مغارة هرقل قاهر الإله أطلس. هذه المغارة التى طبقت شهرتها الآفاق أغلقتها السلطات، مؤخرا، بدعوى ما تشكله من خطورة على زوارها، متسببة في حرمان عدد من البسطاء من مورد رزقهم الوحيد، بدل أن تفكر في إصلاح ما يمكن إصلاحه. إنها أسهل الطرق التى غالبا ما يلجأ إليها المسؤولون عندنا. «مقهى الحافا» أحد أشهر المقاهي الشعبية في طنجة والمطل على البحر والذي آنس جنباته وجلس بين رحابه العديد من المشاهير، أبرزهم الكاتب الأمريكي بول بولز والأديب الفرنسي جون جنيه الذي دفن في مدينة العرائش المغربية والطنجاوي المغربي محمد شكري صاحب كتاب «الخبز الحافي» وكتاب «زمن الأخطاء»، بالإضافة إلى نجوم السياسة القدامى وأبرزهم علال الفاسي رحمه الله وشكيب أرسلان ... إلخ. مقهى الحافا تحول اليوم إلى مرتع ووكر للفساد وتدخين المخدرات بجميع الأصناف والأنواع. ودع مجده الفاني وربما إلى الأبد، أما مسرح «سرفنطيس» الذي بني في نهاية القرن ال19 وكان الأول في المغرب بعد أن ظل هو الآخر شاهدا على الرقي الكبير والذوق الفني العالي لساكنة ملتقى البحرين، فقد أضحى اليوم مكانا معزولا تحيط به جدران الإسمنت البشعة من كل جانب، حتى إن من يزور المكان يتحسر على ذاك الزمن الجميل الذي كانت تعطى فيه الأولوية لغذاء الروح وأب الفنون وللثقافة والتراث وليس لثقافة الكباريهات والمواخير الليلية، فيما يكتفي المسؤولون عندنا ومعهم وزارة «الثقافة والكسل» التى لا يجمعها بالثقافة إلا الخير والإحسان بإعطاء الوعود الكاذبة والكلام الرنان قائلة في أكثر من مناسبة إنها بصدد إصلاحه وترميمه وإعادة مجده الغابر، مجد يبدو أنه ولّى إلى غير رجعة. هناك أيضا سور المعكازين الذي لديه شهرة خاصة في طنجة والذي ارتبط بفئة من الناس غالبا هم من الكسالى الذين تستهويهم حياة الكسل والثرثرة الفارغة في الشوارع. مآثر طنجة في حاجة إلى الاهتمام، ليس لأنها جزء من تاريخ مدينة، بل لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ وطن اسمه المغرب، خاصة بعد أن تآمرت عليه حفنة من الجاهلين بتاريخ طنجة و«ذوو الرؤوس الإسمنتية» هؤلاء ينسون أن نهضة الأمم لا تقاس بما تشيده من جدران إسمنتية وإنما تقاس بما تخلفه وتنتجه فكريا وثقافيا وإنسانيا.