بمفترق شارع «الجيش الملكي»، وهو أكبر شارع بمدينة الدارالبيضاء الكبرى، يتجمهر الناس أمام علامات محطات وقوف الحافلات. هذا الزحام أصبح مشهدا اعتياديا بهذا الشارع خاصة في أوقات الذروة. كان البيضاويون يأملون أن تنتهي متاعبهم مع حافلات النقل عندما منح مجلس مدينة الدارالبيضاء تدبير هذا القطاع لشركة أجنبية. الأماني التي علقت على هذه الشركة سرعان ما خبت جذوتها وتلاشت بين دخان تلك الحافلات. وظل واقع الحال كما كان عليه في السابق. فوضى، اكتظاظ، أسطول من الحافلات المهترئة، فضلا عن عدم سداد مستحقات العمال للصناديق الاجتماعية. وهكذا ظل حال الوكالة الحضرية للنقل الحضري بالدارالبيضاء كما كان في السابق، وخدمات الشركة الجديدة ظلت على حالها كما هو حال باقي القطاعات التي فوت تدبيرها لشركات أجنبية مثل قطاع الماء والكهرباء، والمجازر البلدية والنظافة وغيرها. قبل الانتخابات الجماعية الأخيرة، أجرت «المساء» حوارا مع عمدة المدينة محمد ساجد حول قضايا عديدة من بينها التدبير المفوض، وكان جوابه كالتالي: «قيل كلام كثير حول نظام التدبير المفوض، وهناك من دعا إلى عدم اللجوء إلى هذا النظام. طبعا، ليس التدبير المفوض غاية في حد ذاته، فهو يقوم مقام الجماعة في تدبير مصالح ومرافق عمومية، وأول تجربة تمت بالمغرب في إطار التدبير المفوض كانت بالدارالبيضاء في سنة 1997، خصوصا في ملف «ليديك»، وبعد ذلك توالت عمليات ملفات التدبير المفوض بالمدينة في إطار التطهير والنظافة ثم الإنارة، وسبب لجوئنا إلى هذه العملية هو أن الوكالة أصبحت في حالة إفلاس (خدمات ضعيفة...) وهذا ما جعلنا نلجأ إلى هذا النموذج من تدبير هذه المرافق الأساسية. نفس الشيء وجدناه في الوكالة الحضرية للنقل بالدارالبيضاء، التي كانت في وضعية ركود تام، حيث كان يتم توظيف 2000 شخص، في حين أن الوكالة كانت تتوفر على أسطول ضعيف للحافلات، وقد كنا نجد صعوبات كبيرة في أداء رواتب موظفي النقل، وفي هذا الميدان قمنا بنهج أسلوب التدبير المفوض لتحسين جودة الخدمات وقد لمستم التغيير المسجل على مستوى تدبير هذا المرفق العمومي». المجازر البلدية عند نهاية الفترة المتعلقة بتمديد عقد التسيير المفوض للمجازر البلدية لمدينة الدارالبيضاء المنتهية صلاحيته بتاريخ ماي 2008، قامت الجماعة الحضرية للمدينة بالدعوة إلى صفقة عمومية لتدبير المجازر والتي رست على شركة تركية، وكان من ضمن الشروط المنصوص عليها في طلب العروض أن الشركة التي ستفوز بالصفقة هي التي ستتحمل مصاريف الماء والكهرباء، إضافة إلى مصاريف كل ما يتعلق بغاز التبريد والاستثمارات المتعلقة بإضافة قاعة لبيع اللحوم وقاعة لبيع السقط، وكذلك الاستثمارات المتعلقة بتجديد التجهيزات والمرافق داخل المجازر وإصلاحها. غير أن الاتحاد العام للمقاولات والمهن تفاجأ بأن جماعة الدارالبيضاء قد صادقت على قانون جبائي تتنازل من خلاله هذه الأخيرة عن مجموعة من مداخيلها، حتى تتمكن الشركة التركية، المسير الحالي، والتي آلت إليها الصفقة «بعد تدخل أحد المستشارين السابقين بمجلس المدينة»، للمجازر من تغطية مصاريف الماء والكهرباء والغاز وكذلك الاستثمارات إلى غير ذلك من المصاريف. فمجلس مدينة الدارالبيضاء عند إعلانه عن صفقة تسيير وتدبير المجازر، اعتبر أن جميع المصاريف ستتحمل مسؤوليتها الشركة التي