سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يسهر على إنجاز الانتخابات ويقدم الخدمات للدولة بدون حساب ولا يلقى إلا نظرات الإزدراء من المجتمع لسان حال المقدم يقول احتجاجا على وضعيته «زينو لي المباتة في الحبس»
من الوصايا الثمينة التي يتلقاها «المقدم» بمجرد تعيينه من رئيسه المباشر «القائد» هو أن دوره هو تحصيل المعلومة وإيصالها إلى قنواتها الرسمية، وألا حق له في منحها لشخص آخر، سيرا على درب الذين سبقوه في امتهان صنعة يوصف أصحابها ب«البركاكة» و«إحضي آي» على وزن «إف بي آي»، وغيرها من الأوصاف. غير أن استمرار هذه الشريحة من المجتمع في إخفاء بعض المعلومات عن الآخرين قد لا تكون لصالحها، من قبيل كم تتقاضى؟ وما هي إكراهات عملها؟ إلى غيرها من المعطيات التي تبين واقع العين الأولى للسلطة في جميع أحياء المملكة المغربية. عين السلطة الأولى يعمل «المقدم» تحت إشراف قسم الشؤون العامة، رئيسه المباشر هو القائد، فهو عين السلطة التي ينبغي ألا تنام، فإذا وقع حادث في منتصف الليل وجب عليه أن يترك فراشه ليرى ما حدث ويقوم بتبليغ الرسالة في وقتها. لم يعد دور مساعد السلطة، كما يسمى، مقتصرا على مراقبة عدد المصلين وماذا يفعل الإمام، بل تجاوز ذلك إلى مراقبة كل مشتبه في علاقته بجماعة محظورة، ومعرفة تحركاته، كما أكد أحد المقدمين ل«المساء». كما يرافق لجان التفتيش أثناء عملهم ويوقع بالنيابة عن القائد عند عدم حضوره على محاضر التفتيش. ولم يعد عمله أيضا كما كان في السابق يقتصر على جولة في الحي أو الدوار، ليعود بملخص ما حدث ويبلغ القايد، ويذهب إلى حال سبيله، بل تزايدت مهامه، ابتداء من الشواهد الإدارية ومرورا بالتبليغ عن كل صغيرة وكبيرة تقع داخل الحي وانتهاء بمتابعة كل الوقفات الاحتجاجية أو الأنشطة التي تقام بالمنطقة التي تدخل ضمن دائرة اختصاصه. ومن مهامه أيضا أنه ينبغي أن يجس نبض الشارع المغربي، ليعرف ما إذا كان بعض السكان متضررين من ثمن فواتير الماء والضوء، أم أن الأوراق التي يستقبلونها آخر كل شهر يتقبلونها بصدر رحب، وعلى المقدم ألا يغفل الوضعية الاجتماعية للمواطنين، وعما إذا كانوا متذمرين من موجة الغلاء أم لا؟، وهل هناك من يفكر منهم في تنظيم وقفة احتجاجية أو شيء من هذا القبيل، وهلم جرا. ومن بين المؤشرات التي تعترف للمقدم بدوره الرئيسي، هو أنه في بعض الأحيان عندما يريد عامل أو والي معرفة حقيقة بعض الوقائع، فقد يتصل مباشرة بمقدم الحي، حسب ما أكده والي سابق ل«المساء». القهر و«المزيرية» لم يكن عبد الله يعرف أنه في يوم من الأيام سيصبح «مقدم»، وهو الذي زاول العديد من المهن، لكن أحد أقاربه اقترح عليه الفكرة، وقبلها، وبعد أن تسلم التعيين والشروع في العمل اكتشف أن قريبه «زين ليه المباتة في الحبس» ، على حد تعبيره، يعني عمل مضن دون مقابل محترم. أخذ القائد يشرح لعبد الله عمله وأنه هو المسؤول الأول في الحي ولا أحد غيره، وأنه شخص ينبغي أن يقدره الجميع، كلمات القائد المنمقة والمختارة بعناية شجعت عبد الله على الإقبال على مهمته، لكن تبين له أن ما ينتظره ليس بالأمر الهين، بل التعب وتحركات لا تنقطع، وكثرة التحركات والأعمال منها تحرير جميع العقود، الولادة والسكنى والعزوبية، وإن كانت الدولة تعتبره مصدر ثقتها، لكنها لا تريد الاعتراف به كأحد مكوناتها الأساسية وتدرجه في خانة الوظيفة العمومية كموظف مكتمل الحقوق. يقول عبد الله: «القهر و«المزيرية» عنوان يصلح لوصف