تفصلنا ساعات قليلة على وداع شهر رمضان الفضيل بمعاناته التلفزيونية الطويلة، تاركا وراءه مجموعة من الأسئلة المقلقلة التي لا بد من طرحها، في انتظار أن يهل هلال السنة القادمة بمزيد من الرشد والمسؤولية والشفافية واحترام المشاهد. أسئلة ترتبط بعدة محددات، من بينها أولا ضرورة تحديد وظيفة التلفزيون الذي يريده المسؤولون لنا والاختيار بين القرب من المتلقي أو النأي عنه، ثاني المحددات يرتبط بضرورة تفعيل دور المراقبة الحقيقية، عبر تدقيق الدولة في حساب الإنتاجات والبحث في مدى استفادة الدراما المغربية الحقيقية من الميزانية الضخمة المرصودة، قبل الإفراج عن هذه الميزانية التي تبلغ مئات الملايير من السنتيمات، وعبر ضرورة تدقيق الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (وهذا دورها المحسوم الذي ينص عليه المرسوم المؤسس لها) في مدى احترام المتعهدين العموميين لدفتر تحملاتها، بما في ذلك التعامل السوي مع كافة المنتجين وضمان تقديم منتوج تلفزيوني مواطن ذي جودة. مسؤولية الدولة و«الهاكا» عن هذه التفاهات لا يمكن عزلها عن الدور المفترض للأحزاب السياسية التي اختارت- كما هو معتاد- بالنسبة إلى القضايا الملحة أن تنأى بنفسها عن مناقشة الدور الخطير للإنتاجات الرمضانية التي أثبتت في السنوات الأخيرة (لاسيما الأخيرتين) أنها- بالإضافة إلى تبذيرها لأموال الشعب- فهي تساهم في إفساد ذوق الكبير والعبث بأذواق الصغير دون وعي أو مسؤولية، لهذا فتقييم الإنتاجات الرمضانية يشكل رهانا ومحكا حقيقيا لتعبر هذه الأحزاب عن رؤيتها للإعلام العمومي، إذا ما وجدت هذه الرؤية في الأصل. وفي السياق ذاته، وتجنبا لهذه المشاكل الإنتاجية الرمضانية، يجب الانضباط لكل مراحل العملية الإنتاجية، بدءا بالبرمجة والإنتاج، مرورا بلجنة القراءة التي يجب أن يعاد النظر في وظيفتها كأداة استشارية، لتصير ذات أبعاد تقريرية، مع التشديد على ضرورة انتماء أعضائها إلى المجال الإبداعي بشكل مباشر، وعلى ضرورة تقديم تقارير مفصلة عن عملية أو قبول أي عمل يقدم كاملا، قبل انطلاق عملية التصوير، لكي لا يصادف المتتبع بعملية كتابة أو«ارتجال» أثناء التصوير. من جهة أخرى، أصبح مطلب الفصل -في القناة الأولى- بين مديرية الإنتاج والبرمجة مطلبا ملحا للغاية، كما أن القناة الثانية في حاجة إلى ضخ دماء جديدة في شرايينها، بعد «سيطرة القلاع القديمة» في الإنتاج، وذلك عبر تعيين مدير للإنتاج يفك أسرار الإنتاج في قناة «عين السبع». في ارتباط بهذه الخطوات الإجرائية، على المسؤولين عن التلفزيون أن ينأوا، -إذا ما أرادوا بطبيعة الحال تحسين أدائهم ووقف نزيف تبذير أموال الشعب- عن كواليس المنتجين التي لا يعيها «النقاد» الموسميون البعيدون عن «العملية الإبداعية» الحقيقية، التي تنطوي في الغالب على حسابات تكون في معظمها على حساب المشاهد، فكل عام ورمضان بألف خير، أعاده الله علينا وعليكم بمزيد من الخير والبركات والعفو من هذه الرداءات.