هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري، الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العدراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير الأسبق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. هو الإبن الرجاوي العاشق للرجاء، من درب السلطان نما حب صغير في شرايينه اسمه الشياطين الخضر. إن تسأل عنه الأحياء الفقيرة (درب كرلوطي، درب بوشنتوف، درب الفقراء، درب اسبانيول...) فهو نجم الديربي الأول بين الوداد والرجاء والبطل الذي حلق رفقة المنتخب في سنوات الخمسينيات، باحثا عن إبداع الكرة وسحر لحظة تشهد انطلاقة الفريق الأخضر. هو حميد بهيج الذي يخص «المساء» ببوح جميل، يقول فيه: «درب السلطان يختزن ويختزل كل ذكرياتي، عشت فيه أجمل لحظات الطفولة والشباب، في هذا الحي تعرفت على أسماء من ذهب في تاريخ الرجاء. عرفت بهيجة وعبد القادر الصامبا وأولاد بريكة رحمهم الله، جمعنا حب الرجاء والانتماء إلى هذا الفريق، وقعنا للرجاء في سنة 1951، خضنا تجربة الصغار، قبل الصعود إلى فئة الفتيان موسم 1953/1954، وبعد عامين التحقنا بقسم الشبان، وبعدها صعدنا إلى القسم الأول للمشاركة في كأس الجامعة الفرنسية، ومع الاستقلال (1956) حلت البطولة الفرنسية السالفة الذكر، وتم خلق 130 فريقا في المغرب كله، بعض الفرق كانت موجودة وأخرى خلقت بعد الاستقلال، وبرمجت إقصائيات، كل فريق يجري وفقها ثلاث مقابلات، وأتذكر أننا فزنا في الأولى على نصر ابن أحمد بأربعة أهداف مقابل واحد، وانتصرنا في المقابلة الثانية على نصر الدارالبيضاء بهدفين لصفر واختتمنا الإقصايئات بالفوز على الأولمبيك بحصة 7 أهداف مقابل واحد، وأتذكر أننا أجرينا المقابلة في الثامنة صباحا، وهذا التوقيت جعلنا أول فريق يصعد إلى القسم الأول بعد الاستقلال، إذ أعلن في الصحف آنذاك عن صعود الرجاء إلى القسم الأول قبل أي فريق آخر». هي رجاء درب السلطان ورجاء بهيج ورجاء الأب جيكو الذي يقول عنه بهيج: «هناك خطأ يقع فيه العديد من المهتمين أو الصحافيين حول كون الأب جيكو مؤسس الرجاء، لماذا؟ لأنه التحق بالرجاء في سنة 1957 في الوقت الذي أسست فيها الرجاء في سنة 1949، ولكن للحق أقول إن ما قام به هذا الرجل يعد أهم من التأسيس، إذ بمجيئه، خلق للفريق نظاما خاصا، وأتذكر أنه حينما حضر إلى ملعب «يران العسكر» (قشلة الدرك الملكي بشارع 2 مارس) لرؤية فريق الرجاء بعد صعودها إلى القسم الوطني الثاني في موسم 53/54، بطلب من المدرب الحاج عبد القادر جلال، أعجب باللاعبين، وقال: «تهلى في هاد الدراري، و«سيرتو» هاد البزيقيل» في إشارة إلي، ومن جميل الصدف أن هذه المجموعة هي التي صعدت إلى القسم الوطني الأول ودربها الأب جيكو في ما بعد. والحقيقة أنه مع الأب جيكو أصبحت الرجاء في حلة أخرى، وأصبحت مشهورة ومحبوبة لدى جمهور درب السلطان والجمهور البيضاوي في ما بعد، وأتذكر أنه كان يدرس الفريق الذي سنلعب معه. ومن بعض الذكريات أنه كان يلح على عدم مجاراة أعضاء فريق الرجاء البيضاوي في إيقاعهم لأنهم