الوضعية الاجتماعية التي تعرفها هذه الشريحة التي تسدي خدمات جليلة، ولكنها تنتظر راتبا أقل من الحد الأدنى للأجور». ويختم حديثه ساخرا «لا شك أن المقدمين هم في حاجة إلى معهد وطني يتلقون داخله تكوينا يناسب تطور المجتمع وإن كان المقدم يكتسب مهارته من تجربته التي تبدأ بكتابة تقارير يومية خاصة الذين يعرفون القراءة والكتابة أما الأميون فإنهم يبلغون تقارير شفوية تكون أحيانا أدق من الكتابية، حسب قول أحدهم. جوهر العملية الانتخابية يقدم حميد نفسه بأنه هو «عين المخزن أو السلطة التي لا تنام، مكلف بتبليغ كل صغيرة أو كبيرة، يمنح الشواهد للمواطن التي يدلي بها عند الحاجة، ويوفر الأمن للمواطن بالتبليغ عن كل ما من شأنه خلق الفوضى أو خرق القانون أو المس بالسير العادي للحياة العامة». ويجمل المشاكل التي تعترضه في أمرين اثنين الأول هو الاصطدام اليومي مع المواطنين الذين يطلبون أمورا ليست من حقهم، والثاني معاناته مع تدخلات ذوي النفوذ من أعضاء الجماعة أو البرلمانيين في تسليم بعض الشواهد التي ليست من حق طالبها، وإذا ما امتثل لهذه الطلبات فإنها تجر عليه وبال عزله من عمله. ومن الأعمال التي تتطلب منه مجهودا كبيرا نجد الانتخابات، يقول حميد «المقدم هو العمود الفقري للانتخابات، فهو يبدأ في التحضير للاستحقاقات ستة أشهر قبل الموعد، يراجع اللوائح، ويشطب على الموتى، وعلى الذين لم تعد تربطهم أي رابطة بحيه». يقول باستياء «إن ما نقوم به عمل مكثف ومرهق، وأكثر من هذا فإن التعويضات تظل هزيلة حيث تتراوح ما بين 400 و500 درهم، فالمقدم هو أول شخص يشرع في تنفيذ مخطط وزارة الداخلية في الانتخابات، يراجع اللوائح، ويشرف على عملية التسجيل، ويوزع البطائق الانتخابية، وينسق بين رؤساء المكاتب والنواب والأعضاء، ويبلغ بكل التجاوزات التي ترتكب قبل وأثناء وبعد الحملة الانتخابية». تطور عمل «الرادار المحلي» كما تحيل عليه الكلمات المتقاطعة، لم يوازيه أي تطور في أجرته الشهرية، التي لا تتجاوز 900 درهم بالنسبة للمقدم في المجال القروي، وإن كان البعض يرى أن مقدم البادية له عمل آخر مواز، لأنه عادة ما يكون فلاحا أو تاجرا، وليس كنظيره في المجال الحضري الذي يسخر كل وقته وجهده للعمل مع السلطة. «علاوة» المقدم انتظر أحمد كباقي الموظفين البسطاء أن ينعم بالزيادة التي أعلنت عنها الحكومة المغربية، فقصد مصلحة الموارد البشرية ليعرف لماذا تأخرت هذه الزيادة؟، فكان الجواب أن الزيادة لا تشمله لأنه محسوب على السلطة وأنه غير تابع للوظيفة العمومية، جواب تلقاه المقدم أحمد بأسى وهو يرثي حاله، يقول باستياء «انتظرت زيادة 300 درهم في الراتب الشهري، لكن ذلك لم يتحقق منه شيء، بالرغم من المجهودات التي نبذلها، إضافة إلى أننا لا نتلقى أي تعويض عنى العمل أيام السبت والأحد». ولا شك أن كل زيادة في الأجرة تفرح الموظفين والذين دائما ينادون بالمزيد من أجل تحسين وضعهم الاجتماعي والتغلب على مصاعب الحياة، غير أن للمقدم فرحته الخاصة، يحكي محمد قصته مع زيادة عرفتها أجرته منذ ثلاث سنوات قائلا «تلقيت ورقة تفيد بأن أجرتي عرفت زيادة، وفرحت فرحا شديدا، وبعد أن اطلعت عليها أصبت بخيبة أمل، فقيمة الزيادة هي 35 درهما». يقول محمد مازحا «الورقة التي تلقيتها تحمل توقيع عدد من الوزراء الذين تعبوا ربما من جراء إمضائهم عليها». وتختلف أجرة المقدم من شخص إلى آخر، حسب الأقدمية ابتداء من 1700درهم إلى 2500 درهم باستثناء مايسمى بالشيوخ الملحقين فأجرتهم هي 1350 درهما. نظرة دونية أحد المقدمين يصف نفسه ب«الآدمي الفاقد لأبسط حقوقه الوطنية، شأنه في ذلك، شأن مغاربة كثر، وما يزيد الأمر سوءا هو تلك النظرة السوداوية الجاحفة في حقه». يضيف قائلا «النظرة الإزدرائية التي تلسعنا في كل حين، ابتداء من القائد، مرورا برئيس الدائرة الحضرية والكاتب العام للشؤون الداخلية، انتهاء ب « السيد الوالي»، يضيف المتحدث نفسه، أنه يتقاضى أجرة قدرها (1824.24 درهما مقابل العديد من الخدمات: توقيع شهادة السكنى بعد إجراء بحث للتأكد من أن المعني بالأمر يقطن بالعنوان، وكثيرا ما لا يتسنى لنا القيام بالبحث، لكثرة شواهد السكنى، إضافة إلى ضيق وقت المواطن الذي لا يستسيغ هذه الإجراءات، باعتبار أنه أدلى بكل ما يلزم للحصول على شهادته تلك، ناهيك عن إجراء بحوث أخرى (الجمعيات، أصحاب الضرائب المتأخرة، وهذه الخدمة لا يتقاضى عنها المقدم أي مقابل...)، زد على ذلك تغطية المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، سواء بالنهار أو بالليل، ومراقبة الإنارة العمومية والنظافة ورصد النقط السوداء ( بقايا الأعشاب، القمامة، الحفر، شارات المرور....). أعمال تتطلب تنقلات كثيرة، وإن كانت وزارة الداخلية سبق أن قررت منح المقدمين دراجات نارية وهواتف نقالة، فإن هذا الإجراء لم يشمل الجميع، حسبما أكد أحدهم. وأجمع المقدمون الذين تحدثت إليهم «المساء» أنه لو كان مسموحا لهم بالاحتجاج لاستوطنوا شارع محمد الخامس بالرباط رفقة حاملي الشواهد قصد المطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والذي تدفع بعضهم إلى التماس الزكاة من المحسنين أيام العيد، أو تقبل المساعدات المالية من أقاربهم الذين يعرفون وضعهم عن قرب. «بركاك ورشايوي» «بركاك»، «رشايوي»، «رجل يقوم بعمله كما هو مسطر له»، «إنسان عادي»، هذه بعض أوصاف المقدم كما يراها بعض الذين تحدثت إليهم «المساء». تعتبر سلمى (طالبة )، المقدم رجلا بسيطا ومغلوبا على أمره، وهو المسؤول الأول عن الأمن والنظام العام في الحي السكني الذي يقطنه، تقول هذه الشابة «إذا قام كل مقدم حي بواجبه فإن أحياء المغرب ستبقى آمنة ويعيش سكانها مطمئنون، لأنه يعرف السكان جيدا، ويعرف الصالح من الطالح، فإذا قام مثلا بالتبليغ عن «مهن» بعض سكان حيه مثل اللصوص وتجار المخدرات الصغار والكبار، وقام من هو أعلى منه مرتبة بتلبيغ الحقيقة كما هي، فإن المغرب سيكون بخير، لكن للأسف هناك من لا يتقن عمله الموكول إليه، لذلك تعم الفوضى وتكثر الجرائم». غير أن هناك من يرى ضرورة محاربة الصورة النمطية التي تربط دائما الرشوة ب «المقدم»، لأن هذه الآفة تنخر جميع المؤسسات بالمغرب، وأن المواطنين عليهم أن يلتمسوا العذر لهذا الكائن البشري في حالة عدم وجوده بمقر عمله لكثرة المهام التي يقوم بها، ومن هؤلاء هشام الذي تغيرت الصورة التي رسمها حول المقدم عندما كان طالبا، إذ كان يعتبره شخصا ابتزازيا ولا يهتم لحال المواطنين وما يهمه هو تحصيل المال، وكلما أراد الحصول على شهادة إدارية تتطلب توقيع مقدم الحي فإنه ينتظر ساعات طويلة، أما الآن فأصبح يرثي لحاله بعدما أصبح يعرف كثرة المهام التي يتطلبها عمله. يحكي هشام قائلا «عندما كنت طالبا كان المقدم بالنسبة لي شخصا انتهازيا، لكن لما عملت في مجال الصحافة، وبدأت ألتقي مقدم الحي في الوقفات الاحتجاجية قبل البداية وبعد النهاية، أدركت حينها أن عمله لا يقتصر على المكتب كما كنت أعتقد».