ستفوز بالصفقة، وفق ما ينص عليه دفتر التحملات المخصص للإعلان عن طلب العروض، وكذلك من خلال ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات والتزامات مجلس المدينة من خلال التقرير السنوي لسنة 2007 للمجلس الأعلى للحسابات، فقد تنازل مجلس المدينة على ما يقارب من 0.69 درهم عن كل كيلوغرام تم إنتاجه داخل المجازر لصالح الشركة التركية، مع العلم أن إنتاج المجازر البلدية خلال سنة 2008 قد بلغ ما يقارب 24 ألف طن، وبالتالي فإن قيمة ما تفقده ميزانية مدينة الدارالبيضاء يقدر بما يقارب مليارا وستمائة وثلاثين مليون سنتيم، في حين أن مجلس المدينة يؤدي قروضا تتعلق بإنجاز المجازر البلدية لأبناك أجنبية تفوق ستة مليارات من السنتيمات سنويا، في الوقت الذي يؤدي فيه مهنيو القطاع أكبر رسم عن الذبح بالمغرب يصل إلى 2.70 درهم عن كل كيلوغرام تم تهييئه داخل المجازر. غير أن الأمر الخطير الذي توصل إليه الاتحاد العام للمقاولات والمهن، حسب رئيسه الجهوي بالدارالبيضاء أحمد ذهبي، هو أن الشركة التركية التي حصلت على الصفقة الجديدة، لم تقم بوضع الضمانات الواجب إيداعها بالخزينة الجماعية قبل بداية العمل، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد إلى مراسلة وزارة الداخلية في هذا الأمر. وجاء في الرسالة التي بُعثت إلى الوزير من قبل الاتحاد العام للمقاولات والمهن: «إننا، سيدي الوزير المحترم، كنا نأمل من الشركة الحالية أن تساهم في تأهيل وعصرنة المجازر المغربية خصوصا مع الدعاية التي خصصها لها أحد النواب السابقين لعمدة المدينة، وعن جلبها لمجموعة من المهندسين والتقنيين لنجد أنفسنا أمام أشخاص لا خبرة لهم في هذا المجال، فصاحب الشركة الذي يتوفر على أكبر عدد من أسهمها يمتهن طب الأسنان ومدير الإنتاج لا معرفة لديه بهذا الميدان، باستثناء مهندس مغربي وحيد، رغم أن دفتر التحملات المصادق عليه من طرف مجلس المدينة يلزم الشركة بضرورة توفرها على مهندسين وتقنيين في مجموعة من المجالات، خصوصا التقنية العصرية لعملية الذبح والسلخ وكذلك التبريد والميكانيك إلى غير ذلك». الماء والكهرباء صادق مجلس مدينة الدارالبيضاء سنة 2008 على النسخة المعدلة لعقدة التدبير المفوض لمصالح توزيع الماء والكهرباء والتطهير المعروفة باسم شركة «ليديك». وصوت قرابة 43 مستشارا لصالح العقدة المعدلة فيما صوت 7 مستشارين ضدها. في البداية كان مستشارو العدالة والتنمية ضد تعديل العقدة، غير أن «ضغوطات كبيرة» مورست على هؤلاء المستشارين من أجل الرضوخ للأمر الواقع. وكانت العقدة الأصلية التي منحت لشركة «ليديك» امتياز تدبير مصالح توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل في الدارالبيضاء قد وقعت سنة 1997. ورغم أن العقدة الأصلية كانت تنص على مراجعة الاتفاقية كل خمسة أعوام، فإن تلك المراجعة لم تتم إلا سنة 2008، بعد المظاهرات والاحتجاجات التي عرفتها الدارالبيضاء العام الماضي، بسبب إقدام الشركة على الزيادة في تسعيرة الخدمات. قبل أن تجدد العقدة، قام مجلس المدينة بتشكيل لجنة مكونة من كل الأحزاب السياسية الممثلة داخل المجلس لمتابعة التفاوض مع الشركة. وقامت هذه اللجنة برفع تقرير إلى وزارة الداخلية في شهر نونبر 2008. التقرير كشف عن عدد من الخروقات التي قامت بها الشركة وعدم احترامها لما هو