هناك قيود على تصدير الوقود إلى غزة وعلى تصدير الكهرباء والمياه. الإسمنت يكاد لا يدخل، وهكذا لا يمكن إعمار المنازل التي دمرت في الحرب هناك لماذا تمول حكومة إسرائيل حكم حماس في غزة؟ يبدو السؤال وقحا إذ إنه ينطوي على افتراض بأن الحكومة بالفعل عميلة لحماس؛ السؤال يستغرب فقط دوافع هذا الدعم. فمن المعروف أن حكومة إسرائيل هي معارضة حادة لحماس، لإيديولوجيتها وبالتأكيد لحكمها. تسيبي لفني تعهدت بإسقاط نظام حماس في غزة، فما بالك بالحكومة اليمينية الحالية؟! فقبل بضعة أسابيع فقط، وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انتقادا شديدا لحكومة السويد لمحاولاتها –التي يغلب الظن بأنها لم تحصل أبدا– للاتصال بحماس. إذن من أين جاء الافتراض بكون إسرائيل تتخذ خطوة إضافية، بل وتمول «المنظمة الإرهابية» هذه؟ وبالفعل، هذا هو التعريف الرسمي لحماس في قرار الحكومة قبل سنتين. ومن هنا جاءت سياسة الإغلاق والمقاطعة المطلقة. وحسب ما هو منوط بإسرائيل، فلا دخول ولا خروج من وإلى غزة، باستثناء نزر يسير من رجال الأعمال ومرضى قلائل. وبضائع محددة فقط من حكومتنا كمساعدات «إنسانية» تدخل إلى غزة، وحتى هذا يتم بشكل ضيق. هناك قيود على تصدير الوقود إلى غزة وعلى تصدير الكهرباء والمياه. الإسمنت يكاد لا يدخل، وهكذا لا يمكن إعمار المنازل التي دمرت في الحرب هناك. الحديد لا يدخل أبدا، إذ أن نهاية كل حديدة بالقسام. وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين جاء هذا الهراء حول التمويل الإسرائيلي لهذه المنظمة الكريهة؟ قبل وقت غير بعيد، التقيت شخصا، صاحب شركة تجارية للمواصلات في غزة. وروى لي أنه خلال هذا العام، وبعد سنوات طويلة من الخسائر، باتت تجارته رابحة. تصريح مفاجئ بالنسبة إلى نشاط اقتصادي يستخدم السائقين والوقود لتحقيق دخل. السائقون موجودون بوفرة. فماذا عن الوقود؟ «أنا أشتري الوقود بثمن 1.2 شيكل للتر»، روى الرجل. «طالما ظلت إسرائيل توفر الوقود بثمن 5.5 شيكلات للتر، الربح كان متعذرا. أما الآن، فقد خفض سعر الوقود والشركة تزدهر». في غزة، كما يتبين، هناك وفرة من الوقود تشترى في مصر وتنقل بالأنابيب في الأنفاق الشهيرة، التي تتكاثر بقدر ما تبالغ إسرائيل في تصفيتها. توجد مئات الأنفاق العاملة وبعضها تختص في نقل الوقود. بل إن هناك منافسة بين الموردين. ويشرح الرجل قائلا إن حماس تجبي ضريبة. الوقود يدخل بثمن 0.6 شيكل للتر (السعر في مصر) ويباع بثمن مضاعف. المُوَرِّد المصري يربح، مشغِّل النفق يربح، صاحب شركة الباصات يربح وحماس تجبي ضريبة وتربح. ولماذا تنجح المشركة جدا؟ لأن إسرائيل فرضت مقاطعة تصدير الوقود إلى غزة. وهكذا يتم الأمر: بسبب المقاطعة الإسرائيلية، تزدهر المصالح التجارية المرتبطة بالأنفاق. وعلى هذه المصالح تسيطر حماس. ولقاءَ الخدمة التي «تقدمها» حماس فإنها تجبي ضريبة. وهكذا، بدل أن يصدر منتج إسرائيلي إلى غزة فيما تدخل ضريبته إلى صندوق السلطة الفلسطينية، يدخل بديل المقاطعة من الاستيراد من مصر وضريبته تدخل صندوق حماس، تحت رعاية المقاطعة التي تفرضها دولة إسرائيل. هكذا تثري المقاطعة الاقتصادية على غزة صندوق حماس. حسب التقرير لا يوجد أي نقص في غزة باستثناء منتجات ثقيلة وزهيدة الثمن مثل الإسمنت والحديد. كل الباقي موجود بوفرة. مع فارقين: المنتجون الإسرائيليون الذين باعوا في الماضي لغزة يحل محلهم منتجون من كل دولة أخرى تبيع عبر مصر، بما فيها مصر نفسها. ويوجد، كما أسلفنا، طرف آخر يكسب من وراء هذه العملية– حماس. من يريد يمكنه أن يشكو من هذا الواقع أيضا بسبب كون عائدات الضريبة على الاستيراد إلى غزة تذهب إلى حماس وليس إلى السلطة الفلسطينية. ذات السلطة التي ترغب حكومة إسرائيل في أن تجري معها مفاوضات على تسوية سلمية. بمعنى السياسة تمس بمن «تحبهم» حكومة إسرائيل وتغذي مطلقي الصواريخ. الأمر الذي يعيدنا إلى السؤال الوارد في مستهل المقال: لماذا تمول إسرائيل حماس؟