لم يعد مشكل التسيير الإداري داخل المؤسسات التعليمية حبيس رفوف الفصول الدراسية وحديث المدرسين والمدرسات أثناء أوقات استراحتهم بين الحصص الدراسية، كما لم يعد حكرا على بعض الأخطاء الناتجة عن سوء فهم بعض المذكرات الوزارية أو الأكاديمية أو النيابية، أو بسبب طرق وأساليب التدبير لدى بعض المديرين... فعطر الإدارة الذي أزكم أنوف كل الأطراف التعليمية، فاح في محيط المؤسسات، وأصاب نداه كل المهتمين بالحقل التعليمي، بعد أن أصبحت معظم المؤسسات التعليمية تغوص في مشاكل سببها سوء التسيير الإداري الناتج عن ثقل وجسامة الأعمال الإدارية الملقاة على عاتق الإداريين وعلى رأسهم مديرو المؤسسات التعليمية. وبينما أكد بعض المدرسين أن منصب مدير مؤسسة لا يمكن أن يقبل به المدرس حاليا إلا إذا كان مدعما نقابيا أو سياسيا أو مدعما من أطراف نافذة في التعليم، تمكنه من تدبير وتسيير المؤسسة دون خوف من أي ردود فعل داخلية أو خارجية. موضحين أن سفينة التعليم داخل, المؤسسات التعليمية تسير وفق ما تشتهيه الأعراف المتعامل بها، وأن المذكرات الوزارية والأكاديمية والنيابية تعالج بمنطق (دير كيف دار صاحبك في المؤسسة الأخرى) بسبب نقص في الخبرة والكفاءة لدى مجموعة من المديرين, رأى البعض الآخر أن مهام المديرين حاليا يصعب إنجازها كلها لأنها تختلف بين ما هو تربوي وإداري صرف ومالي، وأن الاستجابة لها تتطلب المزيد من الوقت والموارد البشرية والمادية. وأن المديرين (يحملون عصا التسيير من وسطها) خوفا من أن تتراكم مهامهم وتتضاعف وتزداد حدتها. موضحين أن أكثر من نصف العاملين على رأس إدارات المؤسسات التعليمية وخصوصا الثانوية منها يرغبون في تقديم استقالاتهم والعودة إلى التدريس. وأن نسبة كبيرة منهم تخاف من فقدان سكنها الوظيفي فقط. مناصب إدارية تنتزع بالأقدمية في غياب أدنى تكوين نادرا ما يتم الحديث عن القافلة الإدارية التي تقود المؤسسات التعليمية، والتي يعهد لها التدبير والتسيير اليومي وفق المنظومة التربوية المبرمجة. الحديث هنا عن الأطر الإدارية من مديرين ونظار وحراس عامين ومعيدين وكتاب.. ما مدى تكوينهم التربوي والإداري والنفسي? ومستوى استجابتهم للمعايير الدنيوية من أجل استيعاب الزخم الكبير من المذكرات الوزارية والأكاديمية والنيابية وتطبيقها بالشكل والدقة المطلوبين... الكل يعرف أن هذه الفئة لا تتوفر على شواهد التخرج من المدارس والمعاهد الإدارية التي لا توجد أساسا ببلادنا، ولا تخضع لتكوينات تمكنها من اكتساب الحد الأدنى من المعلومات والسلوكات التي تواجه بها العبث الإداري الذي يسيطر على سير العمل الإداري داخل المؤسسات التعليمية، فالتسلق في اتجاه هذه المناصب يأتي بالأقدمية في التدريس. هيئة التدبير والتسيير الإداري والتي يكون على رأسها بشكل رسمي رئيس المؤسسة ( المدير).. منصب الرئيس هذا يستلزم وجوبا وبحكم تعدد اختصاصاته واتساع مساحاتها وعمومية واجباته التنظيمية، أن يكون على اتصال دائم بأساليب التكوين المستمر في مجالات التربية والتعليم وأساليب التدريس, وأن يكون على إلمام واسع بالقوانين التنظيمية وأساليب التدبير والتسيير والمعرفة الواجبة، للحفاظ على اهتماماته المتنوعة وشمولية تكوينه، الشيء الذي يغني شخصيته بشكل ملموس بحيث ينعكس إيجابا على مردودية المؤسسة سواء في محيطها القريب أو البعيد لتكون فعلا منارة للمعرفة والتطور . يرى العديد ممن استقت «المساء» آراءهم من مدرسين ومدرسات وآباء وأولياء التلاميذ بل حتى من المديرين أنفسهم، أن المواصفات والشروط الواجب توفرها في شخص المدير كقائد على رأس المؤسسة التعليمية غير متوفرة للأسف الشديد إلا بنسبة ضعيفة جدا ولدى قلة لا يمكن أن تشكل قاعدة تعتمد في بناء صرح مؤسسة تعليمية رائدة وناجحة في عصر يعرف فيضا لا ينتهي للمعلومات فتح آفاقا شاسعة للتواصل والاتصال . إشارات وردود الفئة التي التقتها «المساء» تشير كلها إلى أن مديري المؤسسات أصبحوا في السنوات الأخيرة لا يفارقون مكاتبهم الإدارية إلا من أجل حضور اجتماعات داخلية أو خارجية، بسبب كثرة الأشغال التي أثقلت كاهلهم وحالت دون تمكينهم من الإشراف اليومي على سير التعليم داخل مؤسساتهم. موضحين أنهم في الأصل مدرسون أنهك التدريس قواهم ولم يعودوا قادرين على مواجهة فصل يضم ما بين 30 و50 تلميذا، حسب طبيعة المؤسسة التعليمية، فكيف لهؤلاء الذين قضى أحدهم على الأقل 15 سنة في التدريس أن يتسلم زمام تسيير مؤسسة تعليمية تضم المئات أو الآلاف من التلاميذ والعشرات من الأطر التربوية والإدارية والأعوان...دون أدنى تكوين ووسط أجواء من العشوائية التي تفرضها عليه (التعليمات العليا) عبر مذكرات يصعب تطبيقها في أرض الواقع، تحرر في كواليس الوزارة والأكاديميات والنيابات. قال (محمد.ب)، مدرس اللغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي, أشرف على التقاعد، إن تغيير المدراء وتنصيب البعض ممن لا خبرة لهم في مجال الإدارة، كانوا في الأصل أساتذة أو حراسا عامين أو نظراء قادهم هاجس البحث عن سكن أو تعويض إضافي أو الابتعاد عن التدريس لطلب شغل منصب مدير، عملية تحتاج إلى وقفة تأمل وتحليل، لأن الأمر يتعلق بمؤسسات عمومية هي ملك للجميع ومن حق الجميع أن يسأل ليطمئن قلبه أو تثور ثائرته ويعلو صوته. وأضاف أن عمليات التنصيب العشوائية للمديرين هي سبب عدم استقرار المؤسسات ذات الأهداف النبيلة، وأنه كان يجب أن يكون من أهم سماتها التنظيم والانضباط، وكان من المفروض الذي يدخل في باب تحصيل الحاصل ألا توضع هذه الأمانة المقدسة بين أيادي من لا يقدرونها حق قدرها أو لا يقدرون على أدائها وتحملها على الوجه الأفضل وهو شيء اعتبره المدرس معروفا لدى الوزارة بالتفصيل الدقيق. وتابع المدرس غاضبا: الوزارة المكلفة بشؤون التربية والتعليم تتحمل هنا كامل المسؤولية، فالعديد من المناصب الإدارية تمنح تحت غطاءات نقابية وسياسية ومصلحية... ولعل المنطقي والطبيعي من أجل الحصول على إداريين في مستوى مؤسساتنا التعليمية، أنه يجب إلغاء اعتماد الأقدمية كقاعدة في التعيينات والترقيات، فهي التي فتحت بابا دخل منه الصالح والطالح، وجعلت إدارة التعليم تعج بإداريين عاجزين عن ضبط مؤسساتهم. ويجب اعتماد الكفاءة والعمل على إحداث مدارس إدارية لتخرج المديرين والنظار والحراس العامين. غضب واستياء المديرين من عشوائية التسيير المفروض انتقد مديرو الثانويات الإعدادية والتأهيلية في تصريحات متفرقة ل «المساء» عشوائية التسيير المفروض عليهم، مشيرين إلى ثقل وجسامة الأعمال التي يؤدونها بعيدا عن مهامهم الرئيسية، المتمثلة في الإشراف على السير التربوي والتعليمي داخل المؤسسات التي يشرفون عليها. وأوضح المديرون الذين خلصوا إلى تأسيس عدة جمعيات محلية وجهوية تعنى بمصالحهم وأهدافهم في أفق تعميمها على الصعيد الوطني، ضرورة إعادة النظر في إطار المدير وتحديد مهامه، واستاؤوا لتكليفهم بمهام هي من اختصاص بعض الموظفين بالأكاديميات أو الوزارة الوصية، مشيرين إلى أن الجميع يحملهم أعباء إدارية رغم عدم توفر المؤسسات على أطر إدارية كافية، كما أبدوا تخوفهم من عمليات صرف الميزانيات السنوية والتي تحتاج إلى تكوين في الجانب المالي، واعتبر بعضهم أن الإشراف على الجانب المالي يشكل خطرا على المديرين غير الملمين بمساطر وطرق الصرف. وأن شبح دخولهم السجن بسبب خطأ مالي يهدد مسارهم المهني. كما أكدوا أن التوزيع الخاص بميزانية الثانويات لا يراعي حاجيات كل مؤسسة ولا يأخذ بعين الاعتبار التقارير التي تبعث سنويا وتشير إلى الخصاص داخل كل مؤسسة. وأضافوا أنه ليست هناك مراعاة للموارد البشرية ولا لعدد القاعات المتوفرة أثناء إجراء الامتحانات الجهوية أو الوطنية ولا أثناء إحداث بعض الشعب الجديدة. وانتقد بعضهم طريقة تسلم بعض الأكاديميات لأوراق الامتحانات الجهوية والوطنية، والتي أكدوا أنها لا تضمن لهم الشفافية التي يلتزمون بها، موضحين أنهم يسلمون الأوراق داخل أظرفه مغلقة دون إحصائها، وأن موظفي الأكاديميات يحملونهم كل نقص أو خطأ. منبهين إلى المشاكل التي تنتظرهم في حالة تطبيق طريقة التقييم الجديدة للأساتذة والتي ستجعل المدير في صراع دائم مع للأساتذة، كما أن الأطر الإدارية أصبحت تحت إشراف رؤساء المصالح بالنيابة. وتطرق مديرو الثانويات القروية إلى مشاكل التنقل من وإلى مقر نيابات التعليم، حيث ينفقون من جيوبهم، كما ينفقون من جيوبهم تكاليف الهاتف النقال من أجل المكالمات الإدارية. وأشاروا إلى قلة الأطر الإدارية وكبر سن مجموعة من العاملين في الإدارة، وكثرة الغرباء الذين يلجون بالقوة إلى داخل المؤسسة بهدف ممارسة كرة القدم أو التجوال أو التحرش الجنسي بالتلميذات، وأكدوا أنهم أصبحوا غارقين في مكاتبهم يعدون الأوراق ويملؤون المطبوعات والجدادات المطلوبة، ولم يعد بإمكانهم الإشراف بدقة على كل ما يجري بالمؤسسة، أو اقتراح إضافات لتطوير العملية التعليمية بالمؤسسة. وأعطوا مثالا بشبكة تقييم عمل الأطر التربوية التي سعت الوزارة إلى تطبيقها، والتي تتطلب ملء 93 خانة لكل أستاذ داخل ثانويات قد يفوق عدد أساتذتها ال 100 أستاذ. كما اعتبروا أن ستة دراهم كميزانية سنوية لكل تلميذ، لا تكفي لتوفير حاجيات المؤسسة من (مصابيح، أوراق، تنظيم أنشطة،توفير الوثائق اللازمة...). وانتقدوا غياب الدعم الجماعي والأمني، وأشاروا إلى أن المؤسسات تعرف تراكم الأزبال والأعشاب والحشرات، وأن الجماعات المحلية لا تستجيب لطلبات المديرين من أجل تنقية وتطهير المؤسسات، مما يجعل المديرين يتيهون في مهام البحث عن جهات أخرى لتنظيف مؤسساتهم. وجدد بعضهم الحديث عن إشكالية الصرف وعن دور جمعيات دعم مدرسة النجاح في تدبير حاجيات المؤسسات التعليمية، وأكدوا أن ثقل المهام الإدارية التي كلِّفوا بها تجعلهم يضطرون في عدة حالات إلى اللجوء إلى مراكز خاصة من أجل إعداد الملفات على الحاسوب وتسجيلها داخل أقراص مضغوطة. والإنفاق من مالهم الخاص تجنبا لتعطيل السير الإداري.