أقوياء، «كان تيكول خصكم تجريو بيهم»، ومن هنا جاءت فكرة «دقة دقة» التي اشتهرت بها الرجاء واستحقت العديد من الألقاب». ومن ذكريات درب السلطان في علاقة ببدايات الرجاء، يضيف حميد بهيج: «في قهوة «بي صالح» في زنقة الغرب، كانت الانطلاقة الأولى للفريق الأخضر بعد اندماج أربعة فرق (الفتح، عبد المومن، النصر، يوسف بن تاشفين)، إذ اقترحت العديد من الأسماء، قبل أن يتم الاتفاق على اسم الرجاء، وكان من بين المؤسسين الأخوان بنابدجي، السي ريحاني، الهاشمي، الناوي، الداودي، أحمد الصباغ، الكادري، بوجمعة. وبعد ذلك جاء العشفوبي، وبعد زنقة الغرب، انتقلنا إلى قهوة بالقرب من حديقة بوشنتوف، في هذا الفضاء كنا دائما نتعرض لتفتيش البوليس الفرنسي، بذريعة أننا نقوم بنشاط سياسي، وهذا ما جعلنا نغير مكان الاجتماع إلى مقهى في«طلعة كريكوان»، قبل العودة إلى مقهى تسمى الآن مقهى الجزيرة الخضراء، رغم أن أغلب الناس يسمونها مقهى «الراجا»، لأنها كانت ملتقى الرجاويين». وينبش بهيج في ذكرياته الرجاوية مضيفا: «في لحظة من لحظات عمري أخطأت، وهذا راجع إلى صغر سني، بعدما وقعت لفريق المولودية بطلب من المرحوم مصطفى بلهامشي دون إذن الرجاء، وقد لاقيت ترحابا كبيرا من لدن الوجديين وخصصوا لي راتبا حدد في 40 ألف فرنك، أقمت في وجدة مدة شهرين ولعبت مقابلة ودية ضد المغرب الفاسي، في أحد الأيام كان مقررا أن تلعب المولودية ضد الماس بالرباط والرجاء ضد الكوكب المراكشي في مراكش، فخيرني الهاشمي بين البقاء في وجدة أو الذهاب إلى الرباط، فاخترت الرباط، وبمجرد الوصول إليها، وجدت أخي ابراهيم وعلي فوكورة رحمهما الله في انتظاري، قبل أن التحق بمدينة مراكش، ومن الصدف أنني وصلت مع قرب بدء المقابلة، وما إن رآني أصدقائي، حتى عادوا إلى مستودع الملابس، لفسح المجال لدخولي الملعب، وخسرنا في النهاية بهدف لصفر. وفي يوم الأربعاء استدعيت من طرف الجامعة التي تضم في عضويتها آنذاك بوستة، النتيفي، بلهاشمي، وأصدروا حكما بتوقيفي أربعة أشهر والعودة إلى الرجاء، وهذا ما أقلقني وجعلني ألتحق بمدينة مراكش رفقة بعض الأصدقاء، وبعد مرور عشرين يوما سمعت عن إجراء المنتخب لمقابلة ودية ضد فريق برازيلي من الدرجة الثانية، فالتحقت بالبيضاء. بعد الوصول إلى الملعب دخلتُ إلى أرضية الملعب لأهنئ اللاعبين على فوزهم بهدف بهيجة. في هذه المقابلة أشرف على تدريب المنتخب أربعة مدربين(القدميري، الخميري، كلينزو، فانافير)، وبعد الانتهاء طلب مني القدميري أن أرافق المنتخب والفريق في حفل عشاء نظم في فندق قرب»روايال منصور»، هذا الالاحتفال حضره الأميران مولاي الحسن ومولاي عبد الله، فنادى ولي العهد الحسن آنذاك على عمر بوستة رئيس الجامعة وقال له: «أعجبني الفريق الوطني وأريد أن نتأهل إلى الألعاب الأولمبية»، فرد عليه بوستة «سميت سيدي، باقي خاصنا واحد النقيلة» في إشارة إلى توقيفي، فنادى علي الحسن الثاني وأنبني على هذا الفعل، وطلب على الفور إلحاقي بالمنتخب، وقال: «إلى ما تدربش معاكم نهار الثلاث، غادي نشكي بيكم عند محمد الخامس»...