منذ استقلال المغرب وإلى اليوم، ناضل مغاربة كثيرون من أجل أهداف كبيرة، وقضى آلاف المغاربة من أجل أن تتحقق أحلامهم في مغرب تسوده العدالة وتوزع فيه الثروات بين طبقات الشعب. ومنذ أزيد من 50 عاما، هو زمن الاستقلال، يتذكر الناس أسماء كثيرة وكبيرة ناضلت من أجل أن تتحقق الأحلام. ليس ضروريا أن يتم سرد الأسماء، لأن كثيرين ماتوا أو أميتوا ولم يعرفهم أحد، وهؤلاء كان بإمكانهم أن يغتنوا ويتحولوا إلى أعيان ومسؤولين، لكنهم فضلوا أن يموتوا من أجل مبادئهم وأفكارهم. في الماضي، كانت هناك أحزاب تتوفر فيها شيم النضال والقوة، ومناضلوها يتميزون بكثير من الشهامة، وهؤلاء قدموا الكثير من التضحيات، لكن جيلهم ذهب ليأتي جيل من باعة المبادئ بالتقسيط. في الماضي، كانت النقابات تعبر عن توجه اجتماعي وعمالي حقيقي في البلاد، وكانت كلمة واحدة من زعيم نقابي تقلب المغرب رأسا على عقب، واليوم أصبح أولئك الزعماء أنفسهم لا يستطيعون أن يجمعوا حولهم أكثر من مائتي شخص في تجمع حاشد. في الماضي، كانت الجامعات المغربية تفيض بالطلبة الذين يغلون حماسا والمستعدين لبذل أرواحهم من أجل مغرب ديمقراطي حقيقي، وكثير من الطلبة ضحوا من أجل هذا الهدف، بينما الكثير من طلبة اليوم يشبهون تلاميذ مدرسة ابتدائية بلا أفكار ولا أحلام ولا هدف. في الماضي، كانت الندوات واللقاءات السياسية التي تعقد في القاعات العمومية والساحات العامة ترتادها الآلاف وتشكل حدثا حقيقيا وتستمر فيها النقاشات ساعات طويلة وبحماس مثير. أما ندوات اليوم، فبالكاد يمكنها أن تملأ الكراسي الأمامية لقاعة متوسطة الحجم والناس يعتبرونها فرصة للقاء وتزجية الوقت فقط. أشياء كثيرة جدا تغيرت في المغرب ما بين الماضي والحاضر؛ لكن هذه التغيرات ليست طبيعية بالمرة لأنها تغيرات شاذة وتصيب بالدهشة. اليوم، لا يوجد في البلاد شيء يمكن التعويل عليه من أجل التفكير في المستقبل، وعوض المناضلين والشرفاء وأصحاب المبادئ والطلبة المتحمسين للتغيير، ظهرت طبقة جديدة من الكائنات التي تشبه الطفيليات الزائدة والتي أصبحت تصنع الحدث في المغرب. من كان يتصور أنه سيأتي يوم على المغاربة يرون فيه شاذا جنسيا في العشرين من عمره يتحدث في 3 صفحات كاملة على جريدة يومية ولمدة ثلاثة أيام ويتحدث عن «معاناة» أشباهه من الشواذ، ويريد أن يخرج نزواته الجسدية إلى العلن؛ وفوق هذا وذاك، يدعمه سفير دولة أجنبية سبق أن استعمرت المغرب. كان هذا محض خيال، لكنه تحقق اليوم. من كان يتصور أنه سيأتي يوم يرى فيه الناس بعضا من الشباب وهم يخرجون إلى الشارع في نهار رمضان ويقولون إنهم يريدون أن «يأكلوه» علنا؟ ولو أن أحدا تحدث عن هذا الأمر قبل 10 أو 20 سنة لضحك منه الناس حتى برزت أضراسهم. لكن ذلك حدث بالفعل، وعوض أن يضحكوا الآن فإنهم يبقون مشدوهين أمام هذه التغييرات الحمقاء التي تعرفها البلاد سياسيا واجتماعيا وروحيا وثقافيا. وأغرب من كل هذا أن الجمعيات والهيئات الحقوقية تحولت من مساندة الشعب ودعمه في معاناته إلى دعم اللصوص وفئران التاريخ. بالأمس، تحركت جمعيات كثيرة لدعم لصوص وقطاع طرق لا يرحمون أحدا ودعت إلى صون كرامتهم وعدم تطويفهم في الشارع، وقبل ذلك تحركت لدعم مطالب الشواذ في ممارسة شذوذهم علنا، وهاهي الآن تقف إلى جانب «الحركة للحريات الفردية»، حيث وقف أشخاص كانوا يحلمون بالجمهورية إلى جانب زعيمة أكلة رمضان. يا له من مغرب عجيب..