منصوص عليه في العقدة. ومن بين تلك الخروقات، ذكر التقرير قيام شركة «ليديك» بتوزيع الأرباح على المساهمين قبل انتهاء مدة عشر سنوات المنصوص عليها في العقدة، فضلا عن التأخر في إنجاز الاستثمارات التي كان يتعين عليها القيام بها. قطاع النظافة بمجرد انتهاء الانتخابات الجماعية، عادت إلى الواجهة إشكالية قطاع النظافة بالدارالبيضاء الكبرى، الذي تديره ثلاث شركات أجنبية. فخلال أول دورة لمجلس مقاطعة ابن مسيك الذي انعقد مؤخرا، وجه المجلس تحذيرا إلى شركة النظافة الفرنسية بعد تراجع خدماتها وتراكم الأزبال في أحياء وشوارع المقاطعة. وأمهل المجلس الشركة مدة شهر من أجل أن تلتزم بما تعهدت به في دفتر التحملات، والقيام بجمع الأزبال من شوراع المقاطعة. وفي حالة ما إذا لم تف الشركة بهذه التعهدات، فإن المجلس سيضطر إلى عقد اجتماع استثنائي يخصص لمناقشة مستقبل الشركة. ولم تمر إلا أيام قليلة فقط حتى دعا مجلس مدينة الدارالبيضاء إلى لقاء مع الشركات الثلاث التي تدبر القطاع في المدينة. وحسب ما ذكرته مصادر مطلعة ل«المساء»، فإن مسؤولي المدينة حذروا في الاجتماع الذي تم بولاية الدارالبيضاء الكبرى، الشركات الثلاث من إمكانية فسخ العقدة معهم في حالة ما إذا لم يحترموا ما تم الاتفاق عليه في العقدة، خاصة وأن تلك العقدة تخول لمجلس المدينة فسخها في أي وقت. وأضافت تلك المصادر أن المجلس بدأ يعد الإجراءات القانونية لفسخ العقدة في حالة ما إذا لم تلتزم الشركات بدفتر التحملات. ويذكر أنه منذ أن انتخب مجلس مدينة الدارالبيضاء في منتصف أكتوبر 2003، أعلن يوم 28 نونبر 2003 عن طلبات عروض دولية لتدبير قطاع النظافة بالمدينة، أي بعد أقل من شهر من انتخابه. ودخلت حلبة المنافسة على الفوز بتدبير القطاع ست شركات، وتم اعتماد تقنية التنقيط على سلم 70 نقطة وكل شركة لاتصل إلى جمع 70 نقطة يكون مصيرها الإقصاء، وبالفعل تم إقصاء ثلاث شركات، فيما تجاوزت سقف السبعين نقطة ثلاث شركات هي سيجيدما، وتيكميد، وسمارت كولكت أو سيتا البيضا التابعة لشركة ليديك، فيما تم تقسيم مدينة الدارالبيضاء إلى خمس مناطق. المنطقة الأولى تشمل أحياء سيدي بليوط، أنفا، مولاي يوسف، لمعاريف، بساكنة تقدر ب536 نسمة، وتنتج ما يفوق 976 ألف طن من النفايات. وقد فازت بتدبيرها شركة سيتا البيضاء. أما المنطقة الثانية فتضم أحياء بوشنتوف، مرس السلطان، الفداء الإدريسية، الصخور السوداء والمشور، بساكنة يصل تعدادها إلى 479 نسمة وتنتج 195 ألف طن من النفايات. وفازت بصفقة تدبيرها شركة تيكميد. أما المنطقة الثالثة فتضم أحياء عين الشق، سيدي معروف، وليساسفة. وقد حازت على تدبير نفاياتها شركة سيجيديما. وتضم المنطقة الرابعة أحياء الحي المحمدي، عين السبع، البرنوصي، بساكنة تصل إلى 517 ألف نسمة، وتنتج ما مجموعه 151 ألف طن من الأزبال. وقد فازت بتدبيرها شركة تيكميد إضافة إلى المنطقة الثانية، فيما المنطقة الخامسة والتي تضم أهم الأحياء الشعبية بالمدينة مثل ابن امسيك، سيدي عثمان، السالمية، مولاي رشيد، سباتة، سيدي مومن، أهل لغلام بساكنة تتجاوز 828 نسمة وتنتج أزبالا تتعدى 227 ألف طن. هذه المنطقة لم تقدم فيها أي شركة من الشركات الثلاث عرضها، فكان لزاما الوصول إلى حل. وبعد مفاوضات وتسويات تم التوصل إلى حل يقضي باقتسام المنطقة بين الشركات الثلاث.