لازلت أتابع برنامج (خواطر5) وأنا أعض أصابعي غيظا مما بلغه اليابانيون من تحضر وما نغرق فيه من وحل التخلف، وأرثي لحال معده ومقدمه «أحمد الشقيري» والذي يبدو عليه الانقباض والتوتر حينما يقف على مقارنات أليمة ومخجلة لاحترام كرامة العباد هناك بكوكب اليابان والدوس عليها وتحقيرها بكوكبنا.. وفي الواقع، أجده يتحمل مواقف لا يحسد عليها حينما يسأل اليابانيين أسئلة تبدو لهم بلا معنى، فيردون باستغراب «لماذا تسأل؟ هل في بلدكم لا تحترمون الوقت؟ أو «هل عندكم ترمون الأزبال في الشارع؟».. فيحمر وجهه ويتلعثم لسانه ويبتسم حرجا. لن أتحدث عما بلغته اليابان من تطور علمي وتكنولوجي، سأتحدث عن الأخلاق اليابانية، فما أثارني هو أنه كلما طرح سؤال على أي ياباني، في أي مكان، مهما كان عمره أو جنسه مثلا «لماذا تحترم عملك وتشتغل كثيرا؟» أو «لماذا لا ترمون بقايا الأكل في القمامة؟» أو «لماذا هذا الهوس باحترام المواعيد؟»، يجيب بفخر وتواضع «إنها الأخلاق اليابانية».. إنه فعلا جواب مؤثر.. تخيلوا معي أن تطرح نفس الأسئلة على المغاربة، فيجيبون جميعهم «إنها الأخلاق المغربية، تمغريبيت» أو «إنها الأخلاق الإسلامية» سيكون الأمر رائعا حقا. حينما علمت بأن حفنة من المفطرين اجتمعوا بمحطة القطار بالمحمدية للإفطار علنا، أول سؤال تبادر إلى ذهني: لماذا لم يجتمعوا تنديدا بالزيادات المجحفة في تذكرة القطار، لو فعلوا لكان في الأمر خدمة لعموم المواطنين المتضررين من هاته الزيادة السريالية، لكنهم استيقظوا فجأة ولم يجدوا غير مشاعر إخوانهم وشعائرهم ليسيئوا إليها وينتهكوها. تخيلوا معي شعبا كاملا يفكر مواطنوه في غيرهم قبل أنفسهم في تجسيد رائع لقيم المواطنة والإيثار والتعاون والمؤازرة، كلما سُئل ياباني عن سلوك ما يرد دون تردد «كي لا أزعج الآخرين» أو»كي لا أسيء إلى الآخرين» أو «كي يستعمله الآخرون»، والحلقة التي عنونها «الشقيري» «فكر بغيرك» مثال حي للتعايش والمودة والرحمة والاحترام الذي يميز اليابانيين الذين بنوا حضارتهم ومجدهم على مبدأ الأخلاق أولا والاحترام والانضباط. أما نحن فنخلق الاستثناء بظاهرة شاذة خطيرة يجب أن ينكب على دراستها علماء النفس والاجتماع، وهي أننا الشعب الوحيد الذي يشتم بأصله وبلده «مغاربة كيدايرين، على شعب كيداير، بوزبال، كحل الراس...» في احتقار لا مثيل له للهوية والأصل والانتماء، وفي تعبير عن التذمر والسخط من سلوكات المغاربة المشينة واللاأخلاقية مع بعضهم البعض بكافة أعمارهم ومستوياتهم. الجميل أيضا في «خواطر5» هو الاستدلال بأحاديث نبوية وآيات قرآنية وقيم إسلامية تجدها مجسدة في المجتمع الياباني غير المسلم، وتجدنا بعيدين عنها كل البعد نحن المحسوبين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام. من بينها، مثلا، قول الله تعالى: «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»، وقوله: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، والكثير من القيم والأخلاقيات التي نعرفها ونحفظها مع وقف التنفيذ. حينما تشاهد بأم عينيك كيف أن اليابانيون يعملون من أجل اليابان، يجتهدون ويتقنون ويتفانون ويبدعون ويطورون وكيف يحرصون على العمل بصدق دون رقيب، وكيف نحرص على الكسل ونحتال بشتى الطرق كي لا نعمل، نتحدث كثيرا ولا ننتج إلا القليل.. حينما تعلم بأن الياباني يفكر بصحة وسلامة وهناء أخيه، فلا يزعجه بالتدخين في الأماكن العامة، ولا يقلقه برنات هاتفه النقال، حتى فضلات كلبه يحملها بنفسه في كيس خاص بذلك كي لا يدوسها الآخرون.. حينما تسمع أطفال طوكيو يتحدثون عن ضرورة الحفاظ على الطاقة والكهرباء وحماية البيئة والطبيعة من الاحتباس الحراري تصاب بالدوار.. وتتساءل دون خجل أو ندم: أنحن ننتمي إلى بني البشر؟ يتبع