يجمع المهنيون والمتتبعون لملف القضاء بالمغرب على أن قضية استقلاليته عن السلطة التنفيذية هي أهم مشكل يتخبط فيه وأن النجاح في إيجاد حلول ناجعة لهذه الإشكالية سيدفع بالأمور سريعا إلى الأمام. وأكد النقيب عبد الرحمن بنعمرو في تصريح ل «المساء» أن السلطة التنفيذية تتدخل في شؤون القضاء بشكل مباشر عبر الصلاحيات الواسعة المخولة لوزير العدل. وأضاف أن الوزير يعين القضاة ويتحكم في تنقيلاتهم وترقياتهم، وباستطاعته إحالتهم على المجلس التأديبي والحكم عليهم بالتوبيخ أو التنبيه وإن كان الملك هو الذي يصدر قرار الشطب في حقهم. كذلك يتدخل وزير العدل في القضاء بشكل غير مباشر من خلال تعيين رؤساء المحاكم، ويشرح بنعمرو أنه بحكم الممارسة الطويلة في مهنة المحاماة تتضح حقيقة الرعب الذي يعيشه كثير من القضاة الذين يسارعون إلى فرض رقابة ذاتية شديدة على عملهم حتى لا يخالفوا أوامر الوزير. ودفع هذا الوضع عشر جمعيات مغربية يوم 6 أبريل الأخير للكشف عن مذكرة إصلاح للقضاء تتضمن عدة مشاريع ومقترحات تهم تأهيل القضاة وضمان استقلاليتهم. وبهذا المعنى تأكد أن الجمعيات تسعى من خلال مقترحاتها إلى إعادة النظر جذريا في تكوين القضاة واقترحت في هذا السياق ألاَّ يبقى المعهد العالي للقضاء وحده المتخصص في ذلك، معتبرة أن دوره يجب أن يذهب في اتجاه تكوين مساعدي القضاء والمفوضين القضائيين والمحامين والخبراء. ويدعو المهنيون إلى تعزيز استقلالية القضاء عبر تأسيس جهاز مستقل عن الحكومة يتكلف بمراقبة القضاة ومحاسبتهم، إلى جانب تحصين القاضي وحفظ مقامه الاعتباري، ويصرون على أن الوقت حان لكي تلج المحكمة المغربية عالم التكنولوجيا الرقمية والإنترنت لتسهيل التواصل مع المواطنين والمتقاضين، ولفتح الأبواب أمام الباحثين للاطلاع على سير العمل داخل المحاكم بغرض الدراسة وتشجيع البحث العلمي لتطوير أداء القضاة والمحامين على حد سواء. ولعل الأبرز في هذه المذكرة هو تركيزها على كفاءة القاضي من خلال توضيحها أن المحام يجب أن يكون حاصلا على شهادة الماستر لولوج المعهد العالي للقضاء، وبعد أن يقضي عشر سنوات كاملة في ممارسة المهنة، تتم تزكيته من طرف نقيبه واجتياز مقابلة مع لجنة مشتركة بين المجلس الأعلى للقضاء وجمعية هيئة المحامين حتى يصبح قاضيا، ويستعمل خبرته الطويلة الغنية في خدمة المهنة وأدائها بشكل أفضل. وبالنسبة إلى بنعمرو فقد صار من الضروري النهوض بالأوضاع المادية والمعنوية للقضاة لتعزيز قيمتهم الاعتبارية ومقاومتهم لكافة أنواع التدخلات في الأحكام التي يصدرونها. وقال إن الوقت حان كذلك للعمل بقانون من أين لك هذا؟ وتطبيقه على القضاة الذين يلتزمون بالتصريح بممتلكاتهم وتقديم كل ما يزكي شفافية ذمتهم المادية، في ظل ما يقال عن انتشار الرشوة داخل سلك القضاء، كما جاء في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية فرع المغرب (ترانسبارانسي). كما شدد على ضرورة ضبط المنظومة القانونية مع مساعدي القضاء وكافة المهنيين المرتبطين به من محامين وغيرهم لدفعهم للمساعدة على تطوير جهاز القضاء وعدم إثقاله بالمشاكل التي تعرقل سيره. ويضيف النقيب الأسبق أن عدم التدقيق في اختيار رؤساء المحاكم يساهم بدوره في إثقال العمل القضائي بمشاكل لا حصر لها، ودعا في هذا السياق إلى توفير ضمانات لاختيار رؤساء بناء على معايير المهنية والفعالية، إلى جانب إعادة النظر في بنية المحاكم وتجهيزاتها التي تعاني من خلل كبير يعرقل عمل القضاة.