مرت سنوات الثانوي الثلاث بسرعة، رغم كل الأحداث الكثيرة والفارقة التي شهدتها. في نهاية الموسم الثالث والأخير، تجنّد تلاميذ القسم الذي كنا ندرس فيه، في خطوة مفاجئة، لتنفيذ فكرة لا ندري مَن كان وراء اقتراحها. «استقرّ عزمنا» على تنظيم حفلة على شرف الأساتذة الذين رافقونا خلال تلك الحقبة الزمنية من دراستنا. حدّدْنا يوما وأَشْعرْنا الأساتذة المعنيين. حجزنا أحدَ الأقسام. اشترينا باقات من الورد والكثيرَ من المشروبات الغازية، بينما تنافست التلميذات في تحضير أطباق لذيذة من حلويات المطبخ المغربي المتميّزة. أعدْنا ترتيبَ الطاولات والكراسي في حجرة الدرس التي وقع عليها الاختيار لاحتضان «الحدث» الذي شكّل مفاجأة جميلة لأساتذتنا و«صفعة» معنوية لتلاميذ الفصول الأخرى الذين لم يُسعفهم تفكيرهم في الإهتزاء إلى مثل هذه الالتفاتة الرمزية. كان ذلك، في الحقيقة، مناسبة لتذويب بعض الخلافات بيننا كتلاميذ أولاً وبيننا وبين بعض رجال التدريس الذين وقعتْ بيننا وبينهم بعض «الخلافات». كانتْ لحظةً، أيضاً، للاحتفال بنهاية هذه المرحلة الأساسية من مشوار دراسيّ كان معظمُنا ينوي متابعته، بعد حيازة شهادة «الباكْ» الغالية.. وزّعْنا باقات الورود على زوايا الحجرة الدراسية ورتّبْنا مجموعة من الطاولات وسطها. على الطاولات المتناسقة وضعنا قارورات المشروبات وأطباق «كعب غزال» و«بوفقوس» والكثير من الأكواب الزجاجية... كان الجميع في الموعد، وفي كامل أناقتهم. الأساتذة الذين أذهلتهم المفاجأة وأخرستْ ألسنةَ بعضهم التي كانت، في بعض المناسبات، أطولَ من اللاّزم.. بعضُهم الآخرُ بدا محرجاً ولا يدري ما يقول أو يفعل أمام هذا «التكريم» البسيط.. ووسط كلمات مرتجَلة ومرتبكة ومستملحات وطرائف ظرفاء «مجموعة المشاغبين»، جلسنا نلتهم الكثير من الحلويات ونرسل إلى بطوننا العديدَ من كؤوس «الموناضا» في ذلك اليوم البعيد من عام 1993. ودون أن نفكر في أن تلك ستكون آخرَ مرة نجتمع فيها كلُّنا في فضاء واحد، احتفلنا وهنّأنا بعضَنا البعض وهنَّاْنا أنفُسنا.. وكأننا أطفال كبار ينجحون لأول مرة في مشوارهم الدراسيّ.. أصررنا على تحديد يوم سابق لإعلان النتائج. كنّا نعرف أننا لو انتظرنا إلى ما بعد ظهور النتائج، فربما يكون، حينها، عدد الغائبين يفوق عددَ الحاضرين.. سيكون كلُّ واحد منّا قد أخذه موكبُ الحياة في اتجاه يصعُب معه الالتفات خلفه أو الاهتمام ب«تفاصيلَ» صغيرة كهذه.. وهو ما تأكّد بالملموس، بعد «تعليق الطابلو» الذي أعطانا، وهو يورد أرقامَنا ضمن لائحة «الناجحين»، تأشيرة عبور نحو المجهول، عبر بوابة مؤسسة تعليمية أخرى نعرّفها اختصاراً ب«لافاكْ La Fac».. يتبع...