«لا كلمة فوق القضاء والقدر» هكذا أجابت «لكبيرة»، زوجة الممثل المغربي المرحوم إدريس الحدادي، وهي تحاول إخفاء فقر وألم نخر جسدها وخطف زهرة شبابها مبكرا، بعد أن فرق الموت بينها وبين زوجها ومعيلها الوحيد. في منزل جد متواضع بحي مبروكة بعمالة سيدي عثمان بالدار البيضاء، حيث كانت بداية ونهاية إدريس الحدادي، مازالت أسرته الصغيرة المكونة من أرملته «لكبيرة» وابنيه، يصارعون من أجل العيش في غرفة «بئيسة» في سطح متآكل الأركان، هو أيضا إرث غير «صافي» تركه المرحوم لهم إرثا عن والديه، تقول شقيقة إدريس: «تستقر ست أسر في هذا المنزل المكون من الطابق الأرضي والسطح، وإن قسمت التركة بين الورثة فإن أسرة إدريس لن يتجاوز نصيبها نصف الغرفة التي تستقر بها حاليا». حكت الزوجة عما تكابده وابناها، وقالت إن رحيل إدريس كان بداية لأزمة اجتماعية مازالت تعتصرها في كل لحظة وحين، وأنها تعيش فقط على فتات ما «يتصدق» به أصدقاء الفقيد، أما سواهم فلا تتذكر أن جهة مسؤولة طرقت يوما باب غرفتها واقتحمت عليها عزلتها لتنبش في تاريخ الفقيد الذي لم يكن يجيد مهنة غير «لغة الكلام» فيجمله ليرسم به ضحكات على شفاه جمهوره، الذي لا يعلم أن خلف تلك الابتسامة يوجد جرح غائر من المعاناة والمكابدة من أجل العيش، بل من أجل جني ما يفي أو قد لا يفي بضمان لقمة عائلته الكبيرة، والتي كان على رأسها الأب والأم، وإثنا عشر شقيقا، بالإضافة إلى أسرته الصغيرة، ورغم ذلك قاد المركب إلى أن وافته المنية وسط أفراد عائلته. لم يخلف إدريس الحدادي ثروة لأسرته سوى أدواره في مسرحيات رفقة عناصر فرقة الحي، مازالت الأسرة تتذكر بها الفقيد في لحظة الاشتياق والألم مثل «حسي مسي» و«حلوف كرموس». وكان مسلسل «المستضعفون» آخر مسلسل شارك فيه الفقيد، لتختتم بذلك مسيرة ممثل كتب له أن يعيش حياته في الكد لتحيا عائلته، وأن يموت في فقر لأنه لم يكن يوما من طينة «المتملقين»، فعاش ومات نبيلا وكله كبرياء، يقول صديق دربه حسن فلان: «إدريس لم يكن أبدا متملقا، لذلك ظل وضعه على هذا الحال». وأضاف أن إدريس لم يكن يرضى لنفسه أن يسأل أحدا فيرده أو أن يتحسس شيئا آخر في سبيل مراكمة الثروة أسوة بآخرين، ويكون مقابلها أن يبيع ماء وجهه «أبدا لم يكن إدريس كذلك»، هكذا وصف حسن فلان رفيق دربه في مسرح الحي، واعتبره رمزا للطيبة والكبرياء والتفاني، وقال إن فنه وأعماله لم تنصفه ولم تشفع لأسرته من بعده في عيش يضمن لها كرامتها بعد رحيله، حيث إن بعض المسرحيات مازالت تعرض حتى الآن دون أن يكون لأسرته نصيب أو تعويض عنها. كانت «لكبيرة» تعجز عن تأليف كلمات لتعبر عن معاناتها، رغم أن ذلك كان يتجلى بشكل واضح، وقالت إن رحيل الزوج كان صدمة بالنسبة إليها غير أن الصدمة الأكبر هي تنكر الجهات المسؤولة التي رفعت يدها عن المسألة، وكأن إدريس كان متطفلا على الميدان، علما أنه لم يكن يمتهن مهنة أخرى غير التمثيل، وكان يعشقه حتى النخاع. وتشتد أزمة الأسرة أكثر عند حلول كل مناسبة دينية، مثل عيد الأضحى، الذي تعهد ووفى به أحد الفنانين في مناسبتين متتاليتين، ونقابة الفنانين في مناسبة ثالثة، وفي أحيان أخرى يتدخل الجيران والأصدقاء والمحسنون. تقول لكبيرة: «احنا ديما عايشين مع المحسنين، كل النهار كيكون على الله». أكدت زينب، الإبنة الكبرى لإدريس، 24 سنة، أنها كانت تريد أن تتحمل مسؤولية أسرتها بعد وفاة والدها لكن إصابتها بكسر في حادث سير حال دون اشتغالها في أي عمل يتطلب الحركة، وأضافت أن شقيقها الذي يصغرها سنا غادر فصول الدراسة مباشرة بعد وفاة الوالد للبحث عن عمل دون أن يتمكن من ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أنهم لن يكونوا حالة استثنائية مثل باقي أسر الفنانين الذين تركوا في مواجهة ندية مع قدرهم. وقالت زينب الحدادي في هذا الإطار إن والدها، وبحكم أن عمله كان مناسباتيا فقط، فإنه كان «يتقشف لتكفيه الأجرة في انتظار عمل مسرحي أو تلفزيوني جديد».