اعتبرت «أيام تراث الدارالبيضاء»، خلال دورتها الثانية، التي نظمتها جمعية «ذاكرة الدارالبيضاء» (CasaMémoire) من 16 إلى 18 أبريل الجاري، بشراكة مع المعهد الفرنسي بالدارالبيضاء، المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، مؤسسة «آرت كوم»، المديرية الجهوية للسياحة، والعديد من المؤسسات الوطنية والدولية، فرصة تهدف من خلال صيغة الأبواب المفتوحة التي نهجتها الجهات المنظمة خلال يومي السبت 17 والاحد 18 أبريل 2010 ، محطة للإطلاع واكتشاف المعالم التاريخية بالدارالبيضاء، وإبراز غنى التراث المعماري للعاصمة الاقتصادية، من خلال معالمها الأكثر رمزية، وبناياتها التي تعتبر حاليا مرجعا مهما لتاريخ الفن وتتيح للزائر فرصة اكتشافها. «أيام تراث الدارالبيضاء» ، كشفت عن حاجة سكان المدينة سواء المغاربة أو الاجانب الذي يقطنون بها للإطلاع على التفاصيل التاريخية لهذا الثرات ، وكيف تمت عملية البناء أو ماهي الأسباب التي لعبت في تغيير معالمه أو الحفاظ على طابعه الأصلي.. إن هذه الأيام كشفت، بالملموس، أن المسؤولين عن الشأن المحلي بالدارالبيضاء، لاتهمهم مثل هذه التظاهرات، حيث طيلة الأيام الثلاثة لم يسجل حضورهم فقط، إلا في الجانب البروتوكولي (يوم الافتتاح)، في المقابل، كان الحضور والمتابعة يتمثل في الأجانب المقيمين بالدارالبيضاء، السلك الدبلوماسي الاجنبي والعديد من العائلات المغربية.. وأبرزت هذه التظاهرة، التي نظمت أيضا، في إطار تخليد المغرب لليوم العالمي للمعالم والمآثر التاريخية (الذي قررته اليونيسكو منذ 1983) ، غنى التراث البيضاوي الذي يمثل، إرثا ثقافيا وحضاريا غنيا، ساهم فيه العديد من المهندسين المعماريين الأوروبيين، الذين برعوا في وضع تصاميمه، التي ظلت تقاوم الزمن على مدى عقود طويلة، كما ساهم في التعريف بها العديد من الكتاب والباحثين، خصوصا الفرنسيين، الذين افتتنوا بمآثر المدينة.. ومن جهة أخرى، يمكن اعتبار هذه التظاهرة تقليدا سنويا تسعى لترسيخه جمعية «ذاكرة الدارالبيضاء» (CasaMémoire) ، يوم 18 أبريل من كل سنة، كيوم يحتفل به المغرب والدار البيضاء على وجه الخصوص لإعادة الانتباه إلى ما تحتويه هذه المدينة من معالم معمارية وتراثية. الدارالبيضاء.. السياحة والتراث عرفت «أيام تراث الدارالبيضاء» التي افتتحت يوم الجمعة الأخير بمقر مجلس المدينة، بيوم دراسي تمحور حول موضوع «السياحة والتراث» ، بمشاركة خبراء في التراث وأنتروبولوجيين ومؤرخين ومهندسين معماريين وجامعيين مغاربة وأوروبيين، نذكر منهم: ماريا كاردييرا دا سيلفا (البرتغال)، فيليبا كولين (هولندا)، ميشل كنوبيرل وفرانسوا ميجيو( فرنسا)، سعيد موحيد (المدير الجهوي للسياحة)، فيصل شرادي (المدير الجهوية لوزارة الثقافة) (المغرب)، عبد الرحيم قاسو (رئيس جمعية «ذاكرة الدارالبيضاء» CasaMémoire) ... وأكد المشاركون، من خلال المحاور التي تناولتها المداخلات المتمثلة في الجانب المعماري والفني و التاريخي، على ضرورة تقنين مسألة المحافظة على التراث وعدم إغفالها في المخطط المديري ومخطط التهيئة المتصلين بمدينة الدار البيضاء، وأن حماية التراث قضية تتطلب وضع قوانين خاصة من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى للمحافظة عليها، و أن «المدينة القديمة» و«حي الأحباس» بالدار البيضاء تزخر بدورها بتراث هندسي لا يختلف عما يتميز به العمران في مركز المدينة، لذلك لا ينبغي عزلها عن بقية الفضاءات العتيقة التي يتوخى الحفاظ عليها.. ، وأن مدينة الدار البيضاء ، تعد من بين المدن العالمية التي تزخر بتراث هام ينبغي صيانته والمحافظة عليه. اليوم الدراسي ، كان مناسبة للتساؤل عن نوعية السياحة المراد تشجيعها بالعاصمة الاقتصادية، هل يتعلق الأمر بالسياحة الثقافية أم بسياحة العموم أم بغيرها من الأصناف. وأنه من الضروري حماية التراث، لأنه قضية تتطلب وضع قوانين خاصة من أجل تحقيق الأهداف التي يسعى إليها الجميع.. كما أكد المتدخلون على أن «المدينة القديمة» للدار البيضاء تتكون من منشآت عمرانية تحكي أسوارها وأشكالها الهندسية وتصاميم بيوتها الداخلية ذاكرة القرن العشرين للمدينة، (قرابة 80 بالمائة من البنايات المتواجدة بالمدينة القديمة شيدت خلال نفس الفترة). وأشارت بعض المداخلات ،إلى أن الغاية من هذه الندوة ، تتمثل في تحسين وتقديم صورة ملائمة عن التراث الهندسي والحضري للحاضرة الكبرى للمغرب، وتقديمه للسياح المحليين والأجانب بالشكل المطلوب، وأن زيارة المواقع التراثية تستجيب لانتظارات الساكنة المحلية الراغبة في منح قيمة لتراثها وللسياح الذين يتملكهم فضول استكشاف وجهات جديدة. في حين تساءلت بعض المداخلات، هل يمكن الحديث عن تراث خاص بالقرن العشرين، وعما آلت إليه البنايات الحديثة العهد والتي تعد نتاجا للتحول الذي شهده العالم خلال القرن الذي سبق (ق 7 19)، مع تسجيل تنامي الوعي لدى المهتمين بإشكالية الحفاظ على التراث من أجل الاهتمام بمنشآت القرن الماضي كما كان الأمر عليه في السابق بالنسبة للبنايات الأكثر قدما. ومن كل هذه المنطلقات التي تضمنتها مدخلات اليوم الدراسي، صاغ المشاركون من خبراء في التراث مؤرخون وأنتروبولوجيون ومهندسون معماريون...، خلاصات الدورة الثانية ، التي اعتبروا فيها: كون الدارالبيضاء، المدينة الأولى التي خطط لها للحفاظ على تراثها، فهذا في حد ذاته ، يعد مشروعا ديمقراطيا موحدا سيجمع كل المعنيين بتراثها وسيدفعهم إلى تحديد استراتيجية عمل اتجاه قضايا التراث المرتبطة بمعمار المدينة ، مع العمل على وضع مقاربة شمولية مبنية علي التواصل والشراكة مابين كل الفاعلين (مهندسين ، مؤرخين..)، وذلك قصد تحديد أولويات الاشتغال وتنفيذها (إعادة تهيئة المعمار التراثي، خلق شبكة عمل..)، وتحسيس واشراك ساكنة الدارالبيضاء والطلبة في مشروع حماية التراث.. زيارات معالم الدارالبيضاء .. سعى المنظمون، على مدى يومين ، إلى تنظيم زيارات حرة ومؤطرة ل 25 موقعا آثريا ، حدد رقم الزيارات حسب الجهات المنظمة في 10 ألف زائر ، أشرف عليها 75 مرشدا متطوعا، خصت ساحة محمد الخامس، المدينة القديمة، حي الأحباس، المؤسسات الإدارية الكبرى، ثم المنازل القديمة، فصالات السينما والفنادق العتيقة، إضافة إلى أماكن التعبد، ونذكر من بين هذه المعالم الأثرية : مقر ولاية الدارالبيضاء، البريد المركزي، بنك المغرب، سقالة، مقر باشوية الأحباس، كنيسة «ساكري كور»، مدرسة الفنون الجميلة، ممرات «سوميكا»، «كلاوي» و«التازي»، مقر الاتحاد المغربي للشغل، الباب البحرية، قنصليتي فرنسا وإيطاليا، فندق «ترونس أطلنتيك»، سينما ريالطو، و«فيلا الفنون»... كما احتضنت قاعة «لاكوبول» (المتواجدة بحديقة الجامعة العربية) معرضا للصور الفوتوغرافية للبنايات الأثرية التي أنجزها كل من المهندسان إدمون يريون وأوكِسْت كاديت. هذا المعرض حاول استحضار مجموعة من المنجزات المعمارية التي وثقها بالصورة كل من بيرنار كيلكادو وجيستين ميفر.. في حين، تم عرض مجموعة من الصور لمعالم أثرية بمنطقة البحرالابيض المتوسط بكنيسة «ساكري كور» ، بالاضافة إلى تنظيم معرض للوحات الفنان ماجوريل بالقنصلية الفرنسية، وعرض نسخة فيلم «الحال» بسينما «ريالطو»، (التي تم مؤخرا إصلاحها من طرف المخرج مارتن سكورسيزي).. وب «المدينة القديمة»، بالضبط بمدرسة عمر بن عبد العزيز (مقر القنصلية الألمانية سابقا)، استطاع محمد طنجي (هاوي جمع التحف القديمة) من خلال مجموعة من الصور القديمة للدارالبيضاء، أن يستحضر لحظات من تاريخ الدارالبيضاء وشوارعها وبناياتها..، ونفس المدرسة احتضنت ورشات للرسم خاصة بالأطفال، إلى جانب مدرسة الفنون الجميلة التي عرفت بدورها تنظيم ورشات في الفن التشكيلي أطرها طلبة المدرسة.. في حين احتضنت ممرات «سوميكا»، «كلاوي» و«التازي» مجموعة من الأنشطة واللقاءات مابين المواطنين والمهندسين، حضرها المخرج نور الدين الخماري، وعرفت مناقشات تمحورت حول قضايا معمار بالدارالبيضاء.. كذلك «أيام تراث الدارالبيضاء» ، عرفت عرض مسرحية في الهواء الطلق، بالضبط بساحة محمد الخامس، من تمثيل طلبة المعهد المسرحي والتنشيط الثقافي.. تساؤلات مشروعة.. لماذا يصر المسؤولون عن الدارالبيضاء على منح «تراخيص هدم» المنازل الأثرية؟ كل المشاريع المعمارية التي تحتضنها الدارالبيضاء اليوم ، وبدأت عملية تنفيذها على أرض الواقع، يسجل على المسؤولين أنه لم يتم الاعلان عنها أثناء مراحل التهيئ وظلت في طي السرية ..، فماذا ستضيفه إلى الدارالبيضاء على المستوى المعماري؟ عزل «المدينة القديمة» بحزام من البنايات الاسمنتية من جهة المحيط الأطلسي، على أي أفق أو مصير ستواجهه «المدينة القديمة» مستقبلا ؟! هل وجهة نظر المسؤولين و«حكمتهم» ، أن التحسيس بأهمية التراث، هل أصبح موضوعا خطيرا ومزعجا؟ هناك حوالي 4000 بناية أثرية تنتمي الى جغرافية الدارالبيضاء ، من سيحميها؟ ... حاليا يتواجد على مكاتب المسؤولين بالدرالبيضاء ، 11 ملفا لبنايات أثرية ، تنتظر تصنيفه من ضمن البنايات الأثرية، فمتى سيتم تصنيفها، وإضافتها إلى 48 بناية مصنفة، في انتظار أن تصنف 4000 بناية متواجدة على طول خريطة الدارالبيضاء ؟.. غياب الوكالة الحضرية للدارالبيضاء عن المشاركة في هذه التظاهرة، غياب ظل تفسيره غير مفهوم، خصوصا وأن التظاهرة تصب في مجال تخصصات الوكالة